أحلام تتبخر، وطموحات تصطدم بواقع مرير. هل تذكر آخر مرة حاولت فيها البحث عن شقة مناسبة بأسعار معقولة؟ غالبًا ما انتهى بك المطاف بالدهشة واليأس أمام أرقام تجاوزت كل التوقعات، ووصلت لمستويات غير مسبوقة. طبعًا، كلنا بنسمع عن ارتفاع أسعار العقارات بشكل فلكي، بس يا ترى إيه الحكاية بالظبط؟ وإيه الأسباب اللي خلت السوق يوصل للمرحلة دي من الجنون؟ يبدو أن الإجابة لم تعد سرًا يلفه الغموض، فقد كشف الدكتور محمد الفيومي، رئيس لجنة الإسكان بمجلس النواب، عن جذور هذه الأزمة المعقدة، مؤكدًا أن الأمر ليس مجرد تقلبات طبيعية، بل هو نتيجة لقرارات وإجراءات كان لها وقعها الثقيل على جيوب المواطنين وأحلامهم في امتلاك سقف يؤويهم.
في تصريحات جريئة لوسائل الإعلام، لم يتردد الدكتور الفيومي في الإوجيه بإصبع الاتهام نحو قرار وصفه بالمفصلي، ألا وهو تجميد تراخيص البناء في مصر لمدة أربع سنوات كاملة. “وقف تراخيص البناء كان السبب الرئيسي في هذا الارتفاع الجنوني للأسعار”، هكذا قال الفيومي، موضحًا أن هذا التوقف الطويل أحدث فجوة هائلة في المعروض من الوحدات السكنية. يعني ببساطة، عدد الشقق المتاحة في السوق قلّ جدًا، بينما الطلب عليها ظل ثابتًا أو تزايد، فكانت النتيجة الحتمية إن الأسعار “طارت” للسما، وبقت بعيدة عن متناول أغلب الناس. هذه الندرة المصطنعة، كما يراها كثيرون، لم تقتصر تداعياتها على جيوب المشترين فحسب، بل امتدت لتغذي ظاهرة أخرى مقلقة: زيادة ملحوظة في مخالفات البناء، وكأن الناس وجدت نفسها في مأزق، تبحث عن حلول خارج الإطار القانوني لتلبية احتياجاتها الأساسية.
لم يتوقف حديث الفيومي عند هذا الحد من تشخيص الأزمة، بل وجه انتقادًا لاذعًا لقانون التصالح في مخالفات البناء، واصفًا إياه بأنه “قانون ظالم”. تخيل معي، مواطن يلتزم بالقوانين، يحصل على التراخيص اللازمة، يبني وفق الاشتراطات الصارمة، لكنه يجد نفسه يعاقب عمليًا بارتفاع التكاليف والأسعار، في حين يتم التصالح مع من خالف تلك القوانين من الأساس دون التقيد باللوائح. “القانون ده بيعاقب الملتزم وبيصالح المخالف”، تعليق يعكس مرارة واضحة تجاه نظام قد يبدو من جهة حلًا لمشكلة قائمة، لكنه من جهة أخرى قد يرسل رسالة خاطئة، مفادها أن الالتزام قد لا يكون هو الطريق الأسهل أو حتى الأوفر. هذا التناقض، كما يراه الفيومي، يساهم في تشويه السوق العقاري ويزيد من تعقيد المشهد برمته.
لكن يبدو أن صرخات السوق ونداءات المتضررين لم تذهب سدى. ففي خطوة مهمة تعكس إدراكًا حكوميًا لخطورة الوضع وتداعياته الاقتصادية والاجتماعية، أعلن الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، عن عقد اجتماع حاسم خلال الأسبوع المقبل. هذا الاجتماع، ليس مجرد لقاء روتيني، بل يضم كبار المطورين العقاريين في البلاد، بهدف بحث مستفيض لتطورات السوق ووضع آليات وضوابط واضحة لتسعير الوحدات السكنية. الهدف؟ “تحقيق توازن وعدالة في السوق”، وهو ما يبدو وكأنه بصيص أمل في نفق مظلم طالما عانى منه المشترون والمستثمرون على حد سواء، ويُبشر بمرحلة جديدة من التنظيم والشفافية.
رئيس الوزراء لم يكتفِ بالإعلان عن الاجتماع، بل ربط الأزمة بتطورات اقتصادية أوسع وأكثر شمولًا. خلال لقائه الأخير مع رؤساء تحرير الصحف، أوضح مدبولي أن الفترة الماضية شهدت تسعيرًا للوحدات السكنية بشكل يعتمد على سعر صرف الدولار المرتفع، وهو ما كان يضيف عبئًا كبيرًا على التكاليف النهائية للمشروعات وبالتالي على أسعار البيع. لكن الخبر السار، كما أشار، هو أن المرحلة الراهنة تشهد “استقرارًا نسبيًا في سعر الصرف”. هذا الاستقرار يمثل فرصة ذهبية لإعادة النظر في آليات التسعير المتبعة، والتأكيد على ضرورة تحقيق الشفافية وحماية مصالح جميع الأطراف، سواء المواطنين الذين يسعون لامتلاك منزل بأسعار عمنطقية، أو المستثمرين الذين يرغبون في سوق عادل وموثوق يمكن التنبؤ به.
