تذبذبات اليورو والدولار: رقصة محفوفة بالمخاطر في قلب الاقتصاد العالمي
في عالم يضج بالتقلبات الاقتصادية والسياسية، حيث كل إشارة تحمل في طياتها مئات التساؤلات، تتحول أزواج العملات إلى نبض حي يعكس حالة الاقتصاد العالمي. وكأنها مرآة ضخمة تُظهر تفاصيل المشهد بدقة متناهية. تخيل معي، عزيزي القارئ، أن زوج اليورو/الدولار الأمريكي، هذا الثنائي الذي لا ينام، قد شهد استقرارًا غريبًا بعض الشيء خلال الأيام القليلة الماضية، وكأنه أخذ نفسًا عميقًا قبل انطلاقة جديدة. فما القصة وراء هذا الهدوء المؤقت، وما الذي يخبئه لنا السوق؟
يوم الاثنين الماضي، كان الجميع يترقب البيانات الاقتصادية المهمة من ضفتي الأطلسي، ومع إعلان مؤشرات مديري المشتريات (PMI) الأولية لقطاعي التصنيع والخدمات من أوروبا والولايات المتحدة، بالإضافة إلى بيان “محايد” من رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، وجد زوج اليورو/الدولار نفسه عند مستوى 1.1815. صحيح إنه أعلى بقليل من أدنى مستوى سجله هذا الأسبوع عند 1.1728، لكن الاستقرار ده، بصراحة كده، يخفي وراءه صراعًا مكتومًا بين قوى السوق المختلفة.
أوروبا: مزيج من الأمل والحذر
في القارة العجوز، كانت الصورة “متلخبطة شوية” زي ما بنقول، ودي كانت ردة فعل اليورو على البيانات الأوروبية. كشفت شركة S&P Global أن مؤشر مديري المشتريات المركب، اللي بيجمع بين قطاعي التصنيع والخدمات، ارتفع من 51 نقطة في أغسطس إلى 51.2 هذا الشهر، متجاوزًا التوقعات اللي كانت بتشير لـ 51.1. ده خبر كويس طبعًا، وبيوحي بنوع من التعافي.
لكن، زي ما بيقولوا، الفرحة ما بتكملش. في المقابل، انخفض مؤشر التصنيع إلى 49.5 نقطة، وده رقم تحت الخمسين، يعني القطاع ده بيعاني من انكماش، أو “مكرمش” زي ما بنقول بالبلدي. وفي نفس الوقت، مؤشر الخدمات، اللي بيعتبر قاطرة النمو في كتير من الاقتصادات، تباطأ هو الآخر لـ 51.4. يعني بالمختصر المفيد، أوروبا بتحاول تلاقي طريقها، لكنها لسه ماشية بخطوات مش ثابتة تمامًا.
الولايات المتحدة: تراجع في الزخم و”حيرة” الفيدرالي
أما في الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، فالصورة مش وردية أوي برضه. المؤشر المركب الأولي في الولايات المتحدة تباطأ من 54.6 إلى 53.6، في حين تراجع مؤشر التصنيع من 53 إلى 52. الأرقام دي كلها بتشير لتباطؤ في زخم النشاط الاقتصادي، وده طبعًا له تأثيره على الدولار وسياسته النقدية.
المشهد ده بيجي بعد أسبوع واحد بس من قرار الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة بمقدار 0.25%، لتصل إلى نطاق يتراوح بين 4.00% و4.25%، مع تلميحات بإمكانية خفض إضافي. لكن لو فكرت فيها شوية، هتلاقي إن فيه تناقضات كده تخلي الواحد يحط إيده على خده. فمن ناحية، فيه مسؤولين كبار زي ستيفن ميران وميشيل بومان بيدعوا لخفض الفائدة عشان يدعموا سوق العمل، اللي هو يعتبر مؤشر حيوي لقوة الاقتصاد. ومن ناحية تانية، فيه تحذيرات قوية من رافائيل بوستيك وبيث هاماك، اللي “بيخافوا” من شبح التضخم، وبيقولوا إن أي تخفيض جديد ممكن يخلي الأسعار تزيد أكتر، وده طبعًا مش في مصلحة أي حد. وكأنهم بيحاولوا يوازنوا على حبل رفيع بين دعم النمو ومكافحة التضخم.
