في عالم العملات الرقمية، حيث تتراقص الأسعار بين صعود وهبوط، ويتبدل المشهد المالي العالمي بسرعة البرق، يجد الريبل (XRP) نفسه حالياً في مفترق طرق حاسم. بعد سلسلة من الانتكاسات التي كبدته بعضاً من بريقه، تتجه الأنظار نحو محفزات قوية قد تعيد تشكيل مساره، أو تدفعه نحو مزيد من الغموض. فهل نحن على أعتاب تحول كبير في قصة هذه العملة الرقمية المثيرة للجدل؟
الريبل، الذي لطالما كان محط اهتمام المستثمرين والمحللين، تعرض مؤخراً لضربة موجعة. شهدنا انخفاضاً مستمراً في قيمته لأربعة أيام متتالية، ليحوم السعر حول مستوى 2.80 دولار وقت إعداد هذا التقرير. لا نتحدث هنا عن تقلبات طفيفة؛ فالعملة سجلت تراجعاً بنسبة تجاوزت 5% خلال 24 ساعة، وبأكثر من 7% على مدار الشهر الماضي. يا جماعة، دي مش أرقام بسيطة، أي حد في السوق عارف إنها بتعمل قلق. هذا الهبوط لم يكن معزولاً، إذ تزامن مع تراجع العملة الرقمية الأم، البيتكوين (BTC)، التي انخفضت دون مستوى 115,000 دولار، مما بث موجة من التشاؤم في أرجاء السوق.
لكن هل هذا الهبوط مجرد سحابة صيف عابرة أم أنه يحمل في طياته إشارات لاتجاهات أكبر؟ كما أشار المحامي بيل مورغان، وهو من الأصوات البارزة في مجتمع العملات الرقمية، لا يزال الريبل XRP مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالاتجاه العام للبيتكوين. ومع ذلك، يرى مورغان أن التقدم التنظيمي والمؤسسي قد يكون له دور كبير في مواجهة هذا الضعف على المدى القريب. فنياً، يبدو أن الريبل يتلقى دعماً حول مستويي 2.80 دولار و2.50 دولار، بينما تقع مستويات المقاومة الرئيسية قرب 3.20 دولار و3.33 دولار. أعلى نقطة وصل إليها الريبل على الإطلاق كانت حول 3.84 دولار. المتداولون يصفون الحركة الحالية بأنها “مرحلة توطيد” تسبق “انفجاراً” محتملاً، وهذا بيدّي أمل لناس كتير.
التحول الأكبر، والذي قد يمثل نقطة انعطاف حقيقية للريبل، يكمن في التطورات الأخيرة المتعلقة بصناديق الاستثمار المتداولة (ETFs). فموافقة هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC) على “معايير الإدراج العامة” (GLS) للأسهم الاستئمانية القائمة على السلع، فتحت الباب على مصراعيه أمام بورصات كبرى مثل ناسداك وبورصة نيويورك لإدراج صناديق الاستثمار المتداولة هذه على الفور، دون الحاجة لمراجعات إضافية من الهيئة. يعني باختصار، الإجراءات بقت أسهل بكتير.
الخبراء يربطون هذا التطور بما حدث في عام 2019، عندما أدت خطوة تنظيمية مماثلة إلى تسارع هائل في إصدار صناديق الاستثمار المتداولة التقليدية. نيت جيراتشي، رئيس شركة “NovaDius لإدارة الثروات”، شارك تحليلات مات هوغان، رئيس قسم المعلومات في “Bitwise Asset Management”، الذي يتوقع أن تشهد سوق العملات الرقمية دورة مماثلة من النمو في إصدار صناديق الاستثمار المتداولة. تخيلوا السيناريو ده يحصل مع الريبل، إيه اللي ممكن يتغير في قيمته؟
وهنا يأتي دور العملاق “بلاك روك”. هذه الشركة، التي تدير تريليونات الدولارات، أثبتت بالفعل هيمنتها على صناديق البيتكوين والإيثريوم الفورية. صندوقها الاستئماني للبيتكوين جذب تدفقات فاقت 60 مليار دولار، بينما استقطب صندوق الإيثريوم أكثر من 13 مليار دولار. أرقام مهولة بكل المقاييس. يتساءل المحللون: ماذا لو قررت “بلاك روك” أن تلتفت إلى الريبل XRP وتقدم طلباً لإنشاء صندوق “iShares XRP Trust”؟ هذا ليس مجرد سؤال عابر. فمع حجم الأصول التي تديرها “بلاك روك” – أكثر من 3.6 تريليون دولار في صناديق الاستثمار المتداولة بنهاية عام 2024 – حتى التعرض المحدود للريبل قد يعيد تشكيل سيولتها بالكامل ويعزز من مصداقيتها المؤسسية بشكل لا يصدق.
