هل سمعت مؤخرًا عن أسعار خيالية للعقارات، أو ربما سمعت أحدهم يقول “السوق ده فيه فقاعة، وهتنفجر قريب”؟ هذه الأقاويل، التي تنتشر أحيانًا بسرعة البرق على وسائل التواصل الاجتماعي أو في المجالس، باتت تُلقي بظلال من الشك والقلق على واحد من أهم القطاعات الاقتصادية في مصر. ولكن، هل هذه الصورة المنتشرة تعكس الواقع بالكامل؟ وهل فعلاً نحن على أعتاب أزمة عقارية؟

في محاولة لتبديد هذه المخاوف وتصحيح المسار، عقد المهندس طارق شكري، رئيس غرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات المصرية ووكيل لجنة الإسكان بمجلس النواب، مؤتمرًا صحفيًا كشف فيه العديد من الحقائق والأرقام، مؤكدًا أن ما يُشاع غالبًا ما يكون بعيدًا كل البعد عن الصورة الحقيقية للسوق المصري.

عندما يغرق الوهم في بحر الأرقام الواقعية

“فيلا على البحر بـ500 مليون جنيه!” هذه الجملة، التي قد تثير الدهشة أو السخرية، تُستخدم عادةً كدليل على جنون الأسعار. لكن المهندس شكري وضع الأمور في نصابها الصحيح. أوضح أن مثل هذه الحالات لا تتعدى كونها “استثناءات فردية” بالغة الندرة. تخيل أن الحديث يدور حول ما بين 50 إلى 100 وحدة فقط، في أربعة مشروعات أو ثلاثة على أقصى تقدير، وبالتحديد في الصف الأول بالساحل الشمالي. هل هذا العدد الضئيل يمكن أن يمثل سوقًا يخدم أكثر من 110 ملايين مواطن؟ بالمنطق كده، طبعًا لأ! وأضاف أن بعض هذه الأرقام الضخمة قد تكون مجرد أداة تسويقية لجذب الانتباه، بينما في الحقيقة، توفر الشركات خيارات ووحدات بأسعار أكثر تناسبًا مع القدرة الشرائية للغالبية.

أرباح خيالية للمطورين؟ الحقيقة مفاجئة

من الأفكار الشائعة أيضًا أن المطورين العقاريين يحققون “أرباحًا خيالية” تتجاوز كل تصور. وهنا، جاء شكري بالأرقام ليقلب الطاولة على هذه الفكرة. فبالنسبة للشركات المقيدة في البورصة، والتي تتميز بشفافية ميزانياتها وتخضع لرقابة صارمة، تتراوح هوامش الربح الفعلية بين 10 إلى 15% فقط. تخيل هذا، خلال فترة تنفيذ مشروع قد تمتد من أربع إلى ست سنوات!

ولفهم الأمر بشكل أعمق، شرح شكري معادلة التكلفة الواضحة والمعروفة للجميع. الأرض وحدها تمثل 30-35% من قيمة المشروع. ثم تأتي تكلفة المباني والمرافق واللاندسكيب لتصل إلى 35-45%. أضف إليها التسويق والبيع بنحو 10%، والمصاريف الإدارية والهندسية بـ3-5%. كل هذه البنود تصل بالتكلفة الإجمالية لنحو 90% من قيمة الوحدة، ليتبقى هامش ربح لا يتعدى الـ10%. وإذا كان المطور يعتمد على قروض بنكية، فإن فوائد هذه القروض قد تقتطع 5% أخرى، مما يخفض الأرباح الفعلية إلى 7 أو 8%، بل قد يتعرض بعض المطورين لخسائر في بعض الحالات. “يعني مش كلها فُلوس على فُلوس زي ما الناس متخيلة!”، هكذا يبسط شكري الصورة ليؤكد أن السوق المصري “محسوب ومنطقي ومتوازن”.

الفقاعة العقارية: شبح لا وجود له في مصر

ولعل السؤال الأكثر إثارة للقلق هو: هل نحن أمام “فقاعة عقارية” وشيكة؟ يرى المهندس شكري أن هذا السؤال يُطرح بلا انقطاع منذ أكثر من ربع قرن، وتحديدًا منذ عام 2000، وفي كل مرة يثبت الواقع عدم صحته. ليوناردو دي كابريو كان لسه طالع نجومية لما بدأنا نسمع السؤال ده، والنهاردة هو من أساطير هوليوود والسوق لسه ثابت!

الفقاعة العقارية، بحسب تعريفها، ترتبط بتضخم غير مبرر في الأسعار نتيجة توسع مفرط في التمويل العقاري، كما حدث في الأزمة العالمية عام 2008 بالولايات المتحدة. وقتها، وصل التمويل العقاري إلى 105% من قيمة الوحدة، بمعنى أن البنوك كانت تمنح المواطنين قرضًا يغطي قيمة الشقة كاملة ومبلغًا إضافيًا. أما في مصر، فالوضع مختلف تمامًا. حجم التمويل العقاري لا يتجاوز 3-4% من حجم السوق الكلي، و2.5% منه موجه بالأساس للإسكان الاجتماعي. هذه الأرقام تُبعدنا كل البعد عن أي سيناريو لفقاعة محتملة.

