نبض الاقتصاد المصري: استقرار الدولار.. هل هو مؤقت أم بداية مرحلة جديدة؟

في كل صباح، ومع أول خيوط الشمس التي تنساب على أرض المحروسة، يستيقظ ملايين المصريين وسؤال واحد يتردد في أذهانهم: “يا ترى الدولار بكام النهاردة؟”. ليس مجرد سعر لعملة أجنبية، بل هو مؤشر حيوي يلامس جيوبهم وموائدهم، يحدد تكلفة السلع المستوردة، ويُلقي بظلاله على كل تفاصيل الحياة اليومية، من سعر رغيف الخبز إلى فاتورة الكهرباء. إنه الباروميتر الذي يقيس صحة الاقتصاد الوطني في عيون الكثيرين، ومصدر قلق لا ينقطع في أوقات، وفسحة أمل في أوقات أخرى.

ويوم الثلاثاء الماضي، الموافق الثالث والعشرين من سبتمبر لعام 2025، كان سوق الصرف المصري على موعد مع حالة من الاستقرار الملحوظ في سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الجنيه المصري، وذلك بعد أن شهد بعض التحركات الطفيفة خلال الساعات الأولى من التعاملات. هذا الاستقرار، وإن بدا للبعض عاديًا، إلا أنه يحمل في طياته دلالات مهمة للمراقبين الاقتصاديين وللشارع المصري على حد سواء. يعني إيه الثبات ده بالظبط؟ هل هو بروفة لهدوء طويل الأمد، ولا مجرد استراحة محارب قبل جولة جديدة من التقلبات؟

لقد أظهرت البيانات الصادرة عن عدد من البنوك المصرية، بنهاية تعاملات اليوم المذكور، تقاربًا لافتًا في مستويات أسعار البيع والشراء للعملة الخضراء. على سبيل المثال، سجل سعر الدولار في بنك الإسكندرية مستوى 48.10 جنيه مصري للشراء و48.20 جنيه مصري للبيع. أما في البنك التجاري الدولي (CIB)، الذي يُعد من أكبر البنوك الخاصة في مصر، فقد استقر السعر عند 48.15 جنيه مصري للشراء و48.25 جنيه مصري للبيع. ولم تكن هذه الأرقام استثناءً، بل عكست توجهًا عامًا في أغلب المؤسسات المصرفية الكبرى، مثل بنك قناة السويس، والمصرف المتحد، والبنك الأهلي المصري، وبنك مصر، حيث دارت الأسعار في نطاق ضيق ومحدد، ما أرسل رسالة واضحة عن حالة من التوازن المؤقت بين قوى العرض والطلب.

لكن السؤال الذي يفرض نفسه بقوة هو: ما الذي يقف وراء هذا الاستقرار؟ هل هو نتيجة لتدخلات مركزية مدروسة من البنك المركزي المصري؟ أم أنه يعكس تحسنًا في بعض المؤشرات الاقتصادية الكلية؟ غالبًا ما تكون الحقيقة مزيجًا من العوامل المتعددة التي تتضافر لتشكيل مشهد السوق. خبراء الاقتصاد يشيرون إلى أن الثبات قد يكون مدفوعًا بعدة محاور. أولًا، قد تلعب السياسات النقدية المتشددة دورًا في كبح جماح التضخم وتحقيق قدر من الانضباط في سوق الصرف. ثانيًا، ربما يكون هناك تدفقات للعملة الصعبة من مصادر مثل الاستثمارات الأجنبية المباشرة، أو عوائد السياحة المتزايدة، أو تحويلات المصريين العاملين بالخارج التي شهدت ارتفاعًا ملحوظًا مؤخرًا. كل دي عوامل بتصب في صالح الجنيه، وبتخليه يقف على رجليه شوية قدام الدولار.

وبغض النظر عن الأسباب العميقة التي أدت إلى هذا الاستقرار، فإن انعكاساته الإيجابية تلقي بظلالها على الشارع المصري. المستوردون يجدون في هذا الثبات فرصة للتخطيط بشكل أفضل لعملياتهم، مما قد ينعكس على استقرار أسعار بعض السلع في الأسواق المحلية، ولو بشكل طفيف. لكن هل هذا يعني أن الأسعار هتنزل؟ مش بالضرورة فورًا. بس على الأقل ممكن يوقف الارتفاع المستمر اللي كنا بنشوفه. هو بيقلل حالة عدم اليقين اللي كانت بتخلي التجار يبالغوا في التسعير خوفًا من ارتفاعات مفاجئة. المواطن العادي، اللي بيصحى كل يوم يلاقي أسعار الحاجات بتزيد، بيبص على أي خبر فيه استقرار للدولار وكأنه بصيص أمل. يعني الناس بقى عندها أمل إن الحياة ممكن تبقى أهدى شوية، ومصاريف البيت ممكن تبقى متوقعة أكتر، وده في حد ذاته مكسب نفسي كبير.

هذا الاستقرار، مهما كان هشًا أو مؤقتًا، يمثل خطوة على طريق إعادة الثقة في الاقتصاد الوطني. فالثقة هي العملة الأغلى في الأسواق المالية، وهي التي تدفع المستثمرين للإقبال، وتطمئن المواطنين على مستقبلهم. ومع ذلك، لا يزال الطريق أمام الاقتصاد المصري محفوفًا بالتحديات. فالأزمة الاقتصادية العالمية، والتقلبات الجيوسياسية الإقليمية والدولية، كلها عوامل تفرض ضغوطًا مستمرة. لذا، فإن الحفاظ على هذا الاستقرار لا يمكن أن يكون وليد الصدفة، بل يتطلب جهودًا حثيثة ومتواصلة، تتمثل في جذب المزيد من الاستثمارات، وتعزيز الإنتاج المحلي، وتنمية الصادرات، ودعم القطاعات المنتجة التي تخلق فرص العمل وتوفر العملة الصعبة.

في النهاية، يبقى الدولار هو الباروميتر الذي يقيس صحة الاقتصاد الوطني في عيون الكثيرين. واستقراره ليوم واحد قد لا يكون الحل السحري لكل المشاكل، لكنه بالتأكيد مؤشر إيجابي يمكن البناء عليه. فهل نرى في هذا الثبات بداية لمرحلة جديدة من التعافي والهدوء الاقتصادي الذي طال انتظاره؟ أم هو مجرد نفس عميق قبل مواجهة موجات قادمة؟ الأيام القادمة وحدها من ستحمل الإجابة، ولكن حتى ذلك الحين، يبقى الأمل في استدامة هذا الهدوء هو المحرك للعديد من التطلعات، والدافع لمزيد من العمل والجهد نحو مستقبل اقتصادي أكثر استقرارًا وازدهارًا لمصر وشعبها.

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.