هل تذكر شعور التخرج؟ تلك اللحظة التي تمتزج فيها الفرحة بالإنجاز مع قلقٍ خفيٍّ من المجهول الذي ينتظر في سوق العمل. سنواتٌ من الدراسة، جهودٌ لا تُحصى، وفي النهاية، السؤال الأكبر: “هل سأجد مكاني؟” إنه تحدٍّ عالمي يواجهه ملايين الشباب حول العالم، تحدٍّ يتطلب أكثر من مجرد شهادة، بل يحتاج إلى دعمٍ وتوجيهٍ لإكسابهم المهارات الحقيقية التي تفتح الأبواب. ولكن ماذا لو كانت هناك جهةٌ مكرسةٌ بالكامل لسد هذه الفجوة، لا لقلةٍ قليلة، بل لآلاف الخريجين سنوياً؟
في قلب المملكة العربية السعودية، تنهض المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني (TVTC) بهذا الدور المحوري، مستشرفةً مستقبل أبناء الوطن. ففي إنجازٍ لافتٍ للنصف الأول من عام 2025، أعلنت المؤسسة عن تنفيذ (386) برنامجاً تدريبياً مكثفاً. هذه البرامج، التي صُممت بعناية فائقة، لم تكن مجرد دورات إضافية، بل كانت بمثابة جسرٍ ذهبي، يربط بين المخرجات التعليمية لخريجي وخريجات برامج التدريب التقني والمهني وبين المتطلبات العملية لسوق العمل، بهدف تزويدهم بالخبرات اللازمة للانطلاق بثقة نحو مسيرتهم المهنية.
وليس هذا مجرد عملٍ روتيني، بل هو توجهٌ استراتيجي راسخ، كما أكد ذلك المتحدث الرسمي للمؤسسة، الأستاذ فهد العتيبي. هو قال بالحرف الواحد إن المؤسسة “بتشتغل على طول” مش بس بتدرب وتسيب الخريج لوحده، لكنها بتنفذ برامج وأنشطة متعددة لدعم التنسيق الوظيفي لخريجي الكليات التقنية والمعاهد. يعني ببساطة، جهودهم لا تتوقف عند حدود قاعات التدريب، بل تمتد لتشمل المساعدة في إيجاد فرص وظيفية تتناسب مع تخصصاتهم الدقيقة. والمميز هنا هو المتابعة المستمرة؛ فالمؤسسة لا تكتفي بالتنفيذ، بل تقوم بقياس وتقييم هذه البرامج بشكل دوري، لضمان تطبيق أفضل الممارسات التي تساهم في توفير فرص عمل حقيقية وذات قيمة.
ولكي لا تكون هذه مجرد وعودٍ نظرية، فقد ترجمت المؤسسة رؤيتها إلى خطواتٍ عملية على أرض الواقع، يمكن قياسها بالأرقام والإنجازات. ففي ذات الفترة المذكورة، شهد النصف الأول من عام 2025 تنظيم (225) ملتقى ومعرضاً للتوظيف بالتعاون مع جهاتٍ متعددة، لتوفير منصاتٍ مباشرة يلتقي فيها الخريجون بالشركات الباحثة عن الكفاءات. وهل تعلم أن المؤسسة عقدت أيضاً (628) لقاءً مباشراً مع مديري الموارد البشرية في كبرى جهات التوظيف المستهدفة بقطاع الأعمال؟ دي لقاءات استراتيجية بتضمن فهم عميق لاحتياجات السوق وتوجيه الخريجين بالشكل الأمثل.
ولضمان ديمومة الشراكات وتوسيع قاعدة الفرص المتاحة، تم توقيع (58) مذكرة تفاهم مع شركاء استراتيجيين من القطاعين الحكومي والخاص، لتعزيز مساهمتهم في توظيف الخريجين. لكن الشغل بجد مش بس في التنفيذ، لا كمان في المتابعة. المؤسسة بتتابع نتائج التنسيق الوظيفي من خلال استقراء وقياس رضا جميع الأطراف المعنية عبر دراسة وتحليل الاستبيانات الدورية. تخيل معايا، تم تحليل (902) استبانة لقياس رضا أصحاب العمل و(9390) استبانة لقياس رضا الخريجين خلال هذه الفترة! ده بيعكس التزاماً منهجياً بتطوير الجوانب المتعلقة بالتوظيف باستمرار، بناءً على بيانات حقيقية وملاحظات مباشرة.