من جانبها، لا تقف شركة ريبل مكتوفة الأيدي. خططها تمتد إلى ما هو أبعد من مجرد صناديق الاستثمار المتداولة، حيث تسعى للحصول على ترخيص مصرفي أمريكي. هذه الخطوة الاستراتيجية ستمنحها وصولاً مباشراً إلى البنية التحتية المالية التقليدية، مما يعزز قدرتها على التنافس مع أنظمة المدفوعات العالمية القائمة مثل “سويفت”. تخيلوا لو شبكة الريبل أصبحت الخيار المفضل للتحويلات الدولية، كم سيتسع استخدام الريبل كرمز للتسوية؟ بالتوازي مع ذلك، يتناقش المشرعون حالياً حول مشروع قانون لهيكل السوق، يهدف إلى توضيح القواعد التنظيمية للأصول الرقمية، وهو ما سيوفر بيئة أكثر استقراراً ووضوحاً للاعبين الكبار.
هذه العوامل مجتمعة ترسم سيناريوهين رئيسيين لمستقبل الريبل، وكأننا أمام مفترق طرق حقيقي. السيناريو الهابط يتوقع ضعفاً في تدفقات الاستثمار إلى الصناديق الاستئمانية الحالية للريبل، واحتمال رفض هيئة الأوراق المالية والبورصات لأي طلبات ETF جديدة، وتأخيراً في حصول ريبل على الترخيص المصرفي، واستمرار هيمنة “سويفت”. في هذه الحالة، قد تتجه العملة نحو مستوى 2.80 دولار ومن ثم تكشف عن مستوى دعم رئيسي عند 2.50 دولار.
أما السيناريو الصعودي، فهو يعتمد على تدفقات مؤسسية قوية، وتقديم “بلاك روك” لطلب صندوق “iShares XRP Trust”، والموافقة على صناديق الريبل الفورية. إذا حصلت ريبل على ترخيص مصرفي ومرر المشرعون مشروع قانون هيكل السوق، فإن هذا الزخم قد يدفع سعر الريبل لاستعادة مستوى 3.20 دولار، ومن ثم إعادة اختبار 3.33 دولار، وقد يتحدى حتى الرقم القياسي المرتفع السابق البالغ 3.84 دولار.
في الختام، يبدو أن التوازن بين تبني المؤسسات المالية للريبل والوضوح التنظيمي هو المفتاح لمستقبله. بينما يتداول الريبل حالياً حول 2.80 دولار بعد سلسلة من الخسائر، فإن الخطوة التالية ستتوقف على مدى تطور هذه المحفزات. أي إشارة من “بلاك روك” بشأن صندوق “iShares XRP Trust” يمكن أن يكون لها وزن هائل يفوق بكثير تدفقات المستثمرين الأفراد. فهل سيتماسك سعر الريبل فوق مستوياته الرئيسية ليصعد نحو آفاق جديدة، أم سيخضع للضغوط وينخفض؟ هذه هي الأسئلة التي تشغل بال كل من يتابع هذا السوق المثير. نحن نعيش بالفعل في زمن تتشكل فيه ملامح الاقتصاد الرقمي الجديد، والريبل يقف في قلب هذه التطورات، فترقبوا معنا ما ستحمله الأيام القادمة.