في قلب شرق أفريقيا، حيث تتلاقى الطموحات الاقتصادية الكبرى مع تحديات لا تقل ضخامة، جاء إعلان أديس أبابا الأخير ليُشعل فتيل الحديث حول مستقبل البلاد المالي. وكأنها خطوة استراتيجية في لعبة شطرنج معقدة، أقدم رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، على تعيين وجه جديد لقيادة دفة البنك المركزي الإثيوبي. الموضوع يا جماعة، مش مجرد تغيير روتيني لمنصب، بل هو مؤشر على مرحلة جديدة ضمن مسيