الذهب: هدوء محلي وترقب عالمي.. هل يتبدل المشهد المصري قريبًا؟
الذهب، هذا المعدن النفيس الذي طالما كان ملاذًا آمنًا ومحط أنظار المستثمرين وعامة الناس على حد سواء. له بريقه الخاص، ليس فقط للزينة، بل كوعاء قيم يحفظ الثروات عبر العصور ويستقطب اهتمام كل من يتابع المشهد الاقتصادي. فماذا يحدث حين يتراقص سعره عالميًا صعودًا، بينما يبدو في سوقنا المحلي وكأنه يثبت على وتيرة واحدة؟ هذا هو المشهد المثير للتساؤل الذي شهدناه يوم الإثنين، الثاني والعشرين من سبتمبر لعام 2025، حيث بدا أن السوق المصري للسبائك الذهبية يعيش هدوءًا مستقرًا، في الوقت الذي كانت فيه بورصات الذهب العالمية تشتعل صعودًا. سؤال يطرح نفسه بقوة: إيه الحكاية بالظبط؟ وليه التناقض ده؟
المشهد العالمي كان مفعمًا بالحركة والترقب. فبعد قرار البنك المركزي الأمريكي بخفض أسعار الفائدة الأسبوع الماضي، وهو قرار يهدف عادةً إلى تحفيز الاقتصاد وتسهيل الاقتراض، بدأت التلميحات تتوالى حول استمرار سياسة التيسير النقدي. هذه السياسة، المعروفة بـ “السياسة التوسعية”، تجعل الاستثمار في الأصول الأخرى مثل السندات أقل جاذبية، مما يدفع المستثمرين نحو الذهب كبديل أكثر أمانًا وجاذبية للحفاظ على قيمة أموالهم، وربما لزيادتها. الجميع كان يترقب خطابات مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي هذا الأسبوع، والتي من شأنها أن ترسم ملامح الفترة القادمة بوضوح أكبر. هذه التوقعات والتكهنات كانت الوقود وراء الارتفاع الملحوظ في الأسعار العالمية، ليتحول المعدن الأصفر إلى مغناطيس يجذب رؤوس الأموال الباحثة عن استقرار وأرباح محتملة.
ولم يكن هذا الارتفاع مجرد إشاعات أو توقعات عابرة، بل ترجمته الأرقام بوضوح. فقد سجل سعر الذهب في المعاملات الفورية ارتفاعًا بنسبة 0.1%، ليلامس 3,688.76 دولارًا للأوقية الواحدة. ورغم أن هذا الرقم أقل بقليل من ذروته التي بلغها الأربعاء الماضي عند 3,707.40 دولارًا، إلا أنه لا يزال يعكس زخمًا إيجابيًا قويًا في السوق العالمي. أما العقود الآجلة للذهب الأمريكي تسليم ديسمبر، فقد صعدت بنسبة أكبر بلغت 0.5%، لتستقر عند 3,723.70 دولارًا للأوقية، في إشارة واضحة إلى ثقة السوق في استمرار هذا الاتجاه التصاعدي للمدى القريب. وفي هذا السياق، صرح “تيم ووترر”، كبير محللي الأسواق لدى “KCM Trade”، بتصريح لافت للنظر، قال فيه: “الذهب عاد ليطرق أبواب مستوى 3,700 دولار، ومن الممكن أن نشهد مستويات قياسية جديدة هذا الأسبوع إذا واصلت البيانات الاقتصادية الأمريكية دعم السياسة التيسيرية للفيدرالي.” كلام يخلي الواحد يفكر بجدية في مستقبل المعدن الأصفر ده، وإيه ممكن يحصل بعد كده.
لكن مهلاً، ماذا عن السوق المحلي في مصر؟ هل استجاب بنفس السرعة والقوة لهذا المد العالمي؟ الغريب، أو يمكن القول المُعتاد في بعض الأحيان، أن السوق المصري للسبائك الذهبية قد حافظ على وتيرة شبه مستقرة، وكأنه يراقب المشهد العالمي من بعيد قبل أن يتخذ قراره. هذه حالة من الترقب التي تُثير تساؤلات كثيرة بين المستثمرين والتجار على حد سواء، وكأن السوق المصري لديه حساباته الخاصة التي تختلف بعض الشيء عن الديناميكيات العالمية. الأسعار التي سُجلت يوم الإثنين، 22 سبتمبر 2025، كشفت عن ثبات نسبي، ربما يعكس عملية استيعاب أو تأهب لما هو قادم، أو ربما يكون مؤشرًا على ديناميكيات محلية مختلفة.
