في عالم الأسواق المالية، لا شيء ثابت، بل المفاجآت هي العملة الرائجة. فهل يعقل أن يكون الخبر السيئ خبراً جيداً؟ هذا بالضبط ما حدث الأسبوع الماضي، حيث أدت بيانات الوظائف الأمريكية التي جاءت أضعف من المتوقع إلى إشعال شرارة صعود تاريخي في أسواق الأسهم والذهب، ليحلق كلاهما نحو قمم جديدة لم يسبق لها مثيل. يبدو الأمر وكأن السوق يعزف على وتر معاكس للمنطق التقليدي، فما الذي يجري في الكواليس؟

القصة بدأت تتكشف مع صدور أرقام قطاع التوظيف الأمريكي. بدلاً من أن تُسجّل الولايات المتحدة نمواً قوياً في الوظائف، كما كان يأمل الكثيرون، كشفت البيانات عن إضافة 22 ألف وظيفة جديدة فقط في القطاعات غير الزراعية. هذا الرقم بعيد كل البعد عن التوقعات التي كانت تشير إلى 75 ألف وظيفة، وجاء ليعزز ما كشفت عنه بيانات “فرص العمل ودوران العمالة” (JOLTS) في وقت سابق من الأسبوع، والتي أظهرت تراجعاً في عدد الوظائف الشاغرة إلى 7.18 مليون، أقل من التوقعات البالغة 7.32 مليون. كذلك، ارتفع معدل البطالة إلى 4.3%، تماماً كما كان متوقعاً، فيما جاء متوسط الدخل في الساعة ليرتفع بنسبة 0.3% شهرياً، وهو ما يتماشى مع التقديرات.

هذه الأرقام مجتمعة، وخصوصاً تلك المتعلقة بالوظائف، أشارت بوضوح إلى تباطؤ محتمل في الاقتصاد الأمريكي. وبالنسبة للمستثمرين، فإن تباطؤ الاقتصاد غالباً ما يُترجم إلى شيء واحد: تخفيضات في أسعار الفائدة من قبل البنك الاحتياطي الفيدرالي. يعني بالمختصر المفيد، لما الاقتصاد يهدى شوية، الفيدرالي ممكن “يخفف” عليه بالفايدة عشان ينعشه تاني. هذا التوقع هو الوقود الذي دفع الأسواق نحو قممها الجديدة. الأسواق الآن تُسعّر باحتمالية 100% لخفض الفائدة في اجتماع سبتمبر، و80% في أكتوبر، و73% في ديسمبر. بل إن بعض المتفائلين – أو المتشائمين حسب زاوية الرؤية – يتوقعون خفضاً أكبر بنسبة 0.50% في الاجتماع القادم!

هذا الشعور المتزايد بأن الاحتياطي الفيدرالي ربما تأخر في خفض أسعار الفائدة قد أوجد بيئة استثمارية فريدة. الدولار الأمريكي، بطبيعة الحال، من المتوقع أن يشهد ضعفاً في الأسابيع القادمة تماشياً مع هذا الاتجاه الهبوطي طويل الأمد. وفي المقابل، نجد أسواق الأسهم الأمريكية، وعلى رأسها مؤشر S&P500، تستقبل هذا السيناريو بترحاب كبير، مواصلةً اتجاهها الصعودي. الذهب، الملاذ الآمن التقليدي، لم يكن ليتأخر عن الركب، فقد شهد ارتفاعاً قياسياً مدفوعاً بهذه التوقعات وتراجع الدولار. حتى الفضة، أخت الذهب الصغرى، سجلت أعلى مستوى لها في 13 عاماً.

بالحديث عن المكاسب، فإن الأسبوع الماضي لم يأتِ بالكثير من التقلبات في سوق الفوركس مقارنة ببعض الفترات، على الرغم من أن شهر سبتمبر عادة ما يشهد موجة من النشاط. ومع ذلك، فإن بعض التوقعات كانت في محلها تماماً. فلو كنت قد تابعت توصياتنا في 31 أغسطس، لعرفت أن أفضل الصفقات كانت شراء الذهب والفضة إذا أغلقا فوق مستويات معينة، وهو ما حدث بالفعل. الذهب ارتفع بنسبة 4.10%، والفضة بنسبة 3.19% خلال الأسبوع، مما حقق مكاسب إجمالية بلغت 7.29% من هذه الصفقات الثلاثة. مش بطال أبداً، أليس كذلك؟

