هل تخيلت يوماً أن موقعاً جغرافياً يمكن أن يكون جواز سفر لدولة نحو مستقبل اقتصادي مزدهر؟ مصر، تلك البوابة العتيقة التي لطالما ربطت الشرق بالغرب، لا تكتفي اليوم بتاريخها العريق، بل تسعى جاهدة لتكون محطة رئيسية في قطار الاقتصاد العالمي السريع. ومع تسارع وتيرة التنافسية العالمية، تدرك القاهرة أن البقاء في الصدارة يتطلب أكثر من مجرد ثروات طبيعية أو موقع استراتيجي؛ إنه يتطلب رؤية واضحة وإرادة قوية للإصلاح.
وفي لقاء جمع بين الرؤية الطموحة والآمال الكبيرة، أكد المهندس حسن الخطيب، وزير الاستثمار والتجارة الخارجية، على أن مصر عازمة على مضاعفة جهودها لخلق بيئة استثمارية لا تقاوم. “إذا أردنا جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فلا بد أن يتمتع اقتصادنا بقدر أكبر من التنافسية”، قال الوزير بوضوح، مشدداً على أن هذه التنافسية هي مفتاح هذا الطموح الذي يشكل ركيزة أساسية لنمو اقتصادي مستدام وشامل.
هذا التصريح المحوري جاء في صلب حوار هام استضاف وفداً رفيع المستوى من مؤسسة شفيق جبر، ضمن فعاليات “مبادرة زمالة جبر للشرق والغرب”. هذه المبادرة، التي تجمع عشرين زميلاً من الولايات المتحدة ومصر، تهدف أساساً إلى تعزيز الحوار الثقافي والاقتصادي وبناء جسور للتفاهم المشترك والتنمية المستدامة. كان اللقاء فرصة مواتية لتأكيد أن مصر ليست مجرد نقطة عبور جغرافية، بل هي قلب نابض يربط الثقافات والأسواق، ونافذة تتسع منها آفاق التعاون الاستثماري، خاصة في القطاعات التي تحمل وعوداً كبيرة لمستقبل المنطقة والعالم.
الوزير لم يكتفِ بالحديث عن آمال المستقبل، بل استعرض بكل فخر التحول الجذري الذي شهده الاقتصاد المصري على مدى العقد الماضي. هنا ممكن أي حد يسأل، “إيه اللي اتغير بالظبط؟” الجواب بسيط: استثمارات ضخمة في البنية التحتية، من شبكات طرق وكباري حديثة، إلى موانئ متطورة ومدن جديدة كلياً، كلها أسهمت في رسم صورة مختلفة تماماً لبيئة الأعمال. هذه المشاريع العملاقة لم تحسن فقط من جودة الحياة للمواطنين، بل مهدت الطريق أمام المستثمرين، المحليين والأجانب، وجعلت مصر وجهة أكثر جاذبية لأي مشروع يفكر في التوسع والنمو.
واليوم، لا تتوقف عجلة الإصلاح. فالدولة تتبنى حالياً العديد من الإصلاحات في السياسات الاقتصادية التي تهدف إلى تبسيط الإجراءات وتخفيف الأعباء على المستثمرين. على صعيد السياسة النقدية، التركيز ينصب على استهداف التضخم لضمان استقرار الأسعار، وده طبعاً مهم جداً عشان المستثمر يحس بالأمان والثقة في الاقتصاد. أما السياسة المالية، فتسعى جاهدة لخفض الرسوم والضرائب، وهو ما يمثل حافزاً مباشراً للمشاريع الجديدة القادرة على خلق فرص عمل ودفع عجلة الإنتاج.
