تخيل معي مشهدًا يتكرر في كل بيت مصري، سواء كانت عروس تجهز لشبكتها، أو أب يسعى لتأمين مستقبل أبنائه، أو سيدة تدخر بعض المال تحسبًا لتقلبات الزمن. ما الذي يتبادر إلى أذهانهم عندما تبدأ الأحاديث عن ارتفاع أو انخفاض قيمة المال؟ غالبًا ما يكون “الذهب” هو الملاذ الأول، ذلك المعدن الأصفر البرّاق الذي طالما ارتبط بالثبات والقيمة. لكن ماذا لو بدأ هذا الملاذ التقليدي في التمايل والرقص على إيقاع سوق متقلب، لا يوقعه إلا من يمسك بزمام تحركاته؟

يوم الأربعاء، الرابع والعشرين من سبتمبر لعام 2025، لم يكن يومًا عاديًا في ساحة الذهب المصرية. منذ أن بزغت شمس هذا اليوم، والكلمات المفتاحية المتعلقة بـ”سعر جرام الذهب عيار 21″ كانت تتصدر قوائم البحث على محرك “جوجل”، في مؤشر لا تخطئه العين على اهتمام شعبي جارف بتحركات المعدن الأصفر. الكل كان يترقب، ويتساءل: هل سيواصل الذهب صعوده ويحقق الآمال المعلقة عليه، أم أن الرياح ستأتي بما لا تشتهي سفن المدخرين والمستثمرين؟

اللي حصل بقى كان شوية ملخبط كده، يعني بصراحة، السوق ما رضيش يستقر على وتيرة واحدة طوال اليوم. فبعد بداية شهدت ترقبًا لارتفاعات محتملة، خاصة مع ارتفاعات طفيفة لعيارات بعينها في ساعات الصباح الأولى، فوجئنا بأن الصورة النهائية لختام التعاملات كانت مختلفة تمامًا. انخفض سعر جرام الذهب عيار 21، العيار الذي يُعد الأكثر تداولًا وشعبية بين المصريين، بمقدار 20 جنيهًا كاملة، مقارنة بما كان عليه في بداية اليوم نفسه. أما “الجنيه الذهب”، الذي يعتبره كثيرون الخيار الأمثل للادخار وحفظ القيمة، فشهد تراجعًا ملحوظًا وصل إلى 160 جنيهًا مقارنة بإغلاق تعاملات يوم الثلاثاء السابق. تراجعات واضحة لعمودين أساسيين في سوق الذهب خلال يوم واحد، ده يخلي الواحد يسأل: يا ترى إيه اللي بيحصل في السوق، ومين بيتحكم في اللعبة دي؟

لنتعمق قليلًا في الأرقام ونرى كيف تجلت هذه التحولات على مختلف العيارات. الغريب في الأمر أن هذا التراجع العام لم يكن شاملًا لجميع الأصناف بنفس الطريقة. ففي حين شهدت معظم العيارات هبوطًا، سجل الذهب عيار 24، الذي يُعتبر الأغلى والأكثر نقاءً، مسارًا معاكسًا تمامًا، مما جعله استثناءً لافتًا. فقد افتتح اليوم عند مستويات 5726 جنيهًا للشراء و5749 جنيهًا للبيع، لكنه اختتم التعاملات على ارتفاع ملحوظ، ليصل إلى 5806 جنيهات للشراء و5829 جنيهًا للبيع. شوف الفرق، حاجة تحير الواحد بصراحة! كيف يتجه الأغلى نحو الصعود بينما تتبع بقية العيارات منحنى الهبوط؟

أما باقي العيارات، فكانت تسير على خطى الانخفاض الذي طال عيار 21. فعيار 22، على سبيل المثال، الذي بدأ اليوم عند 5322 جنيهًا للشراء و5343 جنيهًا للبيع، انخفض إلى 5301 جنيه للشراء و5322 جنيهًا للبيع عند الإغلاق. وعيار 18، الخيار المفضل للمصوغات والتزيين، شهد بدوره تراجعًا من 4354 جنيهًا للشراء و4371 جنيهًا للبيع، ليستقر عند 4337 جنيهًا للشراء و4354 جنيهًا للبيع. حتى العيارات الأقل، مثل عيار 14 وعيار 12، لم تسلم من هذا التذبذب الهابط؛ فعيار 14 تراجع من 3387/3400 جنيه إلى 3373/3387 جنيه، بينما سجل عيار 12 هبوطًا من 2903/2914 جنيه إلى 2891/2903 جنيه للشراء والبيع على التوالي. هذه الأرقام تؤكد أن السوق في حركة دائمة ومستمرة، ولا يمكن أبدًا الركون إلى توقعات ثابتة.

