العملة الخضراء، تلك النبضة التي تحرك شرايين الاقتصاد العالمي، شهدت يوم الأربعاء، الرابع والعشرين من سبتمبر لعام 2025، صعودًا خجولًا، وكأنها تتنفس الصعداء بعد سلسلة من الأيام الشاقة. هل كانت هذه مجرد استراحة محارب أم إشارة لاتجاه جديد في مسارها المضطرب؟ السؤال يطرح نفسه بقوة في أروقة الأسواق المالية الصاخبة، حيث تتصادم التوقعات الجريئة بخفض أسعار الفائدة مع لهجة الحذر التي يتبناها كبار صناع القرار في الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. يعني بالمصري كده، الدولار كان واخد مطب صناعي الفترة اللي فاتت، والناس كلها مستنية تشوف إيه اللي هيحصل بالظبط، وهل المطبات دي هتخلص ولا لسه فيه تاني؟
فبعد تراجعين متتاليين دفعاه إلى أدنى مستوى له منذ قرابة أسبوع، استعاد مؤشر الدولار الأمريكي بعضًا من عافيته صباح الأربعاء. ارتفع المؤشر، الذي يتتبع أداء العملة الأمريكية مقابل سلة من ست عملات رئيسية، بنسبة 0.1% ليلامس حاجز الـ 97.335 نقطة بحلول الساعة 01:50 بتوقيت جرينتش. هذا التحسن الطفيف جاء بعدما كان قد سجل 97.198 نقطة ليلة الثلاثاء، وهو أدنى مستوى له منذ يوم الخميس الماضي، ليُبقي المراقبين في حالة ترقب، متسائلين عن مدى قدرة العملة على استكمال رحلة الصعود أمام موجات الترقب والتحفظ.
الخلفية لهذه التحركات ليست بسيطة على الإطلاق؛ بل هي متشابكة ومعقدة. فمن جهة، لا تزال الأسواق تراهن بقوة على أن البنك الاحتياطي الفيدرالي سيلجأ إلى تخفيض أسعار الفائدة مرتين إضافيتين قبل نهاية هذا العام، مع توقعات شبه مؤكدة بخفض آخر في الربع الأول من عام 2026. هذه التصورات لا تأتي من فراغ؛ بل هي تتماشى إلى حد كبير مع ما أشار إليه مسؤولو البنك أنفسهم بعد قرار الخفض الأخير الذي أُعلن عنه الأسبوع الماضي. الناس كلها كانت عاملة حسابها إن الفيدرالي خلاص بيجهز لخفض جديد، وبصراحة، ده كان متوقع بعد اللي حصل في سوق العمل من تدهور واضح، يعني مفيش دخان من غير نار.
لكن على الجانب الآخر، يبرز صوت الحذر والتروي، متمثلًا في رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول. فبعد تعافي الدولار من أدنى مستوياته منذ بداية عام 2022 إثر إعلان السياسة النقدية ومؤتمره الصحفي، والذي جاء أقل ميلاً للتيسير مما كانت تترقبه الأسواق، ألقى باول بكلمات حملت الكثير من التحفظ، وكأنها سهم يُطلق في اتجاه معاكس لتيار التوقعات. وصف الموقف الراهن بأنه “وضع صعب”، مؤكدًا أن على البنك المركزي الموازنة المستمرة بين مخاطر التضخم المرتفع وتهديدات ضعف سوق العمل عند اتخاذ أي قرارات مستقبلية. يعني بالبلدي كده، باول كان بيقول: يا جماعة، المسألة مش سهلة، لو شددنا أكتر ممكن نضر بالناس ونخنق الاقتصاد، ولو تساهلنا زيادة ممكن التضخم ياكلنا ويضيع قيمة الفلوس. هذا التصريح، الذي أدلى به الثلاثاء، سلط الضوء على التحدي المعقد والخيارات المحدودة التي تواجه صناع القرار النقدي.
ولشرح هذا التعقيد، علّق جيمس نيفيتون، كبير متعاملي الصرف الأجنبي في شركة “كونفيرا” العالمية، على تصريحات باول، مشيرًا إلى أنها “أكدت النهج الحذر والمدروس للبنك المركزي”. وأوضح نيفيتون أن باول أقر صراحة بعدم وجود خيارات خالية من المخاطر في هذا التوقيت الاقتصادي الحرج. فالتيسير المبكر، كما حذر باول، قد يرسخ التضخم ويجعله ظاهرة مستمرة يصعب السيطرة عليها، بينما التشديد النقدي المفرط يمكن أن يلحق ضررًا لا داعي له بسوق العمل، ويدفع بالاقتصاد إلى ركود عميق ربما كان في غنى عنه. كأنه بيقولك: إحنا بين نارين، وكل اختيار له تمنه، ومفيش حل سحري في الظروف دي.