وحرصًا من الحكومة على استقرار هذا القطاع الحيوي الذي يُعد قاطرة للنمو الاقتصادي، شدد رئيس الوزراء على أهمية “ضبط السوق العقارية وتعزيز الثقة فيها”. فالقطاع العقاري ليس مجرد عمليات بيع وشراء، بل هو محرك أساسي للاقتصاد الوطني ومؤشر على استقراره وجاذبيته للاستثمار. ولذا، يُنظر إلى الاجتماع المرتقب مع كبار المطورين كخطوة محورية نحو تنظيم هذا القطاع، والحفاظ على تماسكه واستقراره بما يخدم المصلحة العامة، ويضمن بيئة جاذبة للاستثمار المحلي والأجنبي على حد سواء. يعني مش بس بنحل مشكلة عابرة، إحنا بنبني مستقبل لقطاع كامل له تأثيره الكبير على حياة الملايين.
ولم تقف الجهود الحكومية عند هذا الحد، بل تضافرت لتعالج المشكلة من زوايا متعددة ومختلفة. ففي خطوة استباقية تعكس وعيًا عميقًا بالتحديات التي تواجه المستثمرين، أعلنت وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية عن إنشاء “وحدة متخصصة” ضمن هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة. ما هي مهمة هذه الوحدة؟ ببساطة، متابعة وحل مشكلات المستثمرين والمطورين العقاريين بشكل مباشر وسريع. هذا القرار جاء نتيجة لرصد الوزارة “لمحاولات تلاعب من بعض غير المختصين مع عدد من المطورين”، وهو ما يمكن أن يلحق ضررًا بالغًا بسمعة السوق العقارية ويقوض ثقة المستثمرين والمواطنين على حد سواء. يعني عشان نكون واضحين، فيه ناس بتحاول تضرب السوق وتستغل الأوضاع، والوحدة دي جاية توقفهم عند حدهم وتوفر بيئة عمل آمنة.
ولتفعيل دورها بشكل كامل وفعال، أوضحت وزارة الإسكان أن الوحدة الجديدة ستفتح قنوات تواصل متعددة، لا تقتصر على اللقاءات المباشرة التقليدية، بل تشمل أيضًا المنصات الإلكترونية الحديثة. والأهم من ذلك، خصصت الوزارة رقمًا خاصًا على تطبيق واتساب، وهو 01140554000، لتلقي شكاوى واستفسارات المطورين العقاريين، في خطوة غير مسبوقة نحو التواصل المباشر. هذه المبادرة، بكل تأكيد، تعزز الشفافية وتسارع من وتيرة الاستجابة للمشكلات، مما يعطي إشارة واضحة بأن الحكومة جادة في التعامل مع أي معوقات قد تواجه هذا القطاع الحيوي. هل يعني هذا أن أيام “البيروقراطية المقيتة” أصبحت معدودة وأن الحلول ستأتي بسرعة؟ نأمل ذلك وبشدة.
في الختام، يبدو المشهد العقاري في مصر وكأنه يمر بمرحلة مفصلية وحاسمة. فبعد فترة طويلة من التخبط وارتفاع الأسعار الذي أثقل كاهل الملايين وأفقد الكثيرين أملهم في امتلاك منزل، بدأت تظهر ملامح استراتيجية حكومية متكاملة تهدف إلى إعادة الانضباط والتوازن للسوق. من معالجة أسباب الأزمة الأساسية، كتجميد التراخيص الذي أحدث فجوة في المعروض، إلى تنظيم آليات التسعير بشكل عادل، وصولًا إلى حماية المستثمرين من التلاعب والغش، تتضافر الجهود لضمان أن يكون هذا القطاع داعمًا للنمو الاقتصادي ومحققًا لطموحات المواطنين في امتلاك سكن كريم بأسعار معقولة. لكن، هل هذه الإجراءات كافية وحدها؟ وهل ستنجح في كبح جماح الأسعار وتوفير وحدات سكنية بأسعار معقولة للجميع؟ الإجابة ستكون رهنًا بمدى فاعلية هذه الإجراءات على أرض الواقع، وبمدى التزام جميع الأطراف المعنية، من حكومة ومطورين ومواطنين، بمسار الشفافية والعدالة. ففي نهاية المطاف، الاستقرار لا يتحقق بقرار واحد، بل بتضافر جهود والتزام مستمر من الجميع.