هل تُغادر قاطرة الاقتصاد الأوروبي مسارها؟ ألمانيا في مأزق اقتصادي حرج

لنتخيل للحظة أن قاطرة أوروبا الاقتصادية، تلك الماكينة الألمانية التي لطالما كانت رمزاً للقوة والاستقرار، بدأت تتأرجح بعنف، وتطلق تحذيرات تنذر بالخطر. هذا ليس مشهداً من فيلم خيال علمي، بل هو الواقع الذي كشفته تصريحات الوزيرة الألمانية مؤخراً، حين رسمت صورة قاتمة للاقتصاد الوطني، مؤكدة أن “الوضع خطير” ويستدعي تدخلاً عاجلاً. بصراحة، لما تسمع كلام زي ده عن ألمانيا، بتحس إن الموضوع مش سهل خالص، ده حتى مستغرب!

تصريحات الوزيرة لم تكن مجرد توصيف عابر، بل كانت بمثابة جرس إنذار يدق في قلب القارة العجوز. فمنذ عام 2019، تعيش ألمانيا حالة من عدم النمو، وهي فترة ليست بالقصيرة على الإطلاق بالنسبة لدولة بحجمها الاقتصادي. تخيلوا معي، لأربع سنوات متتالية، البلد الذي كان يعتبر النموذج الأمثل للازدهار الصناعي والتجاري، يعاني من جمود في عجلة الإنتاج والتوسع. صحيح أن بعض المؤشرات شهدت تحسناً طفيفاً هنا وهناك، لكن الوزيرة سرعان ما وضعت الأمور في نصابها، موضحة أن هذه “التحسينات الوهمية” كانت نتيجة تسارع الصادرات إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك قبل فرض الرسوم الجمركية التي أثرت بشكل مباشر على السوق، يعني كان شوية “أوكسجين صناعي” مش تعافي حقيقي.

لكن ما هي الأسباب الجذرية وراء هذا التدهور؟ الوزيرة لم تتردد في تسليط الضوء على نقطتين محوريتين. أولاً، تكاليف الطاقة المرتفعة التي تضغط بقوة على الشركات والمصانع الألمانية. هذه التكاليف الباهظة، التي ارتفعت بشكل جنوني في السنوات الأخيرة، تُلقي بظلالها على القدرة التنافسية للصناعات الألمانية، وتجعل من الصعب على الشركات الصغيرة والكبيرة على حد سواء الاستمرار في العمل بكفاءة. ثانياً، وهو الأهم والأكثر إيلاماً لأصحاب الأعمال، هي تلك التكاليف “المرتفعة جداً جداً” التي يتحملها أرباب العمل لقاء موظفيهم، وذلك بالإضافة إلى الأجور الأساسية. يعني الموضوع مش مجرد راتب بتدفعه للموظف، لأ ده فيه مصاريف تانية كتير جداً بتخلي التكلفة الكلية للموظف الواحد عالية أوي. هذه الأعباء الإضافية، سواء كانت ضرائب أو تأمينات اجتماعية أو غيرها، تُشكل حاجزاً أمام التوظيف الجديد وتُثبط همم المستثمرين، وتجعلهم يفكرون ألف مرة قبل التوسع أو إضافة عمالة جديدة.

في ظل هذا المشهد القاتم، لا عجب أن الوزيرة أكدت على الحاجة الملحة لبرنامج إنعاش اقتصادي شامل. فالمسألة لم تعد ترفاً، بل ضرورة قصوى لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وإعادة الاقتصاد الألماني إلى مساره الصحيح. هذا البرنامج يجب أن يكون قادراً على معالجة تلك المشاكل الهيكلية المتجذرة، وأن يقدم حلولاً مستدامة لتحديات الطاقة وتكاليف العمالة. هل يمكن أن يكون هذا بمثابة “طوق نجاة”؟ ربما، لكن الأمر يتطلب أكثر من مجرد إعلان نية.

وعندما سُئلت الوزيرة عن الإطار الزمني اللازم لتصحيح هذا الوضع، خاصة مع وعد المستشار الألماني فريدريش ميرتس بتحسين الوضع خلال الصيف، كان ردها واضحاً وصريحاً: “الإصلاحات ستستغرق وقتاً”. وهذه الجملة تحمل في طياتها الكثير من الواقعية، أو يمكن القول إنها “بتقول اللي محدش عايز يسمعه”. فالقضايا الاقتصادية المعقدة لا تُحل بقرارات فورية أو وعود انتخابية، بل تحتاج إلى رؤية طويلة الأمد، وعمل دؤوب، وتضحيات قد تكون مؤلمة في المدى القصير. لا يمكننا توقع أن تختفي هذه التحديات “بضغطة زرار” أو في غضون أشهر قليلة.

وما يزيد الطين بلة، هو ما أشارت إليه الوزيرة أيضاً بشأن “نقص الاستثمار” في الاقتصاد الألماني، والذي وصفته بأنه “سيكون عاملاً حاسماً لمدة 20 عاماً أو أكثر”. يا ترى إيه معنى الكلام ده؟ ده معناه إن المشكلة مش بس في الوقت الحالي، لأ ده تأثيرها هيمتد لعقود قدام! هذا النقص في ضخ رؤوس الأموال الجديدة في البنية التحتية، وفي التكنولوجيا، وفي البحث والتطوير، يعني أن ألمانيا قد تخسر تفوقها التنافسي على المدى الطويل. فبدون استثمارات كافية، كيف يمكن لاقتصاد أن يتجدد ويواكب التطورات العالمية السريعة؟ كيف يمكنه أن يخلق فرص عمل جديدة، أو أن يظل في صدارة الابتكار؟

إن حالة الاقتصاد الألماني ليست مجرد شأن داخلي يخص برلين وحدها. فنظراً لموقعها المحوري كقوة اقتصادية ضخمة في أوروبا والعالم، فإن أي تذبذب في صحتها يؤثر بشكل مباشر على استقرار القارة بأسرها، بل ويمتد تأثيره إلى الأسواق العالمية. فإذا عطست ألمانيا، قد تصاب أوروبا بالزكام، وهذا قد يؤثر على سلاسل الإمداد العالمية، وعلى التجارة الدولية، وعلى الاستثمارات عبر الحدود. إن التحديات التي تواجهها ألمانيا اليوم هي دعوة صريحة لإعادة تقييم النموذج الاقتصادي الذي اعتمدت عليه لعقود، والتفكير في آليات جديدة للنمو المستدام في عالم يتغير بسرعة فائقة. فهل ستتمكن هذه القاطرة العريقة من تعديل مسارها واستعادة عافيتها؟ الإجابة تتوقف على مدى جدية الإصلاحات والقدرة على مواجهة الحقائق المرة، حتى لو كانت “مش على الهوى”.

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.