الذهب: ملاذ الأيام الصعبة… هل ما زال بريقه يسطع في سماء مصر والعالم؟

الذهب، ذاك المعدن النفيس الذي لطالما أسر القلوب وشد الأنظار، ليس لبريقه الخلاب فحسب، بل لكونه ملاذاً آمناً وحصناً منيعاً في أوقات الاضطراب الاقتصادي. ومع كل نبأ اقتصادي جديد، يتجدد السؤال: هل ما زال بريق الذهب يسطع بنفس القوة في أسواقنا المحلية والعالمية؟ هذا الأسبوع، وتحديداً يوم الأربعاء الموافق الرابع والعشرين من سبتمبر لعام 2025، شهدت أسواق الذهب المصرية حراكاً وإن كان هادئاً، لكنه يحمل في طياته دلالات مهمة حول مكانة المعدن الأصفر وسط عالم مليء بالمتغيرات.

فلنبدأ من قلب السوق المصري، حيث تتربع أونصة الذهب على عرش اهتمام الكثيرين، لكن في مصر، تبقى عيار 21 هو النجم بلا منازع والأكثر تداولاً. لقد افتتح هذا العيار يومه على سعر 5,050 جنيهاً مصرياً للشراء و5,075 جنيهاً للبيع للغرام الواحد، وطبعاً، كل ده من غير ما نحسب المصنعية اللي بتضاف عليه، ودي حاجة الناس كلها عارفاها. هذا الافتتاح لم يكن مفاجئاً تماماً للمتابعين، بل جاء استكمالاً لاتجاه صعودي محدود شهدته الأسعار منذ بداية الأسبوع، مما يعكس تراكماً تدريجياً للمكاسب بدعم من طلب محلي مستمر، وإن كان متأنياً، بالإضافة إلى تأثره بتقلبات الأسواق العالمية التي لا تهدأ.

وبعيداً عن عيار 21، كانت بقية الأعيرة المتداولة متأثرة بنفس المناخ العام من الهدوء والصعود التدريجي. عيار 24، المعروف بـ “الذهب الخالص” لدى البعض والمفضل للمدخرات، سجل سعر شراء 5,771.5 جنيهًا وبيع 5,800 جنيه. أما عيار 18، الأكثر شيوعاً للمشغولات الذهبية والأقل سعراً نسبياً، فقد بلغ 4,328.5 جنيهًا للشراء و4,350 جنيهًا للبيع. وطبعاً، ما ننساش الجنيه الذهب، اللي يعتبر مؤشر مهم جداً لحالة السوق وحجم الطلب، والذي وصل سعره لـ 40,400 جنيه للشراء و40,600 جنيه للبيع.

لكن الصورة لا تكتمل إلا بالنظر إلى الحراك الأسبوعي. لو بصينا على الصورة الأسبوعية، هنلاقي إن الارتفاعات دي مكانتش مجرد صدفة أو يوم واحد. عيار 21 لوحده زاد حوالي 100 جنيه في سعر الشراء وما يقارب 150 جنيه في سعر البيع للغرام الواحد مقارنة ببداية الأسبوع، وده مبلغ مش قليل خالص. وعيار 24 كمان لحقه بزيادة 115 جنيه للشراء ونحو 170 جنيه للبيع. أما عيار 18، فزاد تقريباً 87 جنيه للشراء و129 جنيه للبيع. ولما نيجي للجنيه الذهب، نلاقيه عمل قفزة واضحة وصلت لحوالي 1,000 جنيه على سعر البيع مقارنة بأسعار الأحد الماضي، مما يعكس تصاعداً ملحوظاً في القيمة الإجمالية لهذه العملة الذهبية.

لكن القصة مش كلها في مصر بس. فيه عامل تاني أهم وأكبر بكتير بيحرك أسعار الذهب، وهو السوق العالمي. في نفس اليوم، كان سعر الذهب الفوري للأوقية بيتحرك في حدود 3,763.95 دولار أمريكي. دي طبعاً بعد جلسة تداول كانت ضيقة نوعاً ما، والسعر فيها اتأرجح بين 3,759 و3,770 دولار. على صعيد العقود الآجلة، اللي هي بالمختصر كده توقعات المستثمرين لسعر الذهب في المستقبل، عقد كومكس لشهر ديسمبر 2025 سجل آخر سعر ليه عند 3,794.10 دولار عند الساعة 8:47 مساءً بتوقيت نيويورك، بس الغريبة إنه كان متراجع بنسبة 0.57% خلال الجلسة دي بالذات، في إشارة ربما لبعض عمليات جني الأرباح قصيرة الأجل.

وهنا بقى تيجي نقطة فنية ممكن تلخبط ناس كتير: الفارق بين سعر العقد الآجل والسعر الفوري للأوقية وصل لحوالي 30 دولار، يعني تقريباً 0.8% فوق السعر الفوري. الفارق ده في عالم الذهب بنسميه “كونتانغو”، وده ببساطة معناه إن تكلفة الاحتفاظ بالذهب وتمويله لحد ميعاد التسوية في أواخر ديسمبر بتكون عامل مهم في تحديد السعر. يعني كأنك بتدفع زيادة شوية عشان تستلم الذهب بعدين، وهو ما يعكس ميل المستثمرين للاحتفاظ بالذهب في ظل توقعات بزيادة كلفته مستقبلاً. ولو حسبناها بشكل مبسط، العائد السنوي الضمني من الفارق ده بيدور حول 3% تقريباً، لكن طبعاً الرقم ده مش ثابت وبيتغير حسب تقلبات سعر الذهب نفسه وسعر الفايدة الدولارية.

المهم في كل ده، إن الذهب عالمياً بيواصل التحرك عند مستويات تاريخية هذا الشهر. وده مش بس صدفة، لأ فيه دوافع قوية ورا الارتفاعات دي. أولاً، فيه رهانات متزايدة على أن البنوك المركزية عالمياً هتبدأ في خفض أسعار الفائدة. لما الفايدة بتقل، الذهب بيبقى استثمار جذاب أكتر لأنه ملوش عائد ثابت زي السندات، فالمستثمرين بيلجأوا ليه كمخزن للقيمة. ثانياً، تراجع شهية المخاطرة عالمياً، يعني الناس أو المستثمرين مش مستعدين يتحملوا مخاطر كبيرة في استثمارات تانية، فبيدوروا على ملاذ آمن زي الذهب في أوقات عدم اليقين الجيوسياسي والاقتصادي. وثالثاً، الأهم يمكن، هو استمرار مشتريات البنوك المركزية للذهب. لما البنوك المركزية تشتري، ده بيبعت إشارة قوية للسوق إن الذهب قيمة حقيقية وبتزيد قيمته كجزء من احتياطياتها.

في ظل الزخم ده كله، بيوت الأبحاث الكبرى بتترجح إن سعر الأوقية ممكن يتحرك في نطاق يتراوح بين 3700 و4000 دولار خلال السنة اللي جاية، يعني لحد منتصف 2026 تقريباً. ولو حصلت تدفقات استثمارية أكبر، ممكن نشوف الأسعار تتجاوز النطاق ده كمان. إيه بقى اللي بيدعم النطاق ده؟ خريطة العوامل كلها بتميل لمصلحة المعدن الأصفر: دورة تيسير نقدي متوقعة في الاقتصادات الكبرى، وضعف نسبي للدولار في فترات معينة، واستخدام الذهب كملاذ تحوط ضد عدم اليقين الجيوسياسي، وده بصراحة بقى جزء لا يتجزأ من أي استراتيجية استثمارية حكيمة. توقعات المؤسسات الدولية والبنوك الاستثمارية الكبرى كلها بتتقاطع عند مسار صاعد معتدل على المدى المتوسط، مع احتمالات لكسر السقف ده لو تسارعت تخفيضات الفائدة أو زادت المشتريات الرسمية أكتر، ما يجعل الذهب في وضع تاريخي استثنائي.

يعني بالمختصر المفيد، المشهد العام يدعم بقاء سعر الذهب مرتفعاً تاريخياً على المدى القريب، لكن مع توازن دقيق بين قوة الطلب التحوطي وتغير توقعات الفائدة الأمريكية. محلياً بقى، أي حركة في سعر الأوقية عالمياً أو في سعر الدولار في السوق المحلي، هتنعكس سريعاً على سعر الذهب عندنا في مصر. فالأمر كله شبكة معقدة من المتغيرات الدولية والمحلية تتفاعل لتشكل الصورة النهائية. فإذا كنت بتفكر في شراء الذهب كاستثمار أو للحفاظ على قيمة مدخراتك، فمن الضروري جداً متابعة المسارين العالمي والمحلي عن كثب. الذهب، كما يبدو، سيظل محتفظاً ببريقه ككنز يلجأ إليه الجميع، وإن كانت رحلة صعوده وهبوطه تتطلب عيناً فاحصة وقلباً متحملاً ومواكبة دائمة للتحليلات الاقتصادية.

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.