يا له من زمن، حينما يعود الذهب، ذلك المعدن الأصفر الذي طالما كان محط الأنظار، ليتصدر عناوين الأخبار من جديد. هل تساءلت يومًا لماذا يهرع الناس إليه في أوقات الشدة، وكأنه درع واقٍ يحميهم من تقلبات العالم؟ يبدو أننا نشهد الآن فصلًا مثيرًا في قصة هذا الملاذ الآمن، فأسعاره تحلق مجددًا في سموات لم يبلغها من قبل تقريبًا، مع ترقب عالمي لما سيفعله “الفيدرالي” الأمريكي.

ففي يوم الاثنين، لامس سعر الذهب الفوري مستويات غير مسبوقة، مقتربًا بشكل لافت من أعلى قمة تاريخية سجلها قبل أيام قليلة. تحديدًا، ارتفع المعدن النفيس بنسبة 0.2 في المائة ليصل إلى 3691.53 دولارًا للأوقية في ساعات الصباح الباكر بتوقيت غرينتش. وهو رقم يذكرنا بذروة الأربعاء الماضي، حينما سجلت السبائك مستوى قياسيًا بلغ 3707.40 دولارًا. وحتى العقود الآجلة للذهب الأمريكي، والمقرر تسليمها في ديسمبر، لم تكن بمنأى عن هذا الصعود، حيث قفزت بنسبة 0.6 في المائة لتستقر عند 3727.40 دولارًا. يعني الموضوع مش مجرد أرقام عادية، دي إشارات واضحة لحركة قوية في الأسواق.

طيب، إيه اللي بيحصل بالظبط؟ ولماذا هذا الارتفاع المتواصل والمستغرب للبعض؟ الإجابة تكمن إلى حد كبير في قلب السياسة النقدية الأمريكية. فالمستثمرون يترقبون هذا الأسبوع بشدة سلسلة من الخطابات الهامة لمسؤولي الاحتياطي الفيدرالي، بالإضافة إلى بيانات التضخم المنتظرة التي قد ترسم ملامح المستقبل. هذا الترقب يأتي بعد أن قام البنك المركزي بخفض أسعار الفائدة الأسبوع الماضي، ولمّح إلى إمكانية المزيد من التيسير النقدي، ودي حتة مهمة لازم نفهمها كويس؛ فخفض الفائدة غالبًا ما يكون خبرًا سارًا للذهب.

“الذهب عاد ليحوم قرب عتبة الـ 3700 دولار، ومن الممكن جدًا أن يسجل أرقامًا قياسية جديدة هذا الأسبوع إذا استمرت مؤشرات الاقتصاد الكلي الأمريكي في دعم خطاب الاحتياطي الفيدرالي الحذر”، هكذا علق تيم ووترر، كبير محللي السوق في شركة “كي سي إم ترايد”. والتركيز كله دلوقتي موجه نحو مؤشر أسعار الاستهلاك الشخصي الأساسي (PCE)، اللي هيصدر يوم الجمعة. ده مش أي مؤشر وخلاص، ده المقياس المفضل للبنك المركزي الأمريكي عشان يعرف حجم التضخم الحقيقي، وبالتالي بيبني عليه قراراته المصيرية.

ووترر بيشرح كمان إن “النهج الحذر اللي بياخده الاحتياطي الفيدرالي، جنبًا إلى جنب مع عمليات الشراء المستمرة من البنوك المركزية حول العالم، هو اللي بيدي الذهب الزخم القوي ده”. وهذا الكلام يوضح لنا أن الموضوع ليس مجرد قرار واحد، بل هو مزيج من عوامل متداخلة ومعقدة. هذا الحذر كان واضحًا في قرار الفيدرالي الأربعاء الماضي عندما خفض الفائدة بـ 25 نقطة أساس، لكنه في الوقت ذاته حذر من استمرار التضخم، وهو ما أثار شكوكًا حول سرعة التيسير النقدي الذي قد يحدث في المستقبل.

