في عالم يتقلب فيه كل شيء بسرعة البرق، حيث لا تكاد تستقر قدم الأسواق التقليدية على أرض صلبة حتى تهتز من تحتها، برزت العملات المشفرة، مرة أخرى، كملاذ آمن للباحثين عن الاستقرار أو، لِنَقُل، عن فرص الصعود المذهل. يوم الخميس الموافق الثاني من أكتوبر عام 2025، لم يكن مجرد يوم عادي في سجلات التداول؛ بل كان شاهدًا على تحول جذري في بوصلة الاستثمار، فبينما كانت واشنطن غارقة في أزماتها السياسية، كانت “بيتكوين” ورفيقاتها ترسم مساراتها الخضراء صعودًا، وكأنها تقول للمستثمرين: تعالوا هنا، حيث الفرص لا تعرف اليأس.
القصة بدأت، كالعادة، من عاصمة القرار الأمريكية. تخيل كده معايا، الكونجرس والبيت الأبيض، وهما المفروض يمثلوا قمة الحكمة السياسية، فشلوا في التوافق على أبسط شيء: تمويل الحكومة. هذا الفشل الذريع أدى إلى إغلاق حكومي جزئي، وهي ظاهرة أصبحت تتكرر بشكل مقلق، وتهدد مئات الآلاف من الموظفين الفيدراليين بتعليق رواتبهم. وبصراحة كده، مين يقبل إن مرتبه يتوقف فجأة عشان سياسيين مش عارفين يتفقوا؟ هذا الاضطراب ليس مجرد خبر عابر في نشرة الأخبار، بل هو زلزال يهز ثقة المستثمرين في أركان الاقتصاد التقليدي، ويدفعهم دفعًا للبحث عن أي بديل يحمي أموالهم من براثن عدم اليقين.
وفي خضم هذه الفوضى، لمع نجم العملات الرقمية. القاطرة، كالعادة، كانت “بيتكوين”، ملكة السوق. العملة الرائدة لم تقفز فحسب، بل اخترقت الحواجز بارتفاع بلغ 3.5%، لِتلامس مستوى 118,573 دولارًا أمريكيًا. ده رقم يا جماعة، مش قليل أبداً! ده أعلى مستوى للعملة دي من منتصف أغسطس اللي فات. والأكثر إثارة، أن القيمة السوقية الإجمالية لبيتكوين ارتفعت بشكل مهول، لتتجاوز حاجز 2.36 تريليون دولار، بعدما أضافت أكثر من 6% لقيمتها في غضون أسبوع واحد فقط. هل هذه مجرد فقاعة أم أنها تعكس ثقة متزايدة في قدرة هذه الأصول الرقمية على الصمود؟
المحللون، كالعادة، سارعوا إلى تفسير هذه الظاهرة. هم يرون أن الصعود ليس وليد الصدفة، بل هو نتاج تضافر عدة عوامل. أولًا، جاءت بيانات اقتصادية أمريكية أضعف من المتوقع. لما تشوف أرقام زي دي، بتحس إن الوضع الاقتصادي مش مستقر، وده بيخلي الناس تدور على بدائل. ثانيًا، عززت هذه البيانات الاعتقاد بأن البنك الفيدرالي الأمريكي قد يضطر لتخفيف سياساته النقدية المتشددة. يعني، زي ما تكون العربية ماشية بسرعة عالية، والبنك ممكن يدوس فرامل شوية عشان ميحصلش حادثة. تخفيف السياسات النقدية يعني عادةً سيولة أكبر في الأسواق، مما يزيد من جاذبية الأصول البديلة والعملات الرقمية التي غالبًا ما تُنظر إليها على أنها حصن ضد التضخم أو عدم اليقين الاقتصادي.
لم تكن بيتكوين وحدها من تحتفل بالمكاسب؛ فالسوق بأكمله كان يرقص على أنغام الصعود. إيثريوم، على سبيل المثال، تلك العملة العملاقة التي تدعم عالم العقود الذكية والتطبيقات اللامركزية، قفزت بنسبة 5.8%، مسجلة 4,381 دولارًا، مدفوعة بطلب لا يتوقف على بنيتها التحتية المبتكرة. وريبل (XRP) لم تتخلف عن الركب، محققة ارتفاعًا بنسبة 4.4% لتصل إلى 2.97 دولار. وحتى بينانس كوين (BNB)، العملة الأصلية لأكبر منصة تداول في العالم، أضافت 1.1% إلى قيمتها، لتبلغ 1,012.5 دولارًا. أما دوجكوين، العملة المستوحاة من الميمات والتي طالما حظيت بشعبية، فارتفعت 2.1% مسجلة 1,031.5 دولارًا. لكن لكل قاعدة شواذ، صح؟ سولانا (Solana) خالفت الاتجاه العام وسجلت تراجعًا طفيفًا بنسبة 0.2%، لتستقر عند 209.6 دولار. يعني مش كل حاجة بتطلع، في حاجات بتخالف التيار عادي.
ما الذي يعنيه كل هذا بالنسبة لنا كأفراد ومستثمرين؟ الأمر يتجاوز مجرد أرقام ترتفع وتنخفض على الشاشات. إنه يؤكد حقيقة أننا نعيش في عصر تتغير فيه قواعد اللعبة المالية بسرعة. هل أصبحت العملات المشفرة بالفعل هي الملاذ الجديد الذي يلجأ إليه المستثمرون عند اهتزاز ثوابت الاقتصاد التقليدي؟ أم أنها مجرد موجة أخرى عابرة في بحر التقلبات؟ الحكومات تتخبط، السياسات تتغير، والأسواق تبحث عن متنفس. وفي هذا المشهد المضطرب، تواصل الأصول الرقمية، رغم مخاطرها المتأصلة، إثبات قدرتها على تقديم بديل قد يكون مغريًا للكثيرين. الرهان أصبح كبيرًا، والمستقبل لا يزال يحمل الكثير من المفاجآت. فهل أنت مستعد لهذه الرحلة المتقلبة في عالم المال الجديد؟