حسن محمود
في عالم تتسارع فيه الأحداث وتتوالى فيه التغيرات الاقتصادية، يظل بريق الذهب هو ذلك الملاذ الآمن الذي يلجأ إليه الكثيرون، ويُتوج كرمز للقيمة والاستقرار. لكن، هل هذا البريق يعكس دائمًا واقعًا مستقرًا أم أنه مجرد انعكاس لموجات عالمية عابرة؟ هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه بقوة مع ارتفاع أسعار المعدن الأصفر في السودان، متأثرًا بعواصف السوق الدولية.
تخيل معي أنك تستيقظ صباح يوم الأربعاء، الرابع والعشرين من سبتمبر لعام 2025، لتجد أن جزءًا من مدخراتك أو استثماراتك قد اكتسب قيمة إضافية. شعور حلو، أليس كذلك؟ هذا بالضبط ما حدث للمتداولين والمستهلكين في السودان، حيث شهدت أسواق الذهب قفزة ملحوظة، لم تكن مجرد تقلبات عادية، بل كانت صدى لارتفاع عالمي يُعيد رسم خريطة الاستثمارات.
لطالما كان الذهب في السودان، كغيره من الدول التي تشهد تحديات اقتصادية، ليس مجرد زينة، بل مخزنًا للقيمة وملاذًا يحمي الأفراد من تقلبات العملة والتضخم. إنه الضمانة التي يطمئن لها الكثيرون في أوقات الشدائد، أو حتى في الأوقات التي تكون فيها المؤشرات الاقتصادية غير واضحة. وهذه المرة، جاء الارتفاع في توقيت يثير العديد من التساؤلات حول أسبابه الحقيقية وتأثيراته المحتملة على الأفراد والمستثمرين على حد سواء.
البيانات الصادرة عن الأسواق المحلية يوم الأربعاء، 24 سبتمبر 2025، كشفت عن أرقام تستدعي التأمل. عيار 24، الذي يُعرف بـ “الذهب الخالص” ويُستخدم غالبًا في السبائك والجنيهات الذهبية، سجل سعرًا بلغ 72,800 جنيه سوداني. هذا الرقم يترجم إلى حوالي 121.02 دولار أمريكي، ما يعكس قوة شرائية لا يستهان بها للمعدن الثمين. يعني ببساطة، قيمة الذهب الخالص زادت بشكل واضح.
أما عيار 21، الأكثر تداولاً وشعبية بين المستهلكين والأسر السودانية للاستخدام اليومي وصناعة المشغولات، فقد لامس عتبة 63,700 جنيه سوداني، أي ما يعادل 105.90 دولار. هذا العيار بالتحديد هو المعيار الذي يتابعه أغلب الناس، سواء كانوا بصدد شراء شبكة لعروس، أو مدخرين يرغبون في الاحتفاظ بقيمة أموالهم. والارتفاع فيه له تأثير مباشر على قرارات الشراء والبيع للمواطن العادي.
ولمن يبحث عن خيارات أكثر اقتصادية أو مشغولات ذات متانة أكبر، فإن عيار 18 قد سجل 54,600 جنيه سوداني، بما يعادل 90.77 دولار أمريكي. هذه التشكيلة المتنوعة من العيارات تتيح للمستهلكين والمستثمرين خيارات مختلفة تناسب ميزانياتهم واحتياجاتهم، لكنها جميعًا شاركت في نفس رحلة الصعود.
لكن السؤال المهم: لماذا ارتفعت هذه الأسعار بشكل متزامن؟ الإجابة تكمن في حركة الأسواق العالمية. لم يكن هذا الارتفاع محليًا بمعزل عن العالم، بل كان جزءًا لا يتجزأ من موجة صعود عالمية طالت سعر الذهب. فقد وصل سعر الأوقية من الذهب عيار 24 عالميًا في نفس اليوم، الأربعاء 24 سبتمبر 2025، إلى مستوى لافت للنظر بلغ 3,764 دولارًا أمريكيًا. وهذا، يا جماعة، مش مجرد رقم، ده مؤشر قوي جدًا على حالة الأسواق الدولية.
يعكس هذا الارتفاع العالمي جملة من العوامل الاقتصادية والجيوسياسية المعقدة. فغالبًا ما يلجأ المستثمرون إلى الذهب كملاذ آمن في أوقات التضخم المتصاعد، أو عندما تسود حالة من عدم اليقين بشأن مستقبل أسعار الفائدة أو الاستقرار السياسي العالمي. هل هناك مخاوف من ركود اقتصادي محتمل؟ هل تتزايد التوترات الجيوسياسية في مناطق حيوية من العالم؟ هذه كلها أسئلة تدفع بأسعار الذهب نحو الصعود، ويستشعرها السوق السوداني عن كثب.
فما معنى هذا الارتفاع للمواطن السوداني تحديدًا؟ بالنسبة للمدخرين، قد يكون خبرًا سارًا يعزز قيمة مدخراتهم. أما بالنسبة لمن يخططون لشراء الذهب، سواء كاستثمار أو كجزء من مراسم الزواج، فالوضع يختلف. هذه الأسعار المرتفعة قد تشكل عبئًا إضافيًا على ميزانياتهم، وتجعل اتخاذ قرار الشراء أكثر صعوبة وتحديًا. هل هذا الوقت مناسب للشراء أم يجب الانتظار؟ سؤال محير بصراحة، وإجابته تحتاج إلى دراسة وتحليل عميق.
رغم بريق الذهب وجاذبيته التي لا تخبو، يظل سوقه عرضة للتقلبات. فما صعد اليوم، قد يهبط غدًا، وإن كانت توقعات المحللين تشير إلى استمرارية دور الذهب كمخزن للقيمة في ظل التحديات الاقتصادية العالمية. الأهم في هذا كله هو الوعي والمعرفة، فالمعلومة هي السلاح الأقوى في مواجهة تقلبات الأسواق.
في النهاية، هذا الارتفاع في أسعار الذهب بالسودان ليس مجرد خبر عابر، بل هو نافذة نطل منها على المشهد الاقتصادي العالمي والمحلي. إنه تذكير بأن الأسواق تتفاعل وتتأثر ببعضها البعض، وأن قرارات المستثمرين الكبار في أقصى الأرض يمكن أن ترتد بآثارها على أسواقنا الصغيرة. فهل سيستمر الذهب في الصعود ليكون بالفعل درعًا واقيًا ضد التحديات الاقتصادية، أم أنه سيتراجع في موجة تصحيحية؟ الأيام القادمة وحدها هي من ستحمل الإجابة، ولكن الأكيد أن الجميع يجب أن يظل على دراية كاملة بما يدور في هذا السوق اللامع.
