هل فكرت يوماً في الذهب؟ ذلك المعدن النفيس الذي لطالما كان ملاذاً آمناً في أوقات الشدة، ورفيقاً لدرب الازدهار، ومخزناً للقيمة لا يخذل أبداً. يبدو أن بريقه لا يخفت، بل تتجدد قيمته يوماً بعد يوم، وفي يوم الاثنين الموافق 22 سبتمبر 2025، شهدت المملكة العربية السعودية موجة صعود جديدة في أسعار هذا المعدن الأصفر الثمين، مدفوعة بتيارات عالمية قوية جعلت الأنظار تتجه صوب “الخزينة الذهبية” من جديد.
لم يأتِ هذا الارتفاع المفاجئ من فراغ، يا جماعة الخير. بل هو جزء لا يتجزأ من تحركات أوسع نطاقاً تهيمن على أسواق الذهب العالمية. ففي خضم التقلبات الاقتصادية المستمرة، وتزايد حالة عدم اليقين في المشهد الدولي، يتجه المستثمرون بشكل متزايد نحو الأصول الأكثر استقراراً وأماناً، وعلى رأسها يأتي الذهب. فالمعدن الأصفر، بتاريخه الطويل كحافظ للقيمة، يوفر ملاذاً آمناً ضد التضخم وتقلبات العملات، مما يزيد من الطلب عليه عالمياً. هذا الطلب المتزايد هو ما دفع سعر الأوقية العالمية لتتجاوز حاجز الـ12 ألف ريال سعودي، في إشارة واضحة إلى قوة الدفع الصعودية التي يشهدها السوق.
لنتعمق قليلاً في هذه الأرقام، ونرى كيف انعكس هذا الصعود العالمي على الأسعار المحلية في قلب المملكة. الذهب، بمختلف عياراته، شهد ارتفاعاً ملحوظاً جعل المقبلين على الشراء، سواء للاستثمار أو للمناسبات، يفكرون ملياً. نبدأ بالعيار الأغلى والأكثر نقاءً، وهو عيار 24، الذي يعد المعيار الذهبي لجودة المعدن. هذا العيار سجل سعراً قدره 443.75 ريالاً سعودياً للجرام الواحد، وهو ما يعادل تقريباً 118.48 دولاراً أمريكياً. هذا السعر يعكس بشكل مباشر القيمة السوقية العالمية للذهب الخالص، ويعطي لمحة عن مدى قوة المعدن في الأسواق.
بالانتقال إلى العيار الأكثر شيوعاً واستخداماً في المشغولات الذهبية والمجوهرات، نجد عيار 21، الذي يحظى بطلب كبير في السوق السعودية والمنطقة ككل. هذا العيار، الذي يمثل مزيجاً متوازناً من النقاء والمتانة، لامس سعر 388.25 ريالاً للجرام، أي ما يقارب 103.67 دولار أمريكي. يعني ده العيار اللي أغلب الناس بتفضله، سواء للشراء كهدية أو حتى للاستثمار على المدى الطويل، لأنه بيكون عملي وسعره مناسب نسبياً.
أما لمن يبحث عن خيار أكثر اقتصادية، لكنه لا يزال يحتفظ بلمعة الذهب ورونقه، فعيار 18 يقدم حلاً ممتازاً. هذا العيار وصل إلى 332.75 ريالاً سعودياً للجرام الواحد، أو 88.86 دولاراً أمريكياً. ورغم أنه يحتوي على نسبة أقل من الذهب الخالص، إلا أنه يحتفظ بقيمته وجاذبيته، ويبقى خياراً مفضلاً لدى الكثيرين، خصوصاً في المجوهرات ذات التصاميم المعقدة التي تحتاج إلى صلابة أكبر.
نصل الآن إلى “الأونصة”، تلك الوحدة المعيارية التي يتابعها المستثمرون والمتعاملون في أسواق الذهب العالمية بشغف كبير، نظراً لأنها تعد المقياس الرئيسي للأسعار. فقد سجلت الأونصة في السوق السعودية يوم الاثنين الماضي 13801 ريالاً، وهو ما يوازي 3685 دولاراً أمريكياً. والمثير للانتباه، والذي يؤكد الترابط الوثيق بين الأسواق المحلية والعالمية، هو أن سعر الأوقية عالمياً، وبالتحديد لعيار 24، كان أيضاً 3685 دولاراً في نفس اليوم. يعني بصراحة، اللي بيحصل في البورصات العالمية بيسمع عندنا هنا على طول، وبيأثر على الأسعار المحلية بشكل مباشر جداً.
فماذا يعني هذا الارتفاع المتواصل والمشهد العالمي المتأرجح للمستهلك العادي والمستثمر الصغير؟ هل هو الوقت المناسب لاقتناص الفرصة وشراء الذهب كاستثمار، أم أن الأسعار بلغت ذروتها ويجب التمهل؟ الأسئلة تتوالى، والإجابات ليست سهلة، فقرارات الاستثمار في الذهب تتطلب دراسة متأنية للسوق وتحليل الاتجاهات المستقبلية. المؤكد أن الذهب، ببريقه الذي لا يصدأ، سيظل ملاذاً آمناً للكثيرين، ومرآة تعكس أحوال الاقتصاد العالمي وتقلباته. وفي ظل التحديات الراهنة، يبقى المعدن الأصفر جاذباً للأنظار، ومحط ثقة للباحثين عن الاستقرار، ليؤكد من جديد مقولته الخالدة: “الذهب زينة وخزينة”. فهل نحن على أعتاب مرحلة ذهبية جديدة، أم أن هذه مجرد موجة عابرة في بحر الأسعار المتلاطم؟ هذا ما ستكشفه الأيام القادمة.