ولم تتوقف جهود المؤسسة عند هذا الحد، بل تبنت مبادراتٍ وبرامج نوعية لتسهيل دخول الخريجين إلى سوق العمل في مجالاتٍ تتناسب مع تخصصاتهم. من أبرز هذه المبادرات “فرصة عمل لكل خريج”، وهي مبادرة طموحة تعكس الرغبة في ألا يبقى أي خريجٍ سعودي بلا فرصة عمل مناسبة. وبالتوازي مع ذلك، قامت المؤسسة بإنشاء مكاتب للتنسيق الوظيفي داخل الكليات والمعاهد نفسها. ودي خطوة ذكية جداً، يعني الخريج يلاقي الدعم والمساندة في نفس المكان اللي اتخرج منه، وده بيسهل تفعيل برامج التعاون والشراكات مع قطاعات الأعمال بهدف توفير فرص عمل مناسبة ومستدامة.
وفي سياقٍ متصل، تُعد معارض وملتقيات التوظيف التي تنظمها المؤسسة في الكليات والمعاهد بمثابة أسواقٍ مصغرة للوظائف، حيث تربط الخريجين مباشرةً بالجهات التوظيفية وتعرّفهم بالفرص المتاحة في السوق. وفي شهر مايو الماضي وحده، أطلقت المؤسسة (141) فعالية توظيفية متنوعة في مختلف مناطق المملكة. تخيل كده حجم المجهود ده، 141 فعالية في شهر واحد بس! ده بيأكد حرص المؤسسة على الوصول إلى أكبر شريحة من الشباب في كل مكان، وضمان توفير هذه الخدمات القيمة لأبناء الوطن كافة.
ولفهم حجم هذا الجهد على المدى الأطول، يجدر بنا الإشارة إلى إحصائيات عام 2023، والتي تُظهر استمرارية وتراكم هذه الإنجازات. في ذلك العام، قدمت المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني أكثر من (114) ألف فرصة وظيفية لخريجي وخريجات برامج الكليات والمعاهد التابعة لها! إنه رقمٌ هائل، أليس كذلك؟ وهذا لم يكن ليتحقق لولا توقيع (148) مذكرة تفاهم مع جهاتٍ حكوميةٍ وخاصة، بالإضافة إلى تنظيم (659) برنامجاً لتهيئة الخريجين، وعقد (1252) لقاءً مباشراً مع مسؤولي الموارد البشرية في جهات التوظيف. الأرقام دي كلها بتورينا إن الموضوع مش مجرد كلام، دي خطة عمل مستمرة ومدروسة.
في الختام، لا شك أن جهود المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني تمثل ركيزةً أساسيةً في بناء مستقبلٍ واعد لشباب المملكة. إنها تتجاوز كونها مؤسسةً تعليميةً بحتة، لتكون شريكاً استراتيجياً في رحلة التنمية الوطنية، تعمل بجد على تمكين الكوادر الشابة وتسليحها بالمهارات اللازمة لمواجهة تحديات سوق العمل المتغيرة باستمرار. هل نقدر نقول إن ده بيغير مستقبل شبابنا للأحسن؟ أكيد طبعاً! فكل خريج يجد فرصة عمل، وكل تخصص يلبي حاجة سوق، هو خطوة نحو تحقيق رؤية المملكة 2030 الطموحة. هذه المبادرات تزرع الأمل وتضيء دروب النجاح، مؤكدةً أن الاستثمار في رأس المال البشري هو الاستثمار الأذكى والأكثر استدامة لأي أمة تتطلع إلى الريادة والتقدم.