هل ينام الذهب؟ رحلة صعود تُشعل أسواق العالم وتُثير التساؤلات

هل ينام الذهب؟ سؤال قد يبدو غريباً، لكنه يعكس حالة من النشاط والارتفاع المتواصل تشهدها أسواق المعدن الأصفر حالياً. فمنذ عقود طويلة، كان الذهب الملجأ الآمن للمستثمرين في أوقات الشدة، واليوم، يبدو أنه يعزف سيمفونية الصعود مجدداً، متجاوزاً توقعات الكثيرين ومسجلاً أرقاماً لم يسبق لها مثيل. هل نحن على وشك رؤية قمم جديدة غير مسبوقة؟ يبدو أن المؤشرات كلها تشير إلى ذلك، والأسواق العالمية تترقب، وهي على أهبة الاستعداد لعبور حاجز الـ 3900 دولار للأونصة الواحدة. يا ترى إيه اللي بيحصل بالظبط؟

في قلب هذا المشهد الاقتصادي الصاخب، شهدت أسعار الذهب ارتفاعاً ملموساً في السوق الأوروبية يوم الخميس، مواصلةً مكاسبها لليوم السادس على التوالي. هذا الصعود المتواصل دفع بها نحو أعلى مستوياتها على الإطلاق، وبصراحة كده، الناس كلها مستنية تشوف هيعدي حاجز الـ 3900 دولار للأونصة لأول مرة في التاريخ ولا لأ. يوم الأربعاء، الذهب كان عامل شغل عالي، وحقق ارتفاع بنسبة 0.2%، مسجلاً أعلى مستوى تاريخي عند 3,895.34 دولار للأونصة. واليوم، ارتفعت الأسعار بنسبة 0.25% لتصل إلى 3,874.83 دولار، بعد أن كانت قد افتتحت التعاملات عند 3,865.62 دولار. أرقام بتوضح إن الذهب ماسك في الصعود ومناويش يسيب.

لكن ما الذي يدعم هذا الارتفاع المتتالي للمعدن النفيس؟ الإجابة تكمن في جانبين رئيسيين يتفاعلان بقوة في الساحة الاقتصادية العالمية: ضعف الدولار الأمريكي، وتوقعات تخفيض أسعار الفائدة من قبل البنك الاحتياطي الفيدرالي.

دعونا نبدأ بالدولار. هل تتخيل أن العملة الأقوى في العالم يمكن أن تتراجع بهذا الشكل؟ مؤشر الدولار انخفض يوم الخميس بنسبة 0.15%، وهذا التراجع ليس مجرد رقم عابر، بل هو استمرار لخسائر متتالية للمرة السادسة على التوالي، دافعاً به نحو أدنى مستوياته في عدة أسابيع. ببساطة، قيمة العملة الأمريكية تتآكل تدريجياً أمام سلة من العملات العالمية. وتراجع الدولار، كما نعلم، يجعل الذهب، الذي يتم تسعيره بالدولار، أقل تكلفة لحاملي العملات الأخرى، مما يزيد من جاذبيته ويزيد الطلب عليه. يعني لما الدولار يضعف، الذهب يلمع أكتر.

وهنا ننتقل إلى بيت القصيد، أو بالأحرى، إلى المحرك الأهم لهذه التحولات: البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وسياسته النقدية. الأسواق تترقب الآن بشغف أي إشارة من “الفيدرالي” حول مسار الفائدة. والمؤشرات الأخيرة توحي بقوة بأننا سنشهد تخفيضين لأسعار الفائدة قبل نهاية هذا العام. لماذا هذا التغير في النبرة؟ لأن البيانات الاقتصادية الأمريكية، خاصة تلك المتعلقة بسوق العمل، بدأت تظهر علامات ضعف واضحة.

في الأيام القليلة الماضية، جاءت التقارير عن سوق العمل الأمريكي وكأنها تلقي بظلالها على الصورة الوردية التي كانت ترسم في السابق. يوم الأربعاء، أظهرت بيانات أن الشركات الأمريكية الخاصة فقدت وظائف بشكل غير متوقع في سبتمبر، في ثاني خسارة شهرية على التوالي. وقبلها بيوم، أشار تقرير فرص العمل المتاحة (JOLTS) إلى نمو طفيف في الفرص المتاحة خلال أغسطس، ولكن الأهم من ذلك، كان هناك تراجع في وتيرة التوظيف. يعني، الموضوع مش مجرد أرقام، الموضوع إن سوق العمل قوته بدأت تتآكل.

