الذهب في مصر: رحلة صعود لا تتوقف… هل فقد المعدن الأصفر بريقه المعتاد أم بات الملاذ الأخير؟
في عالم تتراقص فيه مؤشرات الأسواق وتتأرجح قيمة العملات بين صعود وهبوط، يظل الذهب، ذلك المعدن الأصفر البرّاق، يحمل في طياته جاذبية لا تقاوم للكثيرين. لكن ما نشهده في السوق المصري تحديدًا، وتحديدًا يوم الأربعاء، الرابع والعشرين من سبتمبر لعام 2025، ليس مجرد جاذبية عابرة، بل هو ارتفاع صاروخي يثير الدهشة ويُلهب فضول المستثمرين والمواطنين على حد سواء. هل أصبح الذهب حقًا هو القلعة الحصينة التي يلتجئ إليها الجميع في وجه عواصف الاقتصاد العالمية والمحلية؟ يبدو أن الإجابة بالإيجاب، على الأقل في هذه الأيام.
لقد شهد السوق المحلي استمرارًا لموجة صعود بدأت قبل يومين، لتضع أسعار الذهب في خانة الأرقام القياسية بكل معنى الكلمة. وبصراحة، اللي بيتابع السوق هيشوف إن دي مش مجرد زيادة عادية، دي قفزة خلت الناس كلها تتساءل: إلى متى سيستمر هذا الجنون؟ فالكل ينظر إلى الذهب بوصفه الملاذ الآمن، خاصة في ظل حالة الترقب التي تخيّم على المؤشرات الاقتصادية الأمريكية وتصاعد التوترات الجيوسياسية في قارتي أوروبا والشرق الأوسط، وكأن العالم أصبح بحاجة ماسة لشيء ثابت يطمئن القلوب والأموال.
عيار 21: نجم الشباك بلا منازع
إذا كان للذهب في مصر قلب ينبض، فهو حتمًا عيار 21. هذا العيار تحديدًا هو المحرك الأقوى لسوق الصاغة، والمؤشر الذي يتابعه الجميع بدقة متناهية. مساء الأربعاء، تخطى سعر جرام الذهب عيار 21 حاجزًا جديدًا ومثيرًا للجدل، متجاوزًا الـ 5100 جنيه مصري للشراء. تخيل الرقم! هذا ليس مجرد سعر، بل هو محطة تاريخية تُسجل في دفاتر الاقتصاد المصري. وبحسب خبراء الصناعة، فإن الأسباب واضحة؛ فعلى الرغم من أن عيار 21 هو الأكثر شيوعًا في صناعة الحُلي والمجوهرات التي يفضلها المصريون، إلا أنه أيضًا يستقطب جزءًا كبيرًا من المستثمرين المحليين الذين يبحثون عن الأمان والسيولة. يعني، بصراحة كده، كل الناس عينها عليه.
لم يكن عيار 21 هو الوحيد الذي استمتع بضوء الشهرة هذا اليوم. فقد شهدت الأعيرة الأخرى أيضًا قفزات ملحوظة تستحق الذكر. فقد تصدر عيار 24 المشهد، مسجلًا أعلى الأسعار في السوق، كعادته كونه الأكثر نقاءً. أما عيار 22 وعيار 18، فقد ارتفعا هما الآخران إلى مستويات لم تشهدها الأسابيع الماضية، محافظة على تناسقهما مع بقية الأعيرة. وحتى جنيه الذهب، الذي يُعتبر مؤشرًا أساسيًا لتسعير المشغولات الذهبية، لم يكن بمنأى عن هذه الموجة التصاعدية، محافظًا على دوره كبوصلة للمشترين والبائعين.
