لم تعد الأراضي البيضاء في المملكة مجرد مساحات خالية تنتظر الصدفة أو المستثمر المناسب. أصبحت اليوم محط أنظار، بل ومحور قرار اقتصادي قد يغير وجه القطاع العقاري بالكامل، ويحوله من مجرد وعاء للادخار إلى قاطرة حقيقية للنمو والتنمية. فهل نحن على أعتاب تحول جذري في أحد أهم شرايين الاقتصاد السعودي؟

يبدو أن الإجابة بالإيجاب، وذلك وفقاً لما أكده علاء آل إبراهيم، رئيس قطاع صناديق أسواق المال، الذي شدد على أن تطبيق الرسوم المحدثة على الأراضي البيضاء في المملكة، بنسبة تتراوح بين 5 إلى 10% من قيمتها السوقية، ليس مجرد إجراء روتيني، بل هو محفز قوي لحراك اقتصادي واسع النطاق، خاصة في المدن الرئيسية التي تشهد طلباً متزايداً على الإسكان.

دفع عجلة التنمية: خيارات بلا تأجيل

المعادلة بسيطة وواضحة: إما أن تقوم شركات التطوير العقاري بتسريع وتيرة تطوير أراضيها، أو أن تسارع إلى تصفيتها وبيعها. لماذا هذا الاستعجال؟ لتجنب الأعباء الضريبية المتزايدة التي ستفرض على الأراضي غير المستغلة. يعني ببساطة، اللي كان بيأجل التطوير خلاص مابقاش فيه وقت للتأجيل. هذا القرار، بحسب آل إبراهيم، سيُسهم إيجاباً في إنعاش قطاعات حيوية عدة، وفي مقدمتها قطاع البناء والتشييد، بالإضافة إلى القطاعات الاستهلاكية والسلع المعمرة التي تستفيد عادة من نشاط الحركة العمرانية والتوسع في التجمعات السكنية الجديدة.

جاءت هذه التصريحات خلال مداخلة مع قناة “العربية بيزنيس”، حيث أشار آل إبراهيم إلى أن سوق الأسهم السعودي شهد الأسبوع الماضي ارتداداً إيجابياً ملحوظاً، بلغ حوالي 3%، بعد ثلاثة أسابيع من التراجعات. وهذا الارتداد، كما أوضح، لم يكن مجرد حركة فنية عابرة، بل كان مدفوعاً بدخول سيولة حقيقية وقوية إلى السوق، تركزت بشكل خاص على الشركات القيادية التي تتمتع بأداء مالي متين.

ويُلاحظ في هذا السياق ارتفاع قيمة التداول رغم انخفاض نسبي في حجمه، وهو مؤشر إيجابي بحد ذاته. ماذا يعني هذا؟ ببساطة، السيولة لم تذهب إلى الأسهم المضاربية سريعة التقلب، بل اتجهت نحو الأصول القوية والمستقرة. وهذا يعزز النظرة الإيجابية للسوق بشكل عام، خصوصاً مع التوقعات المتفائلة بنتائج قوية للربع الثالث من العام، والتوقعات بأن يتجه البنك المركزي نحو مزيد من خفض أسعار الفائدة خلال ما تبقى من العام الجاري، وهو ما يوفر بيئة استثمارية أكثر جاذبية.

تأثيرات متفاوتة: من الركود إلى النشاط

بالطبع، أي قرار بهذا الحجم لا يمكن أن يؤثر على جميع الكيانات بنفس الدرجة. وحول تأثير الرسوم الجديدة على الشركات العقارية، أوضح آل إبراهيم أن الأثر سيكون متبايناً من شركة لأخرى، اعتماداً على حجم مخزون الأراضي البيضاء لديها واستراتيجياتها السابقة. وقدم مثالاً حياً بشركة دار الأركان، التي تمتلك، على سبيل المثال لا الحصر، أكثر من 2.6 مليون متر مربع من الأراضي الخاضعة لهذه الرسوم بنسبة 5%. هذا الرقم وحده يعطينا فكرة عن حجم الأصول التي سيُطلب من الشركات الكبرى التعامل معها.

ويتعين على شركات التطوير العقاري اليوم أن تعيد تقييم استراتيجياتها العقارية بالكامل، وأن تبادر بسرعة إلى تطوير أو بيع تلك الأراضي الخاملة. وإن لم تفعل، ستجد نفسها في مواجهة عبء ضريبي قد يضغط سلباً على نتائج أعمالها التشغيلية والمالية. هي دعوة صريحة للتحرك وعدم الركون إلى الماضي.

حرق الدهون العقارية: الفرصة الأخيرة للمخزون القديم

ولعلنا نتذكر كيف احتفظت بعض الشركات بمخزون ضخم من الأراضي البيضاء على مدار سنوات طويلة، شهدت خلالها أسعار العقارات ارتفاعاً جنونياً، لكنها لم تستفد من هذا الارتفاع سواء بالبيع أو التطوير. الآن، تجد هذه الشركات نفسها أمام خيارات محدودة وضاغطة. إما أن تباشر عملية التطوير على الفور، أو أن تدخل في شراكات استراتيجية مع صناديق استثمارية أو مطورين آخرين يمتلكون السيولة والخبرة اللازمة لتشغيل هذه الأصول. فكأن هذه الرسوم جاءت لتجبر الجميع على إعادة النظر في استراتيجية الاحتكار أو التجميد التي كانت سائدة في بعض الأحيان.

أفق جديد: عقارات بأسعار معقولة

ولعل الخبر الأكثر إيجابية، والذي يمس شريحة واسعة من المواطنين، هو تأكيد آل إبراهيم على أن رسوم الأراضي البيضاء ستقود إلى انخفاض نسبي في أسعار العقارات، وخصوصاً الوحدات السكنية. مش ده اللي بنسميه مكسب للكل؟ هذا الانخفاض المتوقع سيساهم في تحريك السوق بشكل أكبر، ويجعل المنتجات العقارية أكثر توفراً وملاءمة للطلب المحلي المتزايد، خاصة من الشباب والأسر الصغيرة التي تبحث عن منزل الأحلام.

ختاماً، يمكننا القول إن هذه المرحلة، رغم التحديات التي قد تفرضها على بعض اللاعبين، تحمل في طياتها فرصة ذهبية. فإذا نجحت الشركات في إدارة هذه المتغيرات بذكاء وحنكة، فقد تتحول هذه الرسوم، التي قد تبدو عبئاً في البداية، إلى فرصة لتوليد سيولة جديدة وتحقيق عوائد مجزية على أصول ظلت خاملة لسنوات طويلة. وهذا التحول، في نهاية المطاف، سيصب في مصلحة السوق العقاري والاقتصاد الوطني ككل، ليخلق بيئة أكثر ديناميكية، وعدالة، وقدرة على تلبية احتياجات المجتمع. فهل سنرى قريباً حلماً طال انتظاره يتحول إلى واقع ملموس؟ الأيام القادمة ستحمل الإجابة.

Leave a Comment

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.