في عالمٍ تزخرُ به قصص النجاح، تتلألأ حكاياتٌ تُثبت أن العزيمة الصادقة قادرة على صياغة المستحيل، وأن التحديات ليست سوى وقودٍ للانطلاق نحو القمم. فهل يمكن لحدثٍ جلل أن يكون نقطة تحولٍ ترسم مسار حياة بأكملها؟ وهل الإصرار وحده يكفي لبناء إمبراطورية في عالم المال والأعمال؟ إجاباتٌ شافية على هذه التساؤلات تُقدمها لنا مسيرة سيدة استثنائية، لم تكتفِ بتغيير واقعها، بل امتد تأثيرها ليلامس حياة المئات وربما الآلاف: إنها إيمان مطلق.

ولدت إيمان في مدينة الخبر بالمملكة العربية السعودية، وفي سنٍ لا تتجاوز السادسة، عاشت لحظة فارقة شكّلت وعيها المبكر: فقدان والدها. هذا الحدث، ورغم قسوته، غرس فيها بذور الاعتماد على الذات والمسؤولية في عمرٍ غضٍ. وكأنها تلقت درسًا مبكرًا في كيفية الوقوف على قدميها مهما اشتدت الظروف. يعني من الآخر، كانت البداية صعبة بس قوية. لم تمضِ سنواتٌ كثيرة حتى بدأت إيمان مشروعها التجاري الأول وهي في الرابعة عشرة من عمرها، حيث باعت المشغولات اليدوية والفنون لدعم دراستها، وهو ما يعكس روح المبادرة الفطرية التي تملكتها منذ نعومة أظفارها، وتؤكد أن الحاجة أم الاختراع زي ما بنقول.

لم يكن طريقها مفروشاً بالورود، بل واجهت ظروفاً حياتية معقدة، لكنها أدركت أن التعليم هو مفتاحها لعالمٍ أوسع. فحصلت على شهادة البكالوريوس في إدارة الأعمال من إحدى الجامعات الخاصة في الأردن، ثم تابعت شغفها لتنال درجة الماجستير في المالية من “New York Institute of Technology”. تلك القاعدة الأكاديمية المتينة لم تكن مجرد شهادات، بل كانت جسرًا صلبًا عزز خبرتها العملية وأهلها لخوض غمار عالم المال الذي يندر فيه وجود النساء في مواقع الريادة.

مع بلوغها سن الثامنة عشرة، أطلقت إيمان أول مشاريعها التجارية في مجال الاستيراد والتصدير، لتخطو خطواتها الأولى في عالم الأعمال. لكن طموحها كان أكبر من ذلك بكثير. ففي سن السابعة والعشرين، تحولت أنظارها إلى قطاع المال والاستثمار، حيث أسست “سيجما للاستثمارات” (Sigma Investments)، وهي شركة متخصصة في الوساطة المالية وإدارة الاستثمارات، تقدم خدمات التداول في الأسهم والعملات والسلع. ومن هنا بدأت رحلتها الجادة في بناء إمبراطوريتها المالية. ومع مرور الوقت، توسعت أعمالها لتشمل “إنجوت بروكرز” (INGOT Brokers)، المنصة العالمية للتداول التي مكنت الآلاف من العملاء من دخول أسواق العملات الأجنبية والمؤشرات والأسهم العالمية. هنا لم تعد إيمان مطلق مجرد سيدة أعمال ناجحة، بل أصبحت اسمًا مؤثرًا ومرجعية لا يمكن تجاهلها في قطاع الاستثمار على مستوى المنطقة.

لكن القصة لا تقف عند هذا الحد. فإيمان مطلق، وكما يُبرزها موقع “Womenpreneur Initiative”، لم تكتفِ بالنجاح المالي، بل تركت بصمة إنسانية عميقة تتجاوز حدود الأرباح. شغفها بتمكين المرأة اقتصاديًا واجتماعيًا دفعها لإطلاق برامج دعم في العراق، تدربت من خلالها ما يقارب 400 سيدة على تطوير المشاريع الصغيرة، بهدف إشراكهن بفاعلية في عجلة التنمية الاقتصادية المحلية. يعني الفلوس حلوة، بس العطاء أحلى وأبقى. كما شاركت في حملة إنسانية لافتة للنظر، حين صعدت جبل كليمنجارو ضمن فريق أردني، بهدف جمع التبرعات لصالح أبحاث السرطان بمؤسسة الحسين للسرطان، وتمكنوا من جمع مبلغ ضخم بلغ نحو 1.3 مليون دولار. وإلى جانب ذلك، تتولى إيمان منصب رئيسة فرع “الجمعية الدولية للقيم الإنسانية” (IAHV) في الأردن، حيث تواصل نشاطاتها لتعزيز القيم الإنسانية والأنشطة الاجتماعية.