لماذا يركض الذهب بهذا الجنون؟ الأسباب الخفية وراء الصعود
فلنضع النقط فوق الحروف: هذا الصعود ليس وليد الصدفة، بل هو نتيجة تضافر عوامل عدة، محلية وعالمية، نسجت معًا قصة هذا الارتفاع القياسي. خبراء السوق يربطون الأمر بمزيج معقد من الأحداث والسياسات، وكأن الذهب يستجيب لنداءات القلق العالمي:
أولًا، التوترات الجيوسياسية: لا يمكن أن نتجاهل ما يحدث حولنا. تصاعد حدة الأحداث في أوكرانيا واستمرار الاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط يُعد وقودًا رئيسيًا لشهية الذهب. ففي أوقات عدم اليقين السياسي والاقتصادي، يتحول الذهب إلى ملاذ آمن، حصن منيع يحمي رؤوس الأموال من مخاطر الحروب والنزاعات، والناس بتهرب فيه عشان تحافظ على فلوسها.
ثانيًا، السياسة النقدية الأمريكية: يلعب الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي دورًا محوريًا في هذا المشهد. فالتوقعات المتزايدة بخفض أسعار الفائدة الأمريكية في المستقبل القريب تضعف من جاذبية الدولار كأصل استثماري، وفي المقابل، تدعم الطلب على المعدن الأصفر. عندما تنخفض الفوائد، يصبح الاحتفاظ بالذهب، الذي لا يدر عائدًا مباشرًا، أكثر جاذبية مقارنة بالودائع أو السندات التي تمنح عوائد أقل، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على الأسواق العالمية والمحلية.
ثالثًا، الطلب المحلي والعالمي: لا يزال الطلب على المشغولات الذهبية محليًا في مصر قويًا، وهذا عامل أساسي يدعم الأسعار من الداخل. وفي الوقت نفسه، تستمر الأسواق العالمية في ضخ المزيد من الطلب، مدعومة بزيادة شراء المستثمرين الأفراد وصناديق الاستثمار الكبرى التي تتخذ من الذهب ركيزة أساسية لمحافظها المالية. فالناس عندنا، زي بره، بقت شايفة الذهب أمان، وبقى له قيمة مش بس في المناسبات.
أخيرًا، العوامل الاستثمارية المؤسسية: لا يمكن التقليل من شأن دور كبار اللاعبين. فارتفاع حيازات صناديق الاستثمار العالمية من الذهب يعزز من مستويات الأسعار بشكل ملحوظ. عندما تشتري هذه الصناديق كميات كبيرة، فإنها ترسل إشارة قوية للسوق حول جاذبية الذهب، مما يؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على السوق المصري.
ماذا يخبئ الغد؟ توقعات الخبراء لسوق الذهب
مع كل هذه العوامل المتشابكة، هل يتوقف الذهب عن الركض؟ تشير معظم المؤشرات والتوقعات إلى أن موجة الصعود لن تتوقف غدًا الخميس. بل قد نشهد ارتفاعات جديدة. يتوقع الخبراء أن يتجاوز سعر جرام الذهب عيار 21 حاجز 5120 جنيهًا للشراء، خاصة إذا ما صدرت بيانات اقتصادية عالمية ضعيفة، أو إذا لمح الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى المزيد من التيسير النقدي.
ويتوقع خبراء الصاغة أيضًا أن تواصل الأوقية العالمية التحليق قرب حاجز 3800 دولار، مدعومة بنفس عوامل الطلب القوي والتوترات الجيوسياسية. هذا الوضع يجعل من متابعة أسعار الذهب ضرورة قصوى لكل من يستثمر فيه، أو من هو مقبل على شراء المشغولات الذهبية.
في النهاية، يبدو أن الذهب قد اكتسب دورًا جديدًا وأكثر أهمية في المشهد الاقتصادي المعاصر. لم يعد مجرد زينة أو وسيلة للادخار التقليدي، بل بات مؤشرًا حيويًا يعكس مخاوف العالم وآماله. فهل تستمر هذه الرحلة الصعودية بلا هوادة، أم أن لكل ارتفاع نهاية؟ الأيام القادمة وحدها ستكشف لنا سر هذا المعدن النفيس الذي لا يزال يبهرنا بقدرته على التكيف مع كل متغيرات العصر.