عام 2024: استثناء لا قاعدة

عن المبيعات الضخمة التي شهدها السوق العقاري في عام 2024، أكد شكري أنها كانت نتيجة ظروف استثنائية بحتة، وليست نمطًا يمكن البناء عليه. فقرارات التعويم التي رفعت سعر الدولار من 30 جنيهًا إلى ما بين 55 و70 جنيهًا، أحدثت ارتباكًا شديدًا دفع المواطنين للبحث عن “وعاء آمن” لحفظ قيمة مدخراتهم، وكان العقار هو الملاذ الطبيعي. “مينفعش نقارن سنة استثنائية بسنة عادية، لازم نبص على متوسط سنين كتير عشان نفهم السوق ماشي إزاي،” يقول شكري. فالسوق العقاري بطبيعته “استثمار طويل الأجل”، وليس مجالًا للمضاربة السريعة، والمستثمر الحقيقي هو من يرى فيه مشروعًا يمتد لثلاث أو خمس سنوات أو أكثر.

الطلب حقيقي… والتحدي في القسط

هل هناك طلب حقيقي على العقارات في مصر؟ الإجابة قاطعة: نعم. مع نمو سكاني يتجاوز 110 ملايين نسمة و900 ألف زيجة سنويًا، فإن الطلب على السكن حقيقي ومتزايد. لكن التحدي الأكبر يكمن في “ارتفاع قيمة الأقساط” التي يدفعها المشتري. فالمطورون العقاريون تحولوا في السنوات الأخيرة إلى ما يشبه البنوك، بتقديم فترات سداد طويلة قد تصل إلى 10 أو 12 سنة أو حتى أكثر، “بس برضه القسط بيظل عالي على ناس كتير!”

حل جذري مقترح: تمويل عقاري بفائدة ميسرة

لذلك، كشف شكري عن مقترح قدمه لرئيس مجلس الوزراء، يهدف إلى تفعيل نظام تمويل عقاري بفائدة مخفضة، تستفيد منه الأسرة لمرة واحدة لتمويل وحدة واحدة. هذا المقترح يحدد الفائدة بحسب مساحة الوحدة: 8% للوحدات حتى 100 متر، 10% للوحدات من 100 إلى 150 مترًا، و12% لما يزيد عن 150 مترًا. “المقترح ده بيراعي البعد الاجتماعي، يعني اللي بيشتري وحدة صغيرة عشان يسكن مش يستثمر، لازم تكون فايدته أقل.”

وأكد أن دعم الدولة عبر الفائدة المخفضة ليس خسارة، بل “استثمار يعود عليها بمكاسب اقتصادية مضاعفة”. فحين تزداد القدرة الشرائية للمواطن، يتحرك السوق، ويتوسع المطورون، فتزداد الضرائب والتأمينات، وتُخلق فرص عمل جديدة، وينتعش أكثر من 100 صناعة مرتبطة بالقطاع. هذا المقترح يستهدف بالأساس “الطبقة المتوسطة، العمود الفقري للمجتمع المصري”، التي تعرضت لضغوط كبيرة في السنوات الأخيرة، والتي تستحق حلولاً عملية للسكن بأسعار منطقية. الجيد في الأمر أن رئيس الوزراء وعد بعقد لقاء قريب مع محافظ البنك المركزي لمناقشة هذا المقترح الحيوي، بعد أن أعدت الغرفة دراسة متكاملة تثبت جدواه.

قطاع حيوي وقائد للاقتصاد

في نهاية المطاف، لا يمكن التقليل من أهمية القطاع العقاري. إنه يمثل أحد أعمدة الاقتصاد المصري، حيث يعمل به نحو ربع المصريين، ويسهم بأكثر من 20% من الناتج القومي المحلي، ويقود خلفه أكثر من 100 صناعة مباشرة وغير مباشرة. “القطاع ده مصدر رزق لفئة كبيرة ومهمة من المجتمع.”

فالعقار هو مرآة لاستقرار الاقتصاد، وإذا كان قويًا ومستقرًا، انعكس ذلك على الاقتصاد الكلي والعكس صحيح. ولذا، فإن المعلومات غير الدقيقة والشائعات يمكن أن تؤدي إلى إرباك السوق وتباطؤ الشراء، كما حدث في فترات سابقة. فهل حان الوقت لكي ننصت إلى الحقائق ونبني فهمنا على الأرقام والتحليلات الجادة، بدلًا من الانسياق وراء الأقاويل التي قد تضر بمستقبل قطاع حيوي وتُفقِد الثقة في استثمار يعدّ الملاذ الآمن لمدخرات الملايين؟

Leave a Comment

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.