Ahmed
في عالم المال والأعمال الذي لا يتوقف عن الدوران، هناك شخصيات تظل محط الأنظار حتى خلف أسوار السجون، فما بالك بعد العودة؟ بعد شهور قضاها خلف القضبان، يعود تشانغبينغ تشاو، المعروف اختصارًا بـ “CZ”، ليس كمتفرج، بل كلاعب رئيسي يحمل في جعبته خطة طموحة قد ترسم ملامح جديدة للقطاع المالي العالمي. الرجل الذي بنى إمبراطورية “بينانس” من العدم، والبالغ من العمر خمسة وأربعين عامًا، يخطو الآن نحو مرحلة جديدة من التوسع والاستثمار، محولًا مكتبه العائلي “YZi Labs” إلى صندوق استثماري مفتوح الأبواب أمام المستثمرين الخارجيين، مع تركيز خاص على قطاعات المستقبل الواعدة.
هذه الخطوة ليست مجرد تغيير في الهيكل التنظيمي، بل هي تحول استراتيجي عميق يهدف إلى ترسيخ وجود CZ في قلب الابتكار التكنولوجي. “YZi Labs”، التي تأسست في مطلع عام 2025 كنقطة تحول من “Binance Labs” لإدارة ثروة CZ وشريكته “يي هي”، لم تعد مجرد كيان خاص يدير الأصول العائلية فحسب. إنها تتأهب لتصبح حاضنة للاستثمار في مجالات حيوية مثل العملات المشفرة، الذكاء الاصطناعي، الروبوتات، والتكنولوجيا الحيوية. هل يمكننا القول إن CZ قرر “يكبر” اللعبة أكثر؟ بالتأكيد!
تفاصيل هذه الخطة الطموحة كشفت عنها صحيفة فايننشال تايمز، حيث أوضحت “إيلا زانغ”، رئيسة الشركة، أن الفريق الحالي المكون من اثني عشر موظفًا يواصل إدارة المشاريع القائمة. لكنها شددت على أن فتح الصندوق أمام مستثمرين خارجيين سيكون خطوة “محفوفة بالمسؤولية”، ولن يتم تنفيذها إلا بعد تعزيز القدرات في مجالي الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية. بصراحة، خطوة زي دي محتاجة تركيز وصبر، مش أي حاجة كده وخلاص، خصوصًا لما تكون سمعتك العالمية على المحك. هذا الحذر ليس بجديد على شخصية CZ، فهو يدرك تمامًا حجم التحديات والفرص في آن واحد.
محفظة “YZi Labs” الحالية تضم أكثر من مائتين وخمسين مشروعًا ناشئًا، يتركز حوالي سبعين بالمائة منها في الأصول الرقمية. وهذا ليس مفاجئًا، فالرجل هو ملك العملات المشفرة بلا منازع. ومع ذلك، فإن الاهتمام المتزايد بالمشاريع التقنية المستقبلية، بعيدًا عن العملات المشفرة البحتة، يشير إلى رؤية أوسع وأكثر تنوعًا. هل هذه محاولة لتنويع المخاطر أم أنها رؤية استشرافية لمستقبل الاستثمار؟ ربما تكون الاثنين معًا. فالأسواق تتغير بسرعة، ومن لا يتكيف، يخاطر بالبقاء في الخلف.
هذا التوسع يأتي في وقت يحتل فيه CZ المرتبة الرابعة والعشرين في قائمة أغنى المليارديرات وفقًا لمجلة فوربس، بثروة تقديرية تبلغ 84.8 مليار دولار. أرقام فلكية بكل المقاييس، تجعله واحدًا من أثرى أثرياء العالم. لكن هذه الثروة تأتي مع قدر كبير من التدقيق والمسؤولية، خاصةً في بلد مثل الولايات المتحدة. فالرجل قد أمضى أربعة أشهر في السجن بعد إدانته في عام 2023 بقضية غسل أموال، وهي سابقة تركت بصمتها على مسيرته المهنية. لذلك، أي توسع مستقبلي في الولايات المتحدة قد يجلب مزيدًا من التدقيق والرقابة. يعني، مش كل الطرق مفتوحة، فيه عيون كتير بتراقب.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما الذي يدفع مليارديرًا بهذا الحجم، وبكل هذه الخلفية القانونية، لإعادة تنظيم استثماراته بهذا الشكل علنًا؟ هل هي رغبة في العودة بقوة إلى الواجهة بعد تجربته الأخيرة؟ أم أنها رؤية استراتيجية تتجاوز طموحاته الشخصية، وتستشرف مستقبلًا يرى فيه أن العملات المشفرة والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية هي المحركات الرئيسية للنمو الاقتصادي العالمي؟ قد تكون هذه الخطوة هي محاولته لترجمة ثروته الهائلة إلى نفوذ حقيقي في هذه القطاعات الناشئة.
إن تحول “YZi Labs” من مكتب عائلي إلى صندوق استثماري مفتوح يشكل حدثًا ذا دلالة عميقة. إنه ليس فقط إشارة إلى ثقة CZ الكبيرة في هذه القطاعات المستقبلية، بل هو أيضًا خطوة نحو إضفاء الطابع المؤسسي على ثروته وخبرته في عالم الاستثمار. فمن خلال فتح الصندوق لمستثمرين خارجيين، يتيح CZ فرصة للمشاركة في هذه الرحلة الواعدة، وفي الوقت نفسه، يستقطب رؤوس أموال إضافية وخبرات قد تعزز من قدرة الصندوق على تحقيق أهدافه الطموحة.
في النهاية، يبدو أن CZ، رغم كل التحديات، عازم على ترك بصمة أكبر في عالم المال والتكنولوجيا. تجربته الأخيرة لم تثنه عن المضي قدمًا، بل ربما زادته إصرارًا على إثبات قدرته على بناء وتنمية المشاريع الضخمة. فهل تكون هذه الخطوة مجرد امتداد لنفوذ CZ، أم أنها بداية لمرحلة جديدة في عالم المال والتكنولوجيا تجمع بين الجرأة والخبرة، وتقدم نموذجًا جديدًا للاستثمار في مستقبلنا الرقمي والتقني؟ الأيام وحدها كفيلة بالكشف عن الإجابة، ولكن المؤكد أننا أمام فصل جديد في قصة أحد أكثر الشخصيات إثارة للجدل في عالم التكنولوجيا والمال.