ولا يمكننا أن نغفل السياسة التجارية التي وضعت نصب عينيها هدفاً طموحاً وغير مسبوق: تقليص زمن الإفراج الجمركي بنسبة 75%. تخيلوا كدة، بدل ما كانت البضاعة بتقعد أيام وشهور في الموانئ، الموضوع بقى أسرع بكتير! هذا الإصلاح ليس مجرد رقم على ورقة، بل هو شريان حياة حقيقي يسرع من حركة التجارة، ويقلل من تكاليف الاستيراد والتصدير، وبالتالي يعزز القدرة التنافسية للمنتجات المصرية في الأسواق العالمية. إنه باختصار، دفعة قوية نحو بيئة تجارية أكثر ديناميكية وفعالية.
وبالحديث عن الفرص، السوق المصري يزخر بالقطاعات الواعدة التي تنتظر من يكتشف كنوزها المدفونة. السياحة، على سبيل المثال، ورغم التحديات العالمية، تظل قاطرة اقتصادية لا غنى عنها، بما تملكه مصر من كنوز أثرية وطبيعية فريدة. وكذلك قطاع الرعاية الصحية، الذي تزداد أهميته يوماً بعد يوم، خاصة في ظل التحولات الديموغرافية والوبائية. ولا يمكننا إغفال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي تشهد طفرة عالمية، وصناعة السيارات التي تمر بتحولات جذرية نحو التكنولوجيا الخضراء، بالإضافة إلى قطاع الطاقة المتجددة، الذي يراه الوزير ركيزة أساسية لجذب استثمارات ضخمة ومستقبلية، بفضل موارده الهائلة.
إن موقع مصر الجغرافي ليس مجرد نقطة على خارطة، بل هو ميزة تنافسية لا تقدر بثمن في العصر الرقمي. فدعونا لا ننسى أن حوالي 70% من حركة البيانات العالمية بين آسيا وأوروبا تمر عبر أراضينا، مما يؤهلنا لنكون مركزاً إقليمياً وعالمياً للتجارة والخدمات الرقمية. أليس هذا كنزاً معلوماتياً ينتظر الاستغلال الأمثل؟ والأمر لا يتوقف عند الرقميات؛ فالرياح القوية على طول سواحل البحر الأحمر، تتحول بفضل الرؤية الثاقبة إلى مصادر واعدة للطاقة النظيفة، مما يفتح آفاقاً واسعة لمشاريع توليد الكهرباء من مصادر متجددة، ويجعل مصر لاعباً أساسياً في مستقبل الطاقة الخضراء.
الدولة لا تترك شيئاً للصدفة، وتعمل بجدية لجذب الاستثمارات في الصناعات التي توفر فرص عمل كثيفة، وكذلك الصناعات الهندسية المعقدة، مثل قطاع السيارات والكيماويات ومشاريع الطاقة المتجددة. هذا توجه استراتيجي واضح يهدف إلى بناء قاعدة صناعية قوية ومتنوعة، قادرة على تلبية احتياجات السوق المحلي واختراق الأسواق العالمية. الهدف الأسمى، كما أكد الوزير، هو مضاعفة حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وذلك من خلال أجندة إصلاحية ليست صارمة فحسب، بل مبتكرة وتطلعية، تضع مصر على الخريطة الاقتصادية العالمية كوجهة استثمارية رئيسية.
في النهاية، ما نشهده في مصر ليس مجرد تعديلات اقتصادية عابرة، بل هو إعادة تعريف لموقعها ودورها في عالم سريع التغير. فهل ستنجح هذه الجهود المتواصلة في تحويل مصر إلى جنة استثمارية، تُبهر القاصي والداني؟ الإجابة تكمن في استمرارية هذه الإصلاحات، وفي قدرة مصر على مواجهة التحديات بمرونة وحكمة. ففي عالم اليوم، حيث تتسابق الدول على جذب رأس المال والتقنيات الحديثة، تبقى المبادرة والابتكار والشفافية هي العملات الأكثر قيمة. إنها ليست مجرد أرقام واستراتيجيات، بل هي قصة شعب يسعى جاهداً لبناء مستقبل أفضل لأجياله القادمة، مستقبل تكون فيه مصر بحق جسراً حيوياً لا يربط الشرق بالغرب فحسب، بل يربط الحاضر بالمستقبل الواعد.