في عالمٍ تتلاطم فيه أمواج التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية بلا هوادة، يظل هناك ملاذٌ واحدٌ يتجه إليه الكثيرون بحثًا عن الأمان والاستقرار: الذهب. هذا المعدن النفيس، الذي لطالما سحر البشرية ببريقه وقيمته، عاد ليحتل صدارة المشهد الاقتصادي من جديد، مسجلاً قفزات سعرية ملحوظة عالمياً ومحلياً يوم الثلاثاء، الثالث والعشرين من سبتمبر لعام 2025. فما الذي يدفع هذا البريق نحو الارتفاع؟ وماذا تعني هذه التحركات لمن يراقبون الأسواق أو يفكرون في الاستثمار؟

الحكاية ببساطة، وكأننا أمام سيناريو اقتصادي معقد، تدور حول مزيج من القلق والترقب. على الساحة العالمية، شهد سعر الذهب الفوري صعوداً بنسبة 0.7%، ليلامس عتبة 3771.94 دولار للأوقية الواحدة. ولم تكن العقود الآجلة لتسليم ديسمبر بأقل حظاً، إذ ارتفعت بنسبة 0.8%، مسجلة 3804.30 دولار. هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات جافة؛ إنها تعكس حالة من تزايد تدفقات “الملاذ الآمن”، وهو مصطلح اقتصادي يعني أن المستثمرين يهرعون لشراء الأصول التي يعتقدون أنها ستحافظ على قيمتها في أوقات الأزمات.

لكن السؤال هنا، إيه اللي بيحصل بالظبط؟ السبب الرئيسي وراء هذا التوجه نحو الذهب يتمثل في عاملين متداخلين ومؤثرين للغاية. أولهما، تصاعد حالة عدم اليقين الجيوسياسي. العالم يعيش حالة من التوتر والاضطراب في عدة مناطق، مما يجعل المستثمرين في حالة ترقب وقلق دائمين. عندما يصبح المشهد السياسي العالمي ضبابياً، يرى الذهب كحصن منيع ضد التقلبات. فهل الذهب هو حقاً الدرع الواقي من جنون السياسة؟ يبدو أن الأسواق تظن ذلك.

العامل الثاني لا يقل أهمية، وهو مرتبط بالسياسة النقدية الأمريكية. هناك توقعات متزايدة بخفض أسعار الفائدة الأمريكية مجدداً. وحينما تنخفض أسعار الفائدة، يصبح الاحتفاظ بالذهب، الذي لا يدر عائداً، أكثر جاذبية مقارنة بالسندات أو الودائع التي تدر عائداً منخفضاً. المستثمرون ينتظرون بفارغ الصبر كلمة رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، والتي من المنتظر أن يلقيها في وقت لاحق من نفس اليوم. يُعتقد أن تصريحات باول ستقدم إشارات أوضح حول مسار أسعار الفائدة المرتقب. وفي هذا السياق، يقول بوب هابركورن، استراتيجي الأسواق في شركة RJO Futures، إن باول “من المرجح أن يعيد تكرار بعض ما أعلنه في اجتماع الأسبوع الماضي، ما سيعطي إشارات أوضح حول خفض الفائدة المرتقب، وهو ما سيظل داعمًا للذهب”. وكأن الأسواق تنتظر الإشارة الخضراء لترفع الذهب أكثر.

ولإضافة المزيد من التعقيد للمشهد، هناك مؤشرات اقتصادية أخرى يترقبها المستثمرون، أبرزها صدور بيانات مؤشر أسعار الإنفاق الاستهلاكي الشخصي (PCE) يوم الجمعة المقبل، وهو المؤشر المفضل لدى الفيدرالي لقياس التضخم. هذه البيانات قد تكون بمثابة “البوصلة” التي توجه قرارات الفيدرالي المستقبلية، وبالتالي تؤثر بشكل مباشر على جاذبية الذهب.

وعلى الصعيد الجيوسياسي الذي لا ينفك عن المشهد الاقتصادي، وجه حلف شمال الأطلسي (الناتو) تحذيرًا شديد اللهجة إلى روسيا، مؤكدًا استعداده لاستخدام “جميع الأدوات العسكرية وغير العسكرية اللازمة” للدفاع عن نفسه. هذا التصعيد في الخطاب بين القوى الكبرى يضفي مزيداً من الزيت على نار عدم اليقين، ويؤجج شهية المستثمرين نحو الملاذات الآمنة، وعلى رأسها الذهب. فهل نحن على أعتاب مرحلة جديدة من التوتر الدولي، أم أنها مجرد مناورات دبلوماسية؟ الأسواق لا تنتظر الإجابة، بل تتفاعل مع المخاوف.

وفي خضم هذه التحولات العالمية، لم تكن السوق المصرية بمنأى عن التأثر. فقد سجلت أسعار الذهب في مصر ارتفاعات ملحوظة، وفقًا لما أعلنته شعبة الذهب والمجوهرات. وكأن الذهب بيسمع اللي بيحصل بره وبيتفاعل هنا كمان. تخيل إن سعر جرام الذهب عيار 18 وصل إلى 4302 جنيه، وعيار 21، الأكثر تداولاً في مصر، بلغ نحو 5020 جنيهًا للجرام، ده غير المصنعية اللي بتتراوح بين 100 و150 جنيهًا للجرام. أما عيار 24، فصعد مسجلاً 5737 جنيهًا. وحتى الجنيه الذهب، اللي يعتبر استثمار شعبي، وصل سعره إلى 40160 جنيهًا. أرقام تخلي أي حد يفكر ألف مرة قبل ما يشتري أو يبيع، صح؟

في الختام، يبدو أن الذهب ليس مجرد معدن ثمين يُستخدم للزينة أو كرمز للثراء. إنه الآن بمثابة مقياس حرارة حساس للمخاوف الاقتصادية والجيوسياسية العالمية. هذه الارتفاعات المتتالية تحمل رسالة واضحة للمستثمرين والأفراد على حد سواء: حالة عدم اليقين تزداد، والذهب يظل الملاذ المفضل في الأوقات العصيبة. فهل نحن نشهد تحولًا هيكليًا في كيفية نظر العالم لهذا المعدن، أم أنها مجرد موجة عابرة ستنحسر مع هدوء العواصف؟ الأيام القادمة وحدها كفيلة بكشف المستور، ولكن المؤكد أن بريق الذهب سيظل يجذب الأنظار، ويشغل بال الكثيرين.

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.