في عالمٍ لا يهدأ، حيث تتشابك خيوط السياسة بالاقتصاد وتتأثر حياة الملايين بقرارات كبرى، يجد زوج اليورو/الدولار الأمريكي نفسه هذا الأسبوع على مفترق طرق حاسم. هذا الزوج العملاتي، الذي يُعتبر بمثابة مقياس حرارة للاقتصاد العالمي، يحاول الثبات وسط عاصفة من البيانات المتضاربة والتهديدات السياسية، فما الذي يدور في كواليس أسواق العملات العالمية؟
شهدت حركة التداول لهذا الزوج الحيوي استقراراً ملحوظاً يوم الأربعاء، مستقراً حول مستوى 1.1740 دولار. هذا المستوى يمثل ارتفاعاً عن أدنى مستوياته التي سجلها الأسبوع الماضي عند 1.1635، ليُظهر بعض المرونة في ظل ظروف السوق المتقلبة. ويعزى هذا الاستقرار جزئياً إلى تفاعل المشاركين في السوق مع أحدث تطورات الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة وتداعياته المحتملة على الاقتصاد الأمريكي. يعني من الآخر كده، الناس كانت قلقانة من الإغلاق ده وتأثيره، وده طبعاً بيأثر على الدولار.
من ناحية اليورو، جاء تصريح كريستين لاجارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، ليُلقي ببعض الضوء على مستقبل السياسة النقدية في منطقة اليورو. فقد أشارت لاجارد في خطاب حظي بمتابعة واسعة إلى أن معدل التضخم في منطقة اليورو مستقر نسبياً عند هدفه المحدد بـ 2.0%، مؤكدة أنه لا يوجد تهديد جدي لهذا المستوى حتى الآن. ومع ذلك، شددت على ضرورة بقاء البنك المركزي في حالة يقظة لمنع أي ارتفاع محتمل في التضخم. وبصراحة، التصريح ده خلى ناس كتير تقول إن البنك المركزي الأوروبي مش مستعجل خالص يخفض أسعار الفايدة السنة دي. بالعكس، الاقتصاديون يتوقعون أن تُبقى أسعار الفائدة دون تغيير عند 2%، وأن يستجيب البنك فقط عندما تتغير الظروف الاقتصادية بشكل ملموس.
وفي سياق متصل، تترقب الأسواق بفارغ الصبر صدور أحدث تقرير لتضخم المستهلكين الأوروبي من وكالة الإحصاء التابعة للاتحاد الأوروبي (يوروستات) في وقت لاحق من يوم الأربعاء. يتوقع المحللون أن يصل الرقم الرئيسي للتضخم إلى 2.2%، وهو ما يمثل زيادة طفيفة عن النسبة السابقة البالغة 2%. أما التضخم الأساسي، فمن المتوقع أن يلامس 2.3%. هذه الأرقام، إذا صحت، قد تزيد من الضغوط على البنك المركزي الأوروبي للحفاظ على سياسته النقدية الحالية، أو حتى للتفكير في إجراءات أكثر تشدداً إذا استمر التضخم في الارتفاع.
على الجانب الآخر من الأطلسي، شهد الدولار الأمريكي تذبذبات بعد سلسلة من الأرقام الاقتصادية الأمريكية المتباينة. أظهرت البيانات تراجعاً حاداً في ثقة المستهلك بالبلاد خلال شهر سبتمبر، حيث انخفض المؤشر إلى 94.2 من 97.8 في أغسطس. لماذا هذا التراجع؟ يبدو أن المستهلكين يشعرون بالقلق إزاء الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب، بالإضافة إلى ضعف سوق العمل. ومن المرجح أن تظل ثقة المستهلك تحت الضغط بشكل أكبر بعد إغلاق الحكومة الأخير، خاصة مع تهديد ترامب بتسريح العمال بدلاً من منحهم إجازات مؤقتة خلال هذه الفترة. يعني من الآخر، الناس قلقانة على أكل عيشها، وده بيخليها تمسك في فلوسها وما تصرفش كتير.
أما الحدث الأهم المنتظر فهو تقرير وظائف ADP، والذي يتوقعه الاقتصاديون أن يُظهر إضافة 50 ألف وظيفة جديدة في سبتمبر، بانخفاض طفيف عن 54 ألف وظيفة التي أُضيفت في الشهر السابق. كما سيتم إصدار مؤشر مديري المشتريات الصناعي (ISM)، بالإضافة إلى مؤشرات التصنيع في أوروبا وأمريكا من S&P، لتقديم صورة أوضح عن زخم النمو الاقتصادي العالمي. كل هذه البيانات، يا صديقي، أشبه بقطع “بازل” تتجمع لترسم لنا المشهد الاقتصادي المعقد الذي يؤثر بشكل مباشر على أسعار العملات.
فنياً، أظهر سعر صرف اليورو/الدولار الأمريكي اتجاهاً صعودياً خلال الأشهر القليلة الماضية، ويحوم حالياً بالقرب من أعلى مستوى له منذ بداية العام عند 1.1915. من الناحية الفنية البحتة، لا يزال الزوج فوق خط الاتجاه الصاعد الذي يربط أدنى التقلبات منذ 12 مايو. كما ظل فوق المتوسط المتحرك لـ 50 يوماً، وهي إشارة يُنظر إليها عموماً على أنها صعودية.
ومع ذلك، هناك دلائل تشير إلى أن الاتجاه الصاعد ربما يفقد زخمه، مع انخفاض مؤشر الاتجاه المتوسط. لذلك، قد ينخفض الزوج نحو مستوى الدعم 1.1600 إذا استمر هذا التراجع في الزخم. على الجانب الآخر، يشير تجاوز أعلى مستوى له منذ بداية العام عند 1.1915 إلى إمكانية تحقيق المزيد من المكاسب، وربما الوصول إلى المستوى النفسي الهام عند 1.2000 دولار.
في النهاية، إنها لوحة معقدة يرسمها الاقتصاد العالمي، حيث تتداخل التوقعات المتفائلة مع الرياح المعاكسة. بين إغلاقات حكومية تلوح في الأفق وتقارير تضخم لا تتوقف عن الصعود، يبقى المستثمرون والمحللون على حد سواء في حالة ترقب دائم. هل سيصمد اليورو أمام قوة الدولار، أم أن الضغوط الأمريكية ستلقي بظلالها على الأسواق الأوروبية؟ الأيام القادمة ستحمل الإجابة، ولكن المؤكد أن عالم المال لا يعرف الثبات، وأن كل قرار سياسي أو اقتصادي له صداه الواسع الذي يلامس حياة كل منا، حتى لو لم نكن تجار عملات. فهل نحن مستعدون لما هو قادم في هذه الرحلة المالية المتقلبة؟