دعنا نلقي نظرة عن كثب على تفاصيل الأسعار هنا. سبيكة الذهب ذات العشرة جرامات، والتي تعتبر خيارًا شائعًا للمستثمرين الصغار والمتوسطين، استقرت عند حوالي 57,870.00 جنيهًا مصريًا. أما السبيكة الأصغر وزنًا، الخمسة جرامات، فقد بلغت 28,979.30 جنيهًا. وإذا أردت أن تعرف باقي الأوزان، فالقائمة كالتالي: سبيكة الـ 100 جرام وصلت إلى 577,500.00 جنيه، بينما سبيكة الـ 50 جرام سجلت 288,743.00 جنيهًا. والأونصة الذهبية، التي تزن 31.1 جرامًا، قُدر سعرها بـ 179,633.60 جنيهًا. وبالنسبة للأوزان الأصغر، سبيكة الـ 20 جرام كانت بسعر 115,740.00 جنيه، في حين جاءت سبيكة الـ 2.5 جرام عند 14,605.00 جنيه. يعني زي ما أنت شايف، الأسعار ثابتة ومفيش فيها قفزات كبيرة زي اللي بنسمع عنها عالميًا، وده بيخلي الواحد يسأل: ليه؟
الاستقرار لم يقتصر على السبائك فحسب، بل امتد ليطال أسعار جرام الذهب بالعيارات المختلفة. فجرام الذهب عيار 24، وهو الأعلى نقاءً ويستخدم غالبًا في السبائك، سجل 5,622 جنيهًا. أما عيار 21، الأكثر تداولًا وشعبية في مصر، والذي يعتبر المعيار الأساسي للمشغولات الذهبية، فقد بلغ 4,920 جنيهًا، وهذا السعر لا يشمل المصنعية، وهو ما يجب الانتباه إليه دائمًا عند الشراء. وجرام الذهب عيار 18، الذي يُستخدم غالبًا في المشغولات الذهبية التي تتميز بتصاميمها الفنية والدقيقة، وصل إلى 4,217 جنيهًا. أما الجنيه الذهب، الذي يعد ملاذًا لكثير من المدخرين كأحد أسهل طرق الاستثمار في المعدن النفيس، فقد استقر سعره عند 39,360 جنيهًا. هذه الأرقام، على الرغم من أنها تعكس أسعارًا مرتفعة بشكل عام مقارنة بالماضي، إلا أنها لم تحمل مفاجآت كبيرة ليوم واحد.
لماذا هذا الاستقرار المحلي رغم الصعود العالمي؟ هذا السؤال يشغل بال الكثيرين، خاصة في ظل العلاقة الوثيقة التي تربط دائمًا السوق المحلي بالبورصات العالمية. الإجابة قد تكمن في عدة عوامل متداخلة. ربما يعكس السوق المصري حالة ترقب شديدة، حيث يفضل التجار والمستثمرون المحليون عدم التسرع في تعديل الأسعار لحين وضوح الرؤية العالمية بشكل كامل، خصوصًا مع اقتراب خطابات الفيدرالي الأمريكي التي قد تغير مسار السوق. وقد يكون هناك أيضًا عامل يتعلق بالعرض والطلب المحليين، أو ربما بطء في استجابة الأسواق المحلية للتحركات العالمية الفورية التي قد تستغرق بعض الوقت حتى تنعكس بالكامل. أو يمكن ببساطة أن نقول إن السوق بياخد نفسه، بيستوعب اللي بيحصل بره قبل ما يتحرك. فالذهب في مصر له حسابات خاصة، تتداخل فيها العوامل العالمية بالمحلية بشكل معقد، بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل سعر صرف الدولار والسياسات الاقتصادية المحلية.
في النهاية، ما نشهده هو رقصة معقدة بين القوى الاقتصادية العالمية والديناميكيات المحلية. الذهب، كعادته، يظل مؤشرًا حيويًا للصحة الاقتصادية ومقياسًا لمخاوف المستثمرين وطموحاتهم. فبينما يرى البعض في صعوده العالمي فرصة للاستثمار وجني الأرباح، يجد البعض الآخر في استقراره المحلي فرصة للتأني والترقب قبل اتخاذ أي خطوات استثمارية. هل سيستمر هذا الاستقرار المحلي طويلًا أم أن “موجة” الارتفاع العالمية ستصل حتمًا إلى شواطئنا لتُحدث تغييرًا في الأسعار؟ وهل تصريحات الفيدرالي الأمريكي هذا الأسبوع ستكون الشرارة التي تحرك السوق المصري بقوة؟ هذه أسئلة ستجيب عنها الأيام القادمة، لكن المؤكد أن الذهب، ببريقه وجاذبيته، سيظل دائمًا في قلب النقاشات الاقتصادية والمالية، وسيبقى ملاذًا للكثيرين في زمن التقلبات. يبقى السؤال المهم: يا ترى اللي معاه دهب يعمل إيه دلوقتي؟ يبيع ولا يستنى؟ الحيرة دي دايماً موجودة مع المعدن الأصفر ده، لكن يبدو أن الحكمة تكمن في متابعة التطورات بحذر ويقظة.