Ahmed
في عالمٍ تتسارع فيه الأنباء وتتأرجح معه المؤشرات، تبقى قيمة العملة الخضراء، الدولار الأمريكي، الشغل الشاغل للملايين، خاصة في أسواقنا المحلية. كل صباح، تُفتح الهواتف، وتُحدّث الصفحات، على أمل رؤية ما يطمئن أو ما ينذر بتغيرٍ وشيك. ويوم الثلاثاء الموافق الثالث والعشرين من سبتمبر لعام 2025 لم يكن استثناءً، فقد شهدت التعاملات المصرفية تبايناً لافتاً في أسعار صرف الدولار، راوحت بين الانخفاض الطفيف والاستقرار الحذر، في مشهد يعكس حراك السوق الدائم وتفاعلاته المعقدة.
انتهى اليوم، وجاءت الحصيلة لتكشف عن أقل سعر للدولار سجلته شاشات كريدي أجريكول مصر، حيث بلغ سعر الشراء 48.13 جنيهاً مصرياً، وسعر البيع 48.23 جنيهاً، وهو رقم يُعد نقطة بارزة في تقلبات اليوم. هل هي مجرد أرقام على الشاشات؟ أم أنها تحمل في طياتها بشائر استقرارٍ قد يتبعه انخفاضات أخرى طفيفة، يا ترى؟ سؤال يتردد صداه في أذهان الكثيرين، من المستوردين إلى ربات البيوت.
وفي الجهة المقابلة، لم تكن كافة البنوك على نفس الخطى. فالبنك المصري لتنمية الصادرات، على سبيل المثال، احتفظ بموقعه كصاحب لأعلى سعر للدولار في نهاية التعاملات، مسجلاً 48.32 جنيهاً للشراء و 48.42 جنيهاً للبيع. هذا التفاوت ليس غريباً، ولكنه يثير دائماً فضول المتتبعين: لماذا هذا الاختلاف بين مؤسسة مصرفية وأخرى؟ وهل يعكس ذلك سياسات داخلية أم مجرد فروق بسيطة في هوامش الربح؟ “بصراحة، الواحد بيبقى محتار، يبيع فين ويشتري منين عشان ميتضرش”، هكذا يقول أحد التجار في السوق الموازي، معبراً عن حيرة الكثيرين.
ولم يغب عن المشهد التراجعات الخفيفة التي شهدتها بعض البنوك الأخرى. ففي بنك أبو ظبي الإسلامي مصر (ADIB)، انخفض سعر الدولار ليصل إلى 48.21 جنيهاً للشراء و 48.31 جنيهاً للبيع. كما استقرت قيمة العملة الأمريكية عند 48.18 جنيهاً للشراء و 48.28 جنيهاً للبيع في مجموعة من البنوك الأربعة: بنك قناة السويس، ميد بنك، بنك التنمية الصناعية، وبنك القاهرة. هذه الأرقام، وإن بدت متقاربة، إلا أنها تعكس ديناميكية مستمرة في السوق، حيث تسعى كل مؤسسة إلى تحقيق التوازن بين جذب العملاء وتحقيق الربحية.
وإذا ما تعمقنا أكثر في تفاصيل الأسعار لهذا اليوم، لوجدنا أن بنك “نكست” عرض الدولار بسعر 48.17 جنيهاً للشراء و 48.27 جنيهاً للبيع. بينما شهدت بنوك كبرى مثل بنك مصر، بنك قطر الوطني (QNB)، وبنك الإسكندرية، سعراً أدنى قليلاً عند 48.16 جنيهاً للشراء و 48.26 جنيهاً للبيع. هذه الفروقات الصغيرة، وإن كانت لا تتجاوز بضعة قروش، إلا أنها قد تُحدث فارقاً كبيراً على مستوى التعاملات الضخمة للمستوردين والمصدرين، وتؤثر بالتالي على التكلفة النهائية للسلع والخدمات في السوق.
ربما كان التراجع الأكثر انتشاراً اليوم هو الذي سجلته مجموعة واسعة من البنوك، حيث وصل سعر الدولار إلى 48.15 جنيهاً للشراء و 48.25 جنيهاً للبيع. هذه القائمة شملت عدداً كبيراً من اللاعبين الرئيسيين في القطاع المصرفي المصري، مثل البنك الأهلي المصري، بنك أبو ظبي التجاري، الشركة المصرفية، المصرف العربي، البنك التجاري الدولي (CIB)، بنك فيصل الإسلامي، البنك العربي الأفريقي الدولي (AAIB)، بنك أبو ظبي الأول (FAB)، البنك العقاري المصري العربي، البنك الأهلي الكويتي، بنك البركة، HSBC، والبنك الأهلي المتحد. هذا الانتشار لسعر موحد نسبياً يشير إلى نوع من الاستقرار المؤقت، أو ربما محاولة للسوق للتماسك عند مستوى معين بعد فترة من التقلبات. “كل الناس كانت بتراقب السعر ده بالذات، لأنه موجود في بنوك كتير، يعني يعتبر مؤشر عام”، كما علقت إحدى السيدات المهتمات بالشأن الاقتصادي.
أما بنكا الكويت الوطني والمصرف المتحد، فقد استقرا عند سعر 48.14 جنيهاً للشراء و 48.24 جنيهاً للبيع، مؤكدين بذلك التباين المستمر في سياسات التسعير بين البنوك، حتى وإن كانت الفروقات طفيفة. هذه اللوحة المتنوعة من الأسعار، والتي تتراوح ضمن نطاق ضيق نسبياً، تعكس حالة من الترقب المستمر في السوق المصرفي.
في النهاية، ما الذي يعنيه كل هذا بالنسبة للمواطن العادي؟ هذه الأرقام ليست مجرد جداول وبورصات، بل هي في صميم حياتنا اليومية. هي التي تحدد تكلفة استيراد القمح والوقود، وتؤثر على أسعار السيارات والأجهزة الإلكترونية، وحتى على قدرة الشركات على التوسع وخلق فرص عمل. فكلما استقرت قيمة العملة، زاد شعور المستثمر والمستهلك بالثقة، وقلت حالة الترقب والقلق التي تهيمن على المشهد الاقتصادي.
هل نحن بصدد مرحلة جديدة من الاستقرار؟ أم أن هذه التراجعات الطفيفة هي مجرد هدوء يسبق حركة جديدة؟ لا أحد يملك الإجابة اليقينية، فالسوق لديه منطقه الخاص، ومتغيراته لا تتوقف. ولكن ما هو مؤكد أن مراقبة حركة الدولار ستظل محور اهتمام الجميع، بانتظار إشارات أوضح ترسم معالم المشهد الاقتصادي في الأيام والأسابيع القادمة. فكل قرش يرتفع أو ينخفض، يحمل معه قصة جديدة تؤثر على جيب المواطن ومعيشته.