نعود مرة أخرى إلى الجنيه الذهب، الذي أنهى اليوم عند 40480 جنيهًا للشراء و40640 جنيهًا للبيع، بعد أن كان قد بدأ تداولاته عند 40640 جنيهًا للشراء و40800 جنيه للبيع. يعني، فعلاً كان فيه تراجع واضح خلال اليوم. بس طبعًا، لما بنتكلم عن شراء الذهب في مصر، مين فينا ما بيسألش عن “المصنعية”؟ ده عنصر أساسي ومحوري بياثر على السعر النهائي بشكل مباشر. قيمة هذه المصنعية ليست ثابتة، بل تتفاوت بشكل كبير حسب نوع العيار ونوع المشغولة الذهبية نفسها. عادةً، في عيار 21، يمكن أن تتراوح المصنعية بين 6% و14% من سعر الجرام، وتزداد قليلًا في عيار 18. دي نقطة مهمة جدًا لازم أي مشتري ياخد باله منها ويستفسر عنها جيدًا، لأنها بتفرق في التكلفة الإجمالية بشكل ملموس.

إيه اللي بيحرك أسعار الذهب كده؟ هل هو سعر الدولار، ولا الأوضاع الاقتصادية العالمية المتوترة، ولا مجرد لعبة عرض وطلب داخلية؟ الحقيقة إنها كلها عوامل متداخلة ومعقدة وتتفاعل فيما بينها. الذهب، تاريخيًا، يُنظر إليه كملجأ آمن في أوقات الأزمات الاقتصادية والتضخم المرتفع، حيث يلجأ الناس إليه لحماية مدخراتهم من تآكل القيمة الشرائية. لكن عندما نشهد تقلبات بهذا الشكل، فإنها تثير تساؤلات كثيرة حول جدوى الاستثمار فيه على المدى القصير. طب يا ترى، هل الانخفاض ده فرصة للشراء للي كانوا مستنيين أسعار أقل، ولا هو مؤشر على تراجعات أكبر وأكثر حدة في المستقبل القريب؟ ده السؤال اللي بيطرحه كل مهتم بالذهب دلوقتي، والإجابة عليه ليست بالسهولة المتوقعة.

ختامًا، كان يوم الأربعاء 24 سبتمبر 2025 بمثابة رسالة واضحة لكل من يتعامل مع سوق الذهب: التقلبات جزء لا يتجزأ من هذه اللعبة المعقدة. على الرغم من أن بعض العيارات شهدت تراجعًا خلال اليوم، خاصة عيار 21 والجنيه الذهب، إلا أن عيارات أخرى أظهرت مرونة بل وارتفاعًا، مما يعكس سوقًا ذا أوجه متعددة تتطلب فهمًا عميقًا ودراسة متأنية. فهل يجب علينا أن نرى في هذا التراجع فرصة للاقتناص والبدء في الشراء، أم نحذر من مزيد من الهبوط الذي قد يغير خريطة السوق؟ القرار يعود لكل فرد حسب رؤيته الخاصة، أهدافه الاستثمارية، وقدرته على تحمل المخاطر. لكن الأكيد هو أن متابعة السوق بدقة، وفهم العوامل المؤثرة، أصبح ضرورة لا غنى عنها لمن يريد أن يبحر في بحر الذهب المتلاطم بأمان. وما حدش يقدر يتوقع السوق هيعمل إيه بكرة بالظبط، بس الأكيد إن الذهب هيفضل دايماً محل اهتمام ومتابعة في مصر والعالم أجمع.

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.