هذا الأسبوع، من المتوقع أن يتحدث ما لا يقل عن اثني عشر مسؤولاً في الاحتياطي الفيدرالي، بما فيهم رئيسه جيروم باول يوم الثلاثاء. أسواق المال تتعطش لأي إشارات واضحة حول التوجه المستقبلي للسياسة النقدية، فكل كلمة تصدر من هؤلاء المسؤولين قد تؤثر على مسار الأسواق العالمية. وفي مشهد لافت، دافع محافظ الاحتياطي الفيدرالي الجديد، ستيفن ميران، عن استقلاليته كصانع سياسة، بعد أن عارض تخفيضات أكثر حدة في أسعار الفائدة خلال اجتماع الأربعاء الماضي. وده يورينا إن مش كل القرارات بتيجي بالإجماع، وأن فيه وجهات نظر مختلفة جوه البنك نفسه، وهذا جزء طبيعي من عملية صنع القرار المعقدة.

لكن بشكل عام، المستثمرون يتوقعون خفضين إضافيين لأسعار الفائدة هذا العام، بمقدار 25 نقطة أساس لكل منهما، في شهري أكتوبر وديسمبر. والنسبة دي مش قليلة، 93 في المائة لاكتوبر و81 في المائة لديسمبر، ودي توقعات أداة “فيد ووتش” التابعة لمجموعة “سي إم إي”. إيه الفكرة هنا؟ ببساطة، لما أسعار الفائدة بتكون قليلة، الاستثمار في الذهب بيبقى جذاب أكتر؛ لأن تكلفة الاحتفاظ به كأصل غير مدر للعائد تقل. عشان كده، الذهب ارتفع بأكثر من 40 في المائة هذا العام، ليس فقط بسبب الفائدة، ولكن أيضًا بسبب حالة عدم اليقين الجيوسياسي والاقتصادي الواسع الذي نعيشها، وشراء البنوك المركزية المستمر له، وكمان التيسير في السياسة النقدية بشكل عام. كأنه كده درع واقي في الأيام الصعبة، يلجأ إليه الجميع للحماية.

ومش الذهب لوحده اللي بيلمع في السوق، كأنها حفلة للمعادن الثمينة. فالفضة، هي كمان، شهدت ارتفاعًا بنسبة 1 في المائة لتصل إلى 43.49 دولارًا للأوقية، وبكده تكون بتحوم قرب أعلى مستوى ليها في 14 سنة. والبلاتين ارتفع 0.4 في المائة لـ 1409.47 دولارًا، والبلاديوم صعد 0.8 في المائة لـ 1157.75 دولارًا. يعني باختصار شديد، المعادن النفيسة كلها بتتصدر المشهد، كأنها رسالة واضحة من الأسواق على حالة التوتر السائدة ورغبة المستثمرين في الأصول الآمنة.

طيب، إيه الخلاصة من كل ده؟ هل سنرى الذهب يكسر حاجز الـ 3700 دولار ويسجل قممًا تاريخية جديدة قريبًا؟ المؤشرات كلها بتقول إن الاحتمال ده وارد جدًا، خاصة مع استمرار حالة الترقب والقلق في الأسواق العالمية وغموض السياسات الاقتصادية المستقبلية. الموضوع مش مجرد أرقام وخلاص، دي إشارات قوية بتدل على حجم التحديات الاقتصادية اللي بنواجهها، وتأكيد على الدور المحوري اللي بيلعبه الذهب كمرآة تعكس مخاوف المستثمرين وطموحاتهم في آن واحد. فالمعدن الأصفر، يبدو أنه سيبقى لبعض الوقت، المحور الذي تدور حوله أحاديث المال والاقتصاد، ومع كل تقلب، تزداد قيمته كملجأ أخير لمن يبحث عن الأمان في عالم متغير لا تتوقف فيه المفاجآت.

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.