القاهرة الجديدة: حيث الأحلام العقارية ترتفع.. ولكن هل من مشترين؟

هل ما زال حلم امتلاك شقة أو فيلا في القاهرة الجديدة واقعيًا، أم أنه بات مجرد سراب يلاحقه المصريون؟ هذا السؤال يتردد صداه في أروقة المحادثات اليومية وعلى صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة مع تصاعد موجة أسعار العقارات التي لا تتوقف، والتي تحول بعض أحياء المدينة إلى ما يشبه “الكنوز” التي لا يطالها إلا قلة محظوظة. فمنذ عام مضى، شهدت القاهرة الجديدة طفرة سعرية لم يكن يتوقعها أشد المتفائلين، لتصل الزيادات في بعض مناطقها إلى مستويات فاقت الـ 175%، بينما يواجه هذا الارتفاع الجنوني تراجعًا ملحوظًا في مستويات الطلب، ليثير تساؤلات جدية حول مستقبل هذا السوق المتقلب.

يعني بالمصري كده، الموضوع بقى زي اللي بيجري ورا سراب في الصحراء؛ كل ما تقرب من حلم تملُك بيت، تلاقي الأسعار بتطير أبعد وأبعد. فبينما كانت القاهرة الجديدة قبل سنوات قليلة وجهة آمال الطبقة المتوسطة والعليا لتحقيق حلم المسكن العصري، أصبحت اليوم مرآة تعكس تحديات اقتصادية عميقة، وتؤكد أن معادلة العرض والطلب بدأت تتغير بشكل جذري.

وفقًا لأحدث المؤشرات الصادرة عن تحليل عقاري متخصص، لم يتوقف جنون الارتفاع في قيمة المتر السكني بمختلف ربوع القاهرة الجديدة. وعلى رأس القائمة، يتربع “المربع الذهبي” بلا منازع، مؤكدًا هيمنته كأغلى منطقة شرق القاهرة، حيث بلغ سعر المتر المربع هناك رقمًا فلكيًا وصل إلى 92,750 جنيهًا. يا ترى إيه اللي يخلي منطقة زي دي توصل للرقم ده؟ طبعًا عوامل كتير زي الموقع المتميز، والخدمات الفاخرة، وقربها من المحاور الرئيسية، وكونها بتضم أرقى الكمبوندات، وكل ده بيخليها حلم صعب المنال.

لم تكن “مدينة المستقبل” بعيدة عن هذا السباق المحموم، فقد جاءت في المرتبة الثانية بقيمة 76,100 جنيه للمتر المربع، تليها مشروعات الكمبوندات الراقية في التجمع الخامس، التي سجلت متوسطًا قدره 74,950 جنيهًا للمتر. هذه الأرقام، بصراحة، تضع هذه المناطق في مصاف الوجهات العقارية الأغلى على مستوى الجمهورية، وتجعلنا نتساءل: هل أصبح السكن المريح حقًا رفاهية لا يقدر عليها إلا أصحاب الثروات الكبيرة؟

حتى المدن التي كانت تُعتبر خيارات جيدة للطبقة المتوسطة ذات الدخل المرتفع، مثل مدينتي والرحاب، لم تسلم من هذه الموجة الصاعدة. ففي مدينتي، وصل سعر المتر إلى حوالي 58,300 جنيه، بينما سجل في الرحاب نحو 56,250 جنيهًا. هذه الأرقام قد تبدو أقل من المربع الذهبي، لكنها تظل باهظة لأغلب الأسر المصرية، وتُظهر أن الفجوة بين قدرة الشراء والأسعار المعروضة آخذة في الاتساع بشكل مقلق.

بالانتقال إلى مناطق أخرى، لا تزال تُصنف على أنها “متوسطة” نسبيًا، نجد أن الأسعار هناك أيضًا في تصاعد مستمر، وإن كانت بوتيرة أقل حدة. فمثلاً، بلغ متوسط سعر المتر في المستثمرين الشمالية حوالي 45,100 جنيه، وفي غرب الجولف قفز إلى 43,500 جنيه، بينما سجلت منطقة الشويفات نحو 41,850 جنيهًا. حتى المناطق المحيطة بشارع التسعين، الشريان التجاري والحيوي للقاهرة الجديدة، شهدت ارتفاعات وصلت إلى 39,300 جنيه للمتر في الشارع الرئيسي، و36,000 جنيه للمتر خلف ميراج سيتي. يعني حتى لو كنت بتدور على حاجة “معقولة شوية”، هتلاقي إن “معقولة” دي محتاجة ميزانية كبيرة جدًا.

وبالنسبة لمن يبحثون عن خيارات تُوصف بـ “الأكثر اعتدالًا” داخل القاهرة الجديدة (وهو وصف نسبي جدًا في ظل هذه الأسعار)، فقد سجل مشروع “دار مصر” سعر متر بلغ 25,400 جنيه. أما حي التمر، فوصل متوسط سعر المتر فيه إلى 24,750 جنيهًا، بينما اقترب حي إسكان الجامعة الأمريكية من 24,100 جنيه للمتر. وفي حي الأندلس، بلغ متوسط السعر 23,800 جنيه، مع تسجيل تقسيم الأندلس حوالي 22,550 جنيهًا للمتر. هذه المناطق، التي كانت تُعد وجهة جيدة للشباب والأسر الصغيرة، أصبحت الآن هي الأخرى تتطلب استثمارًا ماليًا ضخمًا.

اللافت للنظر والمثير للتأمل في هذه المعادلة، هو هذا التناقض الصارخ بين الارتفاعات الفلكية في الأسعار والتراجع المستمر في مستويات الطلب. فالمؤشرات تكشف أن مستويات الطلب على الوحدات السكنية في القاهرة الجديدة تراجعت إلى 28%، بعد أن كانت تصل إلى 48% في فترات سابقة. يعني بمنتهى البساطة، الأسعار بتزيد بشكل مبالغ فيه، لكن الناس اللي معاها القدرة على الشراء بتقل.

هذا التراجع في الطلب، على الرغم من الزيادة الجنونية في الأسعار، يشير إلى أن السوق قد وصل إلى نقطة حرجة. فإذا كانت الأسعار ترتفع بهذه الوتيرة، بينما القدرة الشرائية للمواطنين لا تواكبها، فهذا يعني أن هناك فجوة تتسع بين العرض والطلب الحقيقيين. ربما بدأ المشترون المحتملون، وخاصة الشباب والطبقة المتوسطة، يرفعون الراية البيضاء أمام هذه الأرقام التي تفوق كل تخيلاتهم. وربما دفعتهم الظروف الاقتصادية الصعبة وارتفاع معدلات التضخم إلى إعادة النظر في أولوياتهم، وتأجيل حلم التملك إلى أجل غير مسمى.

في النهاية، يبدو أن سوق العقارات في القاهرة الجديدة يواجه لحظة مفصلية. فهل ستستمر هذه الموجة الصاعدة في اجتياح أحلامنا العقارية، محولةً السكن في هذه المدينة الواعدة إلى مجرد رفاهية محصورة على فئة قليلة جدًا؟ أم أن هذا التراجع في الطلب سيفرض واقعًا جديدًا على المطورين، يدفعهم إلى إعادة تقييم استراتيجيات التسعير، بحثًا عن نقطة توازن تعيد الحياة إلى سوق بات يتنفس بصعوبة؟ السؤال مفتوح، والإجابة تكمن في رحم الأيام القادمة، والتي ستحدد ما إذا كانت القاهرة الجديدة ستبقى مدينة الأحلام أم ستتحول إلى مدينة الأرقام المستحيلة.

Leave a Comment

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.