حسن محمود
يا له من صباح استثنائي ذلك الذي حل على الأسواق المصرية يوم الأربعاء الموافق 24 سبتمبر 2025. فبينما كان أغلب الناس يستعدون لبداية يوم عمل جديد، كان المعدن الأصفر قد حسم أمره، وكتب فصلاً جديدًا في تاريخه المتصاعد، متجاوزًا عتبة الـ5000 جنيه للجرام عيار 21 للمرة الأولى على الإطلاق. إنه رقم لم يكن ليجرؤ أحد على التكهن به قبل فترة وجيزة، لكنه أصبح حقيقة واقعة، فرضت نفسها بقوة على الجميع.
هل تتذكرون كيف كان الناس يتداولون أسعار الذهب بحذر قبل سنوات قليلة؟ وكيف كان تجاوز الألف أو الألفين يثير الدهشة؟ اليوم، أصبح الحديث عن الخمسة آلاف جنيه للجرام هو العنوان الأبرز، ليُعيد تشكيل فهمنا لقيمة المال وقوة هذا المعدن الثمين. هذه ليست مجرد أرقام تُعلن في نشرات الأخبار الاقتصادية؛ بل هي ضربات متتالية تؤثر في قرارات آلاف الأسر، من الشباب المقبلين على الزواج إلى من يخططون للاستثمار أو حماية مدخراتهم من تآكل القيمة.
القصة لم تبدأ فجأة صباح الأربعاء، بل كانت لها مقدمات مثيرة شهدتها الأيام الماضية. فقبل هذه اللحظة التاريخية بيومين فقط، أي يوم الاثنين، سجل الذهب قفزة نوعية بلغت نحو 100 جنيه في الجرام عيار 21. هذه القفزة، التي لم تكن عادية على الإطلاق، مهدت الطريق أمام هذا الصعود الجديد. استقرت الأسعار في مستهل تعاملات الأربعاء عند هذه المستويات المرتفعة، وكأنها تُعلن عن تثبيت قدمها فوق هذا الحاجز النفسي والاقتصادي الكبير. وبصراحة، لما تسمع عن زيادة 100 جنيه مرة واحدة، بتعرف إن الموضوع مش هزار، وإن فيه حاجة كبيرة بتحصل في السوق.
وكما هو معتاد، فإن “شعبة الذهب والمجوهرات” هي المصدر الموثوق لهذه الأرقام التي تثير القلق والترقب في آن واحد. فوفقًا لتقاريرها الرسمية، جاءت مستويات الأسعار في بداية تعاملات يوم الأربعاء 24 سبتمبر 2025 لتُشعل النقاش حول مستقبل المعدن النفيس في ظل هذه الارتفاعات المتتالية. وهنا يجب أن نلاحظ دائمًا أن هذه الأرقام المعلنة هي أسعار الخام، أي بدون احتساب قيمة الضريبة المضافة والمصنعية، وهو ما يعني أن السعر الفعلي للمستهلك سيكون أعلى قليلاً.
دعونا نتعمق في الأرقام، التي هي لغة السوق بلا منازع. لكي ندرك حجم التغيير، يجب أن نقارن الوضع الراهن بما كان عليه قبل هذه القفزة الأخيرة:
بالنسبة للجنيه الذهب، وهو ملاذ الكثيرين للاستثمار:
سجل الجنيه الذهب سعرًا خياليًا بلغ 40160 جنيهًا مصريًا. تخيل! هذا الرقم كان قبل الصعود 39360 جنيهًا. يعني زيادة واضحة وملموسة خلال أيام قليلة. الناس اللي اشترت الجنيه الدهب قبل الزيادة دي، أكيد بتفكر “كنا فين وبقينا فين؟”
أما عيار 24، الذي يُعد الأنقى والأعلى قيمة:
وصل سعر الجرام منه إلى 5737 جنيهًا. وقبل الارتفاع الأخير، كان سعره 5622 جنيهًا. هذا العيار، وإن كان ليس الأكثر تداولاً بين عامة الشعب للاقتناء اليومي، إلا أنه يعكس القيمة الحقيقية للذهب الخام ويستخدم غالبًا في السبائك والادخار.
والآن نصل إلى البطل الرئيسي في هذه القصة، عيار 21:
العيار الذي تجاوز الحاجز الأسطوري. سجل جرام الذهب عيار 21 سعر 5020 جنيهًا مصريًا في مستهل تعاملات الصاغة، بعد أن كان 4920 جنيهًا قبل الزيادة. هذا هو العيار الأكثر شعبية في مصر، هو أساس الشبكة، وهدية الأعياد، واستثمار البسطاء. وصوله لهذا الرقم هو الحدث الأبرز الذي يمسّ جيوب الملايين بشكل مباشر.
ولعشاق عيار 18، الذي يفضله البعض لجمال تصميماته وسهولة تصنيعه:
استقر سعره عند 4302 جنيهًا، صعودًا من 4217 جنيهًا قبل الارتفاع. تظل هذه الفئة محتفظة ببريقها، وتُعد خيارًا اقتصاديًا نسبيًا مقارنة بالعيارات الأعلى، لكنها لم تسلم أيضًا من موجة الصعود.
حتى عيار 14، الأقل نقاءً ولكن الأكثر توفيرًا في بعض الأحيان:
سجل 3347 جنيهًا في تعاملات الأربعاء الصباحية، بعد أن كان 3280 جنيهًا. هذا العيار يجد له سوقًا، خاصة مع ارتفاع الأسعار الذي يدفع البعض للبحث عن بدائل أقل تكلفة.
إذًا، ما الذي تعنيه هذه الأرقام لنا كأفراد في هذا المجتمع؟ هل هي إشارة على قوة اقتصادية، أم أنها انعكاس لتضخم متزايد يلتهم القدرة الشرائية؟ الذهب لطالما كان الملاذ الآمن وقت الأزمات، لكنه اليوم أصبح هو نفسه جزءًا من أزمة للبعض، وحلمًا بعيد المنال للآخرين. الشباب المقبل على الزواج يواجه تحديات غير مسبوقة لتوفير متطلبات “الشبكة”، بينما المستثمرون يراقبون بتقلب هذه اللعبة المعقدة بين العرض والطلب، وبين العوامل المحلية والعالمية.
في النهاية، يبقى الذهب هو ذلك المعدن الساحر الذي يحرك أسواق المال ويحرك مشاعر الناس على حد سواء. ارتفاعاته المستمرة تضعنا أمام تساؤلات جدية حول مستقبل الاقتصاد، وحول كيفية التخطيط لمستقبلنا المالي في ظل هذه المتغيرات المتسارعة. هل سيستمر الذهب في صعوده الجنوني؟ أم أن هناك نقطة تحول قادمة؟ الأيام وحدها كفيلة بالإجابة، ولكن المؤكد أن عيار 21 وهو يتجاوز حاجز الـ5000 جنيه، ليس مجرد رقم جديد، بل هو مؤشر على مرحلة اقتصادية جديدة نعيشها جميعًا، تستدعي منا الكثير من التفكير والتخطيط.
