الذهب يواصل الصعود.. هل تشتعل “الحمى الذهبية” في الأسواق العالمية؟
هل تخيلت يوماً أن بريق الذهب قد يصبح محور أحاديثنا الاقتصادية، لا لجماله فحسب، بل لقوته السعرية الصارخة؟ يبدو أن “المعدن الأصفر” قرر مجدداً أن يلفت الأنظار، ويرسم علامات استفهام كبيرة حول مسار الأسواق العالمية. فمع بداية الأسبوع، وتحديداً يوم الاثنين الموافق 22 سبتمبر 2025، شهدنا موجة صعود قوية دفعت أسعار الذهب لتحوم قرب مستويات قياسية لم نرها منذ زمن، وهو ما أثار ترقباً هائلاً بين المستثمرين الذين يتابعون عن كثب تصريحات مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وبيانات التضخم المرتقبة لهذا الأسبوع. الناس كلها بقت بتتكلم: هل الذهب ده رايح لفين بالظبط؟
لم يكن هذا الارتفاع وليد الصدفة، بل جاء كاستجابة مباشرة لتطورات اقتصادية مهمة حدثت الأسبوع الماضي، حين أقدم البنك المركزي الأمريكي على تخفيض أسعار الفائدة، بل وألمح صراحة إلى إمكانية تبني المزيد من سياسات التيسير النقدي في المستقبل القريب. هذا التوجه “المتساهل” من جانب الفيدرالي الأمريكي يعتبر بمثابة دفعة قوية للذهب، الذي لطالما تألق في بيئات الفائدة المنخفضة.
وبلغة الأرقام، والتي لا تخطئ، سجل سعر الذهب الفوري قفزة بلغت 0.1% ليصل إلى 3,688.76 دولار للأونصة بحلول الساعة 02:17 بتوقيت جرينتش. ولنتذكر أن هذا السعر ليس ببعيد عن الذروة القياسية التي بلغها يوم الأربعاء الماضي، والتي وصلت إلى 3,707.40 دولار. أما بالنسبة للعقود الآجلة للذهب الأمريكي لتسليم شهر ديسمبر، فقد شهدت هي الأخرى صعوداً بنسبة 0.5%، لتسجل 3,723.70 دولار، وذلك بحسب البيانات الصادرة عن وكالة “رويترز”. أرقام مخيفة، أليس كذلك؟ كأن الذهب بيبعت رسالة واضحة لكل من يشك في قيمته.
ولفهم أعمق لما يحدث، كان لابد من الاستماع لآراء الخبراء. يقول تيم ووترر، كبير محللي الأسواق في شركة “كيه سي إم تريد”، وبلهجة لا تخلو من التفاؤل الحذر: “الذهب عاد ليقترب من مستوى 3,700 دولار، وقد نشهد تسجيل قمم جديدة هذا الأسبوع إذا واصلت البيانات الاقتصادية الأمريكية دعم الرواية المتساهلة للاحتياطي الفيدرالي”. ويضيف ووترر، مؤكداً على العوامل الدافعة: “مزيج السياسة النقدية المتساهلة للاحتياطي الفيدرالي وعمليات الشراء المستمرة من البنوك المركزية يمنح الذهب زخمًا إضافياً”. تخيل معي: الفيدرالي بيخفض الفايدة، والبنوك المركزية الكبيرة بتشتري دهب بكميات.. طبيعي جداً إن السعر يولع!
ليس سراً أن المعدن الأصفر يُعرف تاريخياً بأدائه القوي في بيئة أسعار الفائدة المنخفضة. فعندما تنخفض الفائدة على السندات والأصول الأخرى، يصبح الاحتفاظ بالذهب، الذي لا يدر عوائد، أكثر جاذبية للمستثمرين الباحثين عن ملاذ آمن لأموالهم. ولهذا السبب، لم يكن صعود الذهب هذا العام مفاجئاً للكثيرين، فقد ارتفعت قيمته بأكثر من 40% مدفوعاً بحالة عدم اليقين الجيوسياسي والاقتصادي التي تخيم على العالم، بالإضافة إلى مشتريات البنوك المركزية المستمرة، وتوجهات التيسير النقدي التي أصبحت سياسة متبعة لدى العديد من البنوك الكبرى. الوضع ببساطة عامل زي اللي الدنيا بتولع والناس كلها بتجري تستخبى في الدهب.
ولكن، هل كان الذهب وحده نجم هذه الدراما الاقتصادية؟ ليس تماماً. فقد شهدت أسعار العملات النفيسة الأخرى بعض التقلبات أيضاً. ارتفعت الفضة الفورية بنسبة 0.3% لتسجل 43.20 دولار للأونصة، وهو ما يبقيها قريبة من أعلى مستوى لها في 14 عاماً. إيه ده، حتى الفضة مكملة السباق! في المقابل، تراجع البلاتين بنسبة 0.4% إلى 1,398.40 دولار، بينما ارتفع البلاديوم بنسبة طفيفة بلغت 0.1% ليصل إلى 1,150.75 دولار. كل معدن وله ظروفه الخاصة، لكن الاتجاه العام يشير إلى حالة من الحذر والبحث عن الأصول الصلبة.
في الختام، يبدو أن الأسواق العالمية تعيش فترة عصيبة تتسم بالترقب والتقلبات، ووسط هذا المشهد الضبابي، يواصل الذهب تألقه كـ”ملاذ آمن” بامتياز. فهل نحن على أعتاب مرحلة جديدة يكسر فيها الذهب كل الحواجز السعرية، مدفوعاً بالخوف من التضخم، وعدم اليقين الاقتصادي، وسياسات التيسير النقدي التي يبدو أنها لن تتوقف قريباً؟ أم أن هذا الارتفاع مجرد فقاعة مؤقتة سرعان ما تتبدد؟ الإجابة لا يملكها أحد على وجه اليقين، لكن المؤكد أن بريق الذهب سيظل يجذب أنظار الجميع، من صغار المستثمرين إلى كبار البنوك المركزية، في سباق لا يعرف التوقف نحو الأمان والاستقرار في زمن الاضطرابات. فهل يستمر هذا البريق في التوهج، أم أن للسوق تقلبات أخرى تخبئها لنا الأيام القادمة؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام والأسابيع القادمة.