Ahmed
هل تساءلت يوماً أين تتجه بوصلة الثروة في عصرنا الرقمي؟ أين يفضل كبار المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال الضخمة أن يضعوا أموالهم، خاصةً عندما يتعلق الأمر بالعملات المشفرة، تلك الموجة التي أحدثت ثورة في عالم المال؟ الإجابة، وبكل وضوح، تشير إلى بقعة جغرافية أصبحت منارة للتطور والابتكار: دولة الإمارات العربية المتحدة. ففي خضم سباق محموم بين الاقتصادات العالمية لاستقطاب أرباب المال الرقمي، برز اسم الإمارات كوجهة لا غنى عنها، محققةً إنجازاً مبهراً بتبوؤها المركز الخامس عالمياً ضمن أكثر الوجهات جذباً للاستثمار في هذا القطاع الواعد.
لم يأتِ هذا الإنجاز من فراغ، بل هو تتويج لرؤية استشرافية وجهود حثيثة، أثمرت عن هذا التصنيف المرموق الذي أورده “تقرير الثروة المشفرة 2025” الصادر عن شركة الاستشارات العالمية المرموقة “هينلي آند بارتنرز”. تخيل معي أن تكون في قائمة تضم أقطاباً اقتصادية وتكنولوجية عريقة! فالدولة الخليجية النابضة بالحياة تتشارك هذه الريادة مع عمالقة مثل سنغافورة، التي تصدرت المؤشر بفضل بنيتها التحتية المدهشة وبيئتها التنظيمية السبّاقة. تلتها هونغ كونغ في المركز الثاني، ثم الولايات المتحدة الأمريكية في المركز الثالث، وسويسرا التي حلت رابعاً. أن تكون الإمارات في هذه الكوكبة، بعد هذه الأسماء اللامعة مباشرةً، لهو دليل على استراتيجية محكمة وخطى ثابتة.
ولكن، ما الذي جعل الإمارات تقتحم هذه القائمة بقوة؟ السر يكمن في حصولها على العلامة الكاملة، عشرة من عشرة، في مؤشر تبني العملات المشفرة. وهذا، يا سيدي، ليس بالأمر الهين أبداً. فالدولة أدركت مبكراً أن جذب هذا النوع من الاستثمارات يتطلب بيئة داعمة ومُحفزة. وأهم ما يميز هذه البيئة، بلا شك، هو الإعفاءات الضريبية السخية على تداول العملات المشفرة وأنشطة التعدين. ببساطة، لما المستثمر يشوف إن أرباحه مش هتتآكل بالضرايب، طبعًا هيفضل المكان ده. هذه الميزة، بالإضافة إلى مستويات غير مسبوقة من التحول الرقمي، وضعتها جنبًا إلى جنب مع سنغافورة وهونغ كونغ والولايات المتحدة وسويسرا كوجهات مفضلة لأصحاب الثروات العالية الباحثين عن المرونة والفرص في عالم الأصول الرقمية المتغير باستمرار.
الموضوع مش مجرد حظ، لأ دي استراتيجية واضحة المعالم. فالحكومة الإماراتية لم تكتفِ بالجانب الضريبي، بل قدمت دعماً حكومياً قوياً ومتواصلاً. لننظر إلى هيئة تنظيم الأصول الافتراضية (VARA) في دبي، التي تُعد بمثابة المظلة التشريعية التي توفر الإطار القانوني لنمو وتطور هذا القطاع. ولا ننسى برنامج الدرهم الرقمي الذي أطلقه المصرف المركزي، والذي يعكس التزام الدولة بالابتكار في المدفوعات والبنية التحتية المالية. كل هذه المبادرات أسهمت، وبشكل لا لبس فيه، في ترسيخ مكانة الإمارات كمركز رائد في تقنيات البلوك تشين، وهي التقنية التي تقوم عليها العملات المشفرة. بصراحة، هو إيه اللي يخلي بلد صغيرة نسبياً تعمل ده كله؟ أكيد رؤية بعيدة المدى واستشراف للمستقبل.
هذا التصنيف يأتي في وقت يشهد فيه عالم العملات المشفرة طفرة غير مسبوقة. هل تعلم أن عدد المليونيرات الذين جنوا ثرواتهم من استثماراتهم في العملات المشفرة قد ارتفع إلى مستوى قياسي بلغ 241,700 شخص حول العالم؟ وهذا العدد يمثل زيادة مذهلة قدرها 40% خلال عام واحد فقط! كأننا بنشوف موجة جديدة من المستثمرين، بتكسر الحواجز التقليدية وبتدخل عالم الأصول الرقمية بقوة. في ظل هذا النمو الهائل، أصبحت الإمارات بمثابة المغناطيس الذي يجذب هؤلاء المليونيرات، سواء كانوا أفراداً أو شركات، بفضل بيئتها الجاذبة التي تجمع بين دعم تقني وتنظيمي ومالي.
والأمر لا يتوقف عند جذب الثروات فحسب، بل يتعداه إلى تشكيل مسار ثورة الأصول الرقمية ككل. ففي العام الماضي وحده، نجحت الإمارات في جذب ما يزيد عن 30 مليار دولار أمريكي من استثمارات العملات المشفرة، وهو رقم ضخم يعكس الثقة المتزايدة في بيئة الاستثمار لديها. والتوقعات لعام 2025 تبشر بمزيد من التطور، حيث من المنتظر أن تشهد اللوائح التنظيمية الخاصة بالعملات المشفرة نقلة نوعية، مع توسيع نطاق استخدامها في مختلف المؤسسات. هذا يعني أن العملات الرقمية لن تكون مجرد أصول استثمارية، بل ستتغلغل في نسيج الاقتصاد اليومي بشكل أوسع وأعمق.
في النهاية، ما الذي يمكن أن نستشفه من كل هذا؟ الإمارات لم تعد مجرد مركز مالي إقليمي، بل أصبحت لاعباً أساسياً على الساحة العالمية في مجال الاقتصاد الرقمي. رؤيتها لمستقبل المال والاستثمار ليست مجرد خطط على ورق، بل واقع يتجسد يوماً بعد يوم. إنها تقدم نموذجاً يحتذى به في كيفية احتضان الابتكار، وتوفير بيئة داعمة، ووضع أطر تنظيمية توازن بين التشجيع والحماية. ومع استمرار نمو هذا القطاع، يبدو أن الإمارات عازمة على البقاء في الطليعة، لتقدم للمستثمرين وأصحاب الرؤى مساحة للتجريب والنمو والازدهار في عالم يتغير بسرعة الضوء. يا ترى إيه الخطوة الجاية؟ الأكيد إنها هتكون خطوة للأمام، في طريق التحول الرقمي والتفوق الاقتصادي.