أما عن الأسبوع القادم، والممتد من 8 إلى 12 سبتمبر، فهو يبدو حافلاً بالفعاليات، ليس بالضرورة من حيث كمية البيانات، بل من حيث تأثيرها المحتمل على الأسواق. لدينا مؤشر أسعار المستهلك الأمريكي ومؤشر أسعار المنتجين الأمريكي، وهما مقياسان رئيسيان للتضخم قد يحددان مسار الفيدرالي. كما أن هناك توقعات جامعة ميشيغان للتضخم وثقة المستهلك، وبيان السياسة النقدية ومعدل إعادة التمويل الرئيسي للبنك المركزي الأوروبي، بالإضافة إلى الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة ومطالبات البطالة الأمريكية. يعني نقدر نقول إننا على موعد مع شوية “أكشن” في السوق، فخلي عينك مفتوحة.

على صعيد العملات، لم تكن هناك تحركات كبيرة استثنائية الأسبوع الماضي، وشهد التقلب هدوءاً نسبياً، فلم تتغير قيمة أي من أزواج العملات الرئيسية بأكثر من 1%. ومع ذلك، كان الدولار الكندي العملة الأقوى، بينما كان الدولار الأسترالي الأضعف. ولكن مع دخولنا في عمق سبتمبر، من المتوقع أن يزداد التقلب، مما يوفر فرصاً أكبر للمتداولين.

فلنلقِ نظرة على الجوانب الفنية الآن، لأنها لسان حال السوق.
مؤشر الدولار الأمريكي (DXY): الأسبوع الماضي، واصل الدولار هبوطه، وهو ما يتماشى مع الاتجاه التنازلي طويل الأمد. صحيح أن حركته محصورة حالياً، لكن ضعف بيانات الوظائف يعزز التوقعات بخفض الفائدة، مما يرجح استمرار تراجعه نحو مستوى الدعم التالي عند 94.61. يا ترى هيوصلها إمتى؟ الأيام الجاية هتبين.
مؤشر S&P500: هذا المؤشر الرئيسي ارتفع ليسجل إغلاقاً قياسياً جديداً فوق المستوى الهام 6,500. الشمعة الأسبوعية كانت إيجابية، مشيرة إلى استمرار الصعود. لكن على الرغم من الإيجابية، يبدو الاتجاه الصعودي ضعيفاً نسبياً فوق 6,500. لذلك، من الحكمة انتظار إغلاق يومي حاسم فوق 6,515 قبل الدخول في صفقات شراء جديدة.
الذهب/الدولار الأمريكي: الذهب كان نجم الأسبوع، حيث قفز بأكثر من 4%، وأغلق عند مستوى قياسي جديد يقارب 3,600 دولار. الرسم البياني الأسبوعي يوضح هذا الاندفاع القوي، مدعوماً باتجاه صعودي مستمر على مدى أشهر. الذهب لديه كل المقومات لمواصلة الصعود في ظل ضعف الدولار وتوقعات خفض الفائدة.
الفضة/الدولار الأمريكي: الفضة تبعت خطى الذهب، وسجلت ارتفاعاً قوياً لتصل إلى أعلى مستوى لها في 14 عاماً، متجاوزة 41 دولاراً للأونصة. ورغم أنها تبدو خياراً أضعف قليلاً من الذهب، إلا أنها لا تزال تستحق الشراء، خاصة وأنها تستفيد من نفس العوامل الأساسية التي تدعم المعدن الأصفر. للمتداولين الحذرين، قد يكون من الأفضل انتظار إغلاق يومي أعلى من الإغلاقات السابقة.

في الختام، يبدو أن الأسواق على موعد مع تحولات جذرية، وقد يكون هذا وقتاً مثالياً للمتداولين والمستثمرين على حد سواء. التوقعات الحالية تشير إلى فرص واعدة في شراء مؤشر S&P500 (بعد تأكيد الإغلاق فوق 6,515)، وشراء الذهب والفضة. فهل ستستغل هذه الفرص وتكون جزءاً من الموجة الصاعدة، أم ستكتفي بالمشاهدة؟ السؤال مطروح، والإجابة تكمن في قراراتك الاستثمارية القادمة.

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.