هذا الحضور الملفت لم يقتصر على الأسواق المحلية والإقليمية فحسب، بل حظيت بتقدير عالمي مستحق. ففي عام 2016، مُنحت من قبل غرفة التجارة الأمريكية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (AmCham MENA) جائزة أفضل سيدة في القطاع المؤسسي. وبعدها بفترة قصيرة، اختيرت ضمن قوائم “فوربس الشرق الأوسط” (Forbes Middle East) لأقوى النساء العربيات في بيئة الأعمال، وهو تكريمٌ يضعها في مصاف القادة والرواد. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فنالت لقب “سيدة العام في الشرق الأوسط” خلال حفل جوائز “Global Officials of Dignity Awards” في نيويورك، مما يعكس مكانتها الريادية على الصعيد الدولي.

عندما نتحدث عن فلسفتها الشخصية، تتضح الرؤية بشكل جلي. ففي مقابلة مع “Bayt.com”، أكدت أن النجاح لا يُبنى على ضربات الحظ العابرة، بل هو نتاج مباشر للانضباط والالتزام المطلق. يومها يبدأ بممارسات التأمل والرياضة، بجانب القراءة وتحديد الأهداف اليومية بدقة. هذه الفلسفة المتكاملة ساعدتها على تحقيق توازنٍ دقيق بين كونها رائدة أعمال مؤثرة وأمًا عزباء حملت مسؤولية تربية ولديها وحدها. إنها باختصار، نموذج للمرأة القادرة على أن تكون سوبر وومان في كل الأدوار. وفي حديثها لموقع “Hackernoon”، أوضحت أن التحديات ليست عوائق تُعيق المسير، بل هي فرصٌ ثمينة للتعلم والنمو. وأكدت بثقة أن المرأة العربية قادرة على تحقيق أسمى طموحاتها إذا آمنت بقدراتها وسعت خلف أهدافها دون تردد.

وبالنظر إلى المستقبل، فإن مشاريع إيمان مطلق تواصل رسم خارطة طريقٍ للتحول الاقتصادي. من أبرز هذه المشاريع تعاون شركاتها مع الحكومة المصرية لإطلاق بورصة سلعية إلكترونية باسم “EGYCOMEX”. هذا المشروع الطموح يهدف إلى تمكين المزارعين الصغار وتحقيق العدالة في الأسعار، ويعتبر نقلة نوعية في قطاع السلع الزراعية بالمنطقة، كما أفاد موقع “Medium”. وإلى جانب ذلك، أطلقت مبادرة “8×8 Women”، التي تركز على دعم المشاريع التي تقودها نساء، وتوفير منصات للإبداع والابتكار في مجالات الأعمال الناشئة. هذه المبادرات تؤكد أن مسيرتها تتجاوز حدود الأرباح، لتصبح نموذجًا حيًا للاستثمار المسؤول اجتماعيًا.

ولعل واحدة من أبرز السمات التي تميز إيمان مطلق هي براعتها في إدارة الأزمات المالية والاقتصادية. ففي مقابلات متعددة أبرزها “Hackernoon”، شددت على أن السوق العالمية لا يخلو من تقلبات حادة وعواصف غير متوقعة، لكن التخطيط طويل الأمد وتنويع مصادر الدخل يمثلان الحل الأمثل لعبور هذه الأزمات بسلام. ومن خلال هذا النهج الحكيم، استطاعت شركاتها أن تتجاوز أزمات مالية عالمية كبرى، مثل جائحة كوفيد-19 وتذبذبات أسعار السلع التي عصفت بالأسواق العالمية.

تؤمن إيمان مطلق إيمانًا راسخًا بأن وجود المرأة في قطاع الاستثمار والمال ليس خيارًا، بل ضرورة ملحة. وكما أشارت “Womenpreneur Initiative”، فإنها تدفع باستمرار نحو مشاركة النساء في القطاعات التي كانت تُعتبر في السابق حكرًا على الرجال. هذا التوجه الواعي جعلها تُنظر إليها كنموذج ملهم في مجتمع الأعمال، ورسالة واضحة لكل من يشكك في قدرات المرأة، مفادها أن الكفاءة لا ترتبط بالنوع، بل بالقدرة والإبداع. ومع صعود الاقتصاد الرقمي في المنطقة العربية، تتبنى مطلق رؤية واضحة ترتكز على إدماج التكنولوجيا الحديثة في جميع العمليات المالية. فهي ترى أن استخدام تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات سيغير وجه الاستثمار في الشرق الأوسط، وهو ما يفسر تركيزها على إطلاق شركات ومنصات تتبنى هذا التحول، مثل “INGOT Brokers”، التي تقدم خدمات رقمية متكاملة للمستثمرين.

في نهاية المطاف، يمكن القول إن قصة إيمان مطلق ليست مجرد مسيرة مهنية ناجحة، بل هي بالفعل رسالة تحفيزية قوية للجيل الجديد من رواد الأعمال العرب، خاصة الشابات. قصتها، كما أبرزتها العديد من المصادر، تكشف أن النجاح لا يأتي مصادفة أو بضربة حظ، بل هو ثمرة إصرار لا يلين، ورؤية واضحة المعالم، وعمل مستمر لا يتوقف. إنها بذلك تقدم مثالًا حيًا وملموسًا على أن المرأة العربية قادرة على قيادة التحولات الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة، وكسر أي حواجز قد تعترض طريقها. فهل نحن مستعدون لالتقاط هذه الرسالة، وصناعة قصص نجاح جديدة على نفس المنوال؟ الأمل كبير.

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.