صباح الاثنين، يوم يُفترض أن يكون بداية أسبوع جديد، مليئًا بالنشاط والحركة في أسواق المال. لكن بالنسبة لعالم العملات المشفرة، كان هذا الاثنين، الموافق 22 سبتمبر 2025، يحمل معه رياحًا باردة من التراجعات الجماعية، أشبه بيوم غائم يخبئ خلفه عاصفة محتملة. وكأن السوق يهمس للمستثمرين: “استعدوا لرحلة وعرة.”
لم يكن هذا التراجع مفاجئًا تمامًا لمن يراقبون نبض الأسواق عن كثب، فالأجواء كانت مشحونة بترقب كبير لخطابات حاسمة من مسؤولي مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. وكأن كل عملة رقمية، من عملاقة مثل “بيتكوين” إلى الوافدين الجدد، كانت تتأهب لهذا الامتحان الاقتصادي الوشيك. فما الذي حدث بالضبط في هذا اليوم المليء بالتقلبات؟
بالطبع، كانت “بيتكوين”، سيدة العملات الرقمية بلا منازع وقائدة السوق من حيث القيمة السوقية، في صدارة المشهد الهابط. فقد سجلت العملة الأشهر عالميًا انخفاضًا بنسبة 0.9%، لتستقر عند مستوى 114.442 ألف دولار أمريكي. ورغم أن هذا الرقم قد يبدو ضخمًا بحد ذاته، إلا أنه يعكس خسارة ملموسة مقارنة بذروتها، ليتقلص حجم قيمتها السوقية الإجمالية إلى نحو 2.28 تريليون دولار. ولم يتوقف الأمر عند حدود يوم واحد، فقد أظهرت البيانات أن “بيتكوين” خسرت 0.9% من قيمتها على مدار الأيام السبعة الأخيرة أيضًا، في إشارة إلى ضغوط بيع مستمرة بدأت قبل هذا الاثنين. الواحد يقول: “يعني بصراحة، المستثمرين كانوا على أعصابهم طول الأسبوع اللي فات، مش بس يوم الاتنين ده.”
لكن القصة لم تقتصر على “بيتكوين” وحدها. فالسوق الرقمي بأكمله بدا وكأنه يرتدي ثوبًا أحمر اللون، مع تراجعات متفاوتة شملت معظم العملات البديلة (Altcoins) الرئيسية. على سبيل المثال، هبطت عملة “إيثريوم”، التي تُعرف بكونها ركيزة أساسية للعديد من التطبيقات اللامركزية، بنسبة أكبر وبلغت 4.1%، لتصل قيمتها إلى 4294.4 دولار. أما “ريبل” (XRP)، تلك العملة التي غالبًا ما تُثار حولها نقاشات قانونية وتنظيمية، فقد انخفضت بنسبة 3.5%، لتسجل 2.9024 دولار.
القائمة لم تتوقف عند هذا الحد؛ عملة “بينانس كوين” (BNB)، التي تعتبر الشريان الحيوي لمنصة “بينانس” العملاقة، شهدت تراجعًا بنسبة 3.1%، لتصل إلى 1034 دولارًا. وشقيقة “إيثريوم” في عالم العقود الذكية، “سولانا” (SOL)، لم تكن بمعزل عن هذه الموجة الهابطة، حيث فقدت 3.6% من قيمتها، ليستقر سعرها عند 231.85 دولارًا. أما الضربة الأقوى، أو ما يُعرف بالعامية “الخبطة الكبيرة”، فكانت من نصيب “دوغكوين” (DOGE)، العملة الميمية الشهيرة، التي سجلت أكبر خسائر اليوم بنسبة هبوط بلغت 7.3%، ليستقر سعرها عند 0.24888 دولار. “يا عيني على اللي كانوا فاكرينها هتطير للقمر، شكلها نزلت على الأرض تاني!” قد يقول البعض مازحًا، لكن الواقع أن هذا التراجع كان مؤلمًا للعديد من حامليها.
لكن لماذا كل هذا التراجع الجماعي في يوم واحد؟ الإجابة تكمن في مكان آخر، بعيدًا عن شاشات التداول الرقمية، وفي قلب واشنطن العاصمة. المستثمرون يترقبون سلسلة خطابات مرتقبة سيُلقيها حوالي 10 من مسؤولي البنك المركزي الأمريكي، بمن فيهم رئيس المجلس، جيروم باول، على مدار الأسبوع الجاري. هذه الخطابات ليست مجرد أحاديث عابرة، بل هي بوصلة اقتصادية يُنتظر منها أن تقدم إشارات أوضح حول مستقبل أسعار الفائدة. فبعد قرار البنك الأخير بخفضها ربع نقطة مئوية، يتساءل الجميع: هل هذا التخفيض بداية لسلسلة تخفيضات أخرى تدعم النمو، أم أنه مجرد تعديل بسيط قبل تثبيت الأسعار، أو ربما رفعها مجددًا في المستقبل؟
المعادلة هنا بسيطة ومعقدة في آن واحد: أي تلميح من الفيدرالي الأمريكي يُشير إلى تباطؤ في وتيرة خفض الفائدة أو احتمال رفعها مرة أخرى، يمكن أن يرسل موجات صدمة عبر الأسواق المالية التقليدية والرقمية على حد سواء. فالعملات المشفرة، رغم استقلاليتها الظاهرية عن الأنظمة المالية التقليدية، لا تزال تتأثر بشكل كبير بالسياسات النقدية العالمية وتوجهات الاقتصاد الكلي. عندما تكون أسعار الفائدة مرتفعة، تصبح الأصول الأكثر مخاطرة، مثل العملات المشفرة، أقل جاذبية للمستثمرين الذين يبحثون عن عوائد أكثر استقرارًا في السندات أو الودائع. “يعني بالعربي كده، لو الفايدة تطلع، الفلوس اللي في الكريبتو ممكن تروح لأماكن أمانها أعلى.”
في النهاية، كان يوم الاثنين، 22 سبتمبر 2025، بمثابة تذكير صارخ بأن عالم العملات المشفرة، بريقه ووعوده الكبيرة، لا يزال يتأرجح على وتر الحساسية المفرطة للمؤثرات الاقتصادية الكبرى. إنها ساحة لا تخلو من الإثارة، لكنها تتطلب من اللاعبين فيها قدرًا كبيرًا من اليقظة والقدرة على قراءة ما بين السطور في كل تصريح اقتصادي. فهل ستقدم خطابات مسؤولي الفيدرالي الأمريكي طوق نجاة للسوق الرقمي، أم أنها ستزيد من حالة عدم اليقين، وتدفع بالعملات المشفرة نحو مزيد من التراجعات؟ الإجابة لا تزال معلقة في الهواء، بانتظار الكلمات التي ستُقال وتوجهات السوق التي ستتبعها. والأكيد، أن الرحلة في هذا العالم المتقلب لم تنتهِ بعد، وعلينا أن نبقى مستعدين لأي مفاجأة.