التضخم يرفع رأسه مجددًا
وكأن المشهد مش معقد كفاية، أظهرت أحدث البيانات الاقتصادية ارتفاعًا في مؤشر أسعار المستهلك الرئيسي لمستوى 2.9%، بينما قفز المؤشر الأساسي (الذي يستثني السلع المتقلبة) إلى 3.1%. الأرقام دي، بصراحة، بتزود الطين بلة وبتخلي قرار الاحتياطي الفيدرالي أكثر صعوبة. ازاي ممكن يخفضوا الفايدة والتضخم بيرفع رأسه بالشكل ده؟ ده معناه إن فيه ضغوط كبيرة على المستهلك وعلى قوة العملة.
اليوم الأربعاء، مافيش بيانات اقتصادية رئيسية أوي هتتصدر، باستثناء بيانات مبيعات المنازل الجديدة في الولايات المتحدة، وخطاب ماري دالي من الاحتياطي الفيدرالي. لكن ده مش معناه إن السوق هينام، بالعكس، ممكن أي تصريح أو معلومة بسيطة تحرك الأسعار بشكل كبير.
التحليل الفني: ماذا تقول الرسوم البيانية؟
لو بصينا على الرسوم البيانية اليومية لزوج اليورو/الدولار، هنلاحظ إنه استقر بشكل ملحوظ في الأيام اللي فاتت، متنقلًا من أدنى مستوى ليه عند 1.1730 وواصلا لمستواه الحالي عند 1.1810. وده في حد ذاته بيطرح سؤال: هل ده هدوء يسبق العاصفة، ولا إشارة لاتجاه صعودي قوي؟
من الناحية الفنية، الزوج ده فضل فوق متوسطي الحركة الأسي لـ 50 و100 يوم، ودي إشارة قوية إن الاتجاه العام ممكن يكون صعودي. كمان، فضل فوق خط الاتجاه الصاعد اللي بيربط بين القيعان من 27 أغسطس، وده مؤشر إيجابي تاني. بالإضافة لكده، كان فوق “سحابة إيشيموكو” (ودي أداة تحليل فني بيستخدمها المحللون)، في حين مؤشرات زي مؤشر القوة النسبية (RSI) والماكد (MACD) فضلت في ارتفاع.
كل الإشارات دي، زي ما المحللين بيقولوا، بتشير لاحتمال كبير إن الزوج يواصل الصعود، مع استهداف المستثمرين اللي بيرجحوا الارتفاع لأعلى مستوى وصل ليه الزوج من بداية السنة عند 1.1950. لكن طبعًا، كل ده مش مضمون 100%. لو الزوج هبط تحت خط الاتجاه الصاعد، ده ممكن يبطل التوقعات الصعودية دي خالص ويقلب المشهد رأساً على عقب.
توصيات السوق: بين الشراء والبيع
بناءً على التحليلات دي، السوق بيطرح سيناريوهين رئيسيين:
- لو هتشتري: المستثمرون اللي بيشوفوا فرصة للشراء بيرجحوا الدخول في صفقة شراء لزوج اليورو/الدولار، مع تحديد هدف لجني الأرباح عند 1.1950. وعشان يحموا نفسهم من أي تقلبات غير متوقعة، بيوصوا بوضع أمر وقف الخسارة عند 1.1700. الإطار الزمني المتوقع للصفقة دي عادة بيكون من يوم ليومين.
- لو هتبيع: على الجانب الآخر، اللي بيشوفوا إن فيه فرصة للبيع، بيرجحوا بيع زوج اليورو/الدولار، مع تحديد هدف لجني الأرباح عند 1.1700، ووقف الخسارة عند 1.1950.
ماذا يعني هذا لنا؟
في النهاية، ده مش مجرد أرقام بتتحرك على شاشات المتداولين. حركة اليورو والدولار، وموقف البنوك المركزية، والبيانات الاقتصادية، كل دي عوامل بتشكل اقتصادنا اللي بنعيش فيه. يعني بالمختصر، لما البنوك المركزية بتقلل الفايدة، ده ممكن يأثر على تكلفة الاقتراض لينا كأفراد أو لشركات، ولما التضخم بيزيد، ده بيأكل من قيمة مدخراتنا ومن قوتنا الشرائية.
إنها رقصة معقدة بين القوى الاقتصادية، حيث كل خطوة محسوبة وكل قرار له تبعاته. فهل ستستمر موجة الصعود لليورو؟ أم أن الدولار سيستعيد قوته مع أي تحول في سياسة الفيدرالي؟ السؤال الأهم، كيف سنتأثر نحن، الأفراد العاديون، بهذه التذبذبات المستمرة في قلب الاقتصاد العالمي؟ الإجابة، زي ما بيقولوا، هتتكشف مع كل يوم جديد في أسواق المال.