هذه البيانات الضعيفة عززت بشكل كبير رهانات المتداولين على أن البنك الاحتياطي الفيدرالي سيقوم بتخفيض أسعار الفائدة مرتين إضافيتين هذا العام. تخيل معي، احتمالات خفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماع أكتوبر قفزت من 90% إلى 99% وفقاً لأداة “فيد ووتش” التابعة لمجموعة “CME”. وفي المقابل، تراجعت احتمالات الإبقاء على الفائدة دون تغيير من 10% إلى 1%. الأرقام دي مش بتقول بس إن الخفض جاي، دي بتقول إنه جاي بنسبة شبه مؤكدة. الناس بدأت تحط فلوسها على ده.

الأسواق الآن لا تزال في حالة ترقب، منتظرة صدور المزيد من البيانات الهامة عن سوق العمل، مثل طلبات إعانة البطالة الأسبوعية اليوم، وتقرير الوظائف الشامل لشهر سبتمبر غداً الجمعة. هذه التقارير ستكون بمثابة اللمسة الأخيرة لتأكيد مسار الفيدرالي.

المحللون يرون نفس الصورة، بل يؤكدون عليها. مات سيمبسون، كبير محللي سيتي إندكس، علّق قائلاً: “بيانات التوظيف الضعيفة من ADP، قبل تقرير الوظائف غير الزراعية، أعادت إحياء رهانات خفض أسعار الفائدة من قِبَل الاحتياطي الفيدرالي لإضعاف الدولار الأمريكي. كما تلقى الذهب دفعة من المخاوف المرتبطة بالإغلاق الحكومي”. يعني، مش بس الفايدة، كمان الأوضاع السياسية ليها تأثير.

وبنك جولدمان ساكس، العملاق المالي، ذهب أبعد من ذلك في توقعاته. في مذكرة صدرت عنه، ذكر البنك أن المخاطر الصعودية لتوقعاتهم لسعر الذهب عند 4,000 دولار للأونصة في منتصف عام 2026، و4,300 دولار للأونصة في ديسمبر 2026، قد ازدادت بشكل أكبر. وهذا يرجع إلى عدة عوامل، منها المراكز المضاربية النشطة، والزيادة المفاجئة والكبيرة في حيازات الصناديق الغربية المتداولة بالبورصة (ETF).

وهذه النقطة الأخيرة بالذات تستحق وقفة. صندوق SPDR Gold Trust، الذي يعد أكبر صناديق المؤشرات العالمية المدعومة بالذهب، زادت حيازاته أمس بنحو 6.01 طن متري، في رابع زيادة يومية على التوالي. الإجمالي ارتفع إلى 1,018.89 طن متري، وهو أعلى مستوى منذ 13 يوليو 2022. ده مش مجرد رقم، ده مؤشر واضح على أن المستثمرين الكبار، زي الصناديق دي، بيزودوا مراكزهم في الذهب، شايفين فيه ملاذ آمن ومستقبل واعد. هم بيشوفوا حاجة إحنا ممكن نكون لسه بنكتشفها.

ماذا يعني كل هذا بالنسبة لنا؟ هل نحن نشهد مجرد موجة صعود عابرة للذهب، أم أننا أمام تحول أعمق في المشهد الاقتصادي العالمي؟ عندما يتراجع الدولار، وتتجه البنوك المركزية نحو سياسات نقدية أكثر تيسيراً، يصبح الذهب قبلة المستثمرين الباحثين عن حماية لثرواتهم من التضخم أو من تقلبات الأسواق الأخرى.

هذه ليست مجرد قصة أرقام اقتصادية جافة، بل هي قصة معقدة تتشابك فيها السياسة النقدية مع ظروف سوق العمل وتوقعات المستثمرين، لتشكل في النهاية مصير أحد أقدم وأثمن المعادن على وجه الأرض. فهل سيواصل الذهب رحلة الصعود ويحقق هذه القمم التاريخية؟ أم أن الأسواق تحمل مفاجآت أخرى؟ شيء واحد مؤكد: عيون العالم كلها شاخصة نحو بريق الذهب، مترقبة لخطواته القادمة في هذه الرقصة الاقتصادية العالمية المعقدة.

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.