لم تقتصر التحركات على الدولار الأمريكي فحسب، بل امتدت لتشمل عملات أجنبية أخرى، كلٌ له قصته الخاصة وتباينه الاقتصادي. ففي أستراليا، شهد الدولار الأسترالي ارتفاعًا ملحوظًا بنسبة 0.2% ليصل إلى 0.6613 دولار أمريكي، مرتداً بذلك من خسائر طفيفة كان قد سجلها في وقت سابق. هذا الانتعاش جاء مدفوعًا بصدور قراءة أعلى من المتوقع لمؤشر أسعار المستهلكين، والذي أظهر ارتفاعًا بنسبة 3% في أغسطس الماضي مقارنة بالعام السابق، متجاوزًا توقعات المحللين التي كانت عند 2.9%، ومسجلًا زيادة عن نسبة 2.8% التي شهدها يوليو. هذا التطور يضع البنك الاحتياطي الأسترالي تحت المجهر قبل أقل من أسبوع من قراره المرتقب بشأن السياسة النقدية، فهل سيلجأ إلى رفع الفائدة لمواجهة التضخم أم سيتريث؟
أما في نيوزيلندا، فقد ظل الدولار النيوزيلندي مستقرًا عند مستوى 0.5860 دولار أمريكي، وذلك عقب الإعلان عن تعيين محافظ جديد للبنك المركزي، في خطوة يبدو أنها لم تحدث اهتزازًا كبيرًا في ثقة الأسواق أو اتجاهات العملة. وعلى صعيد آخر، سجل الدولار الأمريكي ارتفاعًا طفيفًا بنسبة 0.1% مقابل الين الياباني، ليصل إلى 147.77 ين لكل دولار، ما يعكس استمرار الضغوط على العملة اليابانية. بينما تراجع اليورو قليلًا بنسبة 0.1% مقابل العملة الأمريكية، ليستقر عند مستوى 1.1800 دولار. هذه الأرقام، وإن بدت بسيطة في قيمتها، فإنها تعكس شبكة معقدة من التفاعلات الاقتصادية العالمية، حيث كل عملة تتأثر بظروفها المحلية والعوامل الدولية.
وفي خضم كل هذه الأرقام والتحليلات، يتساءل المرء: طب وده معناه إيه لينا إحنا كأفراد؟ وهل فعلًا يفرق معانا كل ده واحنا بنصحى كل يوم؟ ببساطة، تحركات العملات وأسعار الفائدة ليست مجرد أرقام تُتداول في شاشات البورصات؛ إنها نبض يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على ميزانياتنا اليومية، وعلى أسعار السلع التي نستهلكها من الخبز إلى الوقود، وتكلفة الاقتراض لشراء منزل أو سيارة، بل وحتى على فرص العمل المتاحة في السوق. فقرار الفيدرالي، سواء بخفض الفائدة أو الإبقاء عليها، يبعث برسائل قوية للعالم أجمع حول صحة الاقتصاد الأكبر، ويشكل بوصلة توجه قرارات البنوك المركزية الأخرى، مؤثرًا في تدفقات الاستثمار العالمي. المشهد المالي العالمي اليوم أشبه بمباراة شطرنج معقدة ومتواصلة، حيث كل حركة محسوبة بدقة، وكل تصريح من مسؤول له وزنه وتأثيره العابر للقارات، والتوازن الدقيق بين محاربة التضخم الجامح ودعم النمو الاقتصادي المستدام يظل التحدي الأكبر والأكثر إلحاحًا. يعني الخلاصة، لسه فيه كلام كتير هيتقال، وأيام جاية مليانة مفاجآت في عالم الاقتصاد، وواضح إن رحلة الدولار دي لسه هتورينا العجب. وكأن هذه التحركات الاقتصادية اليومية تذكرنا دائمًا بأن العالم كله متصل، وأن نبض الدولار في نيويورك قد يشعر به الجميع، من وول ستريت وصولًا إلى أقرب سوق محلي في قاهرة المعز أو بيروت الشام أو الرياض العريقة، فكلنا نعيش تحت مظلة اقتصاد عالمي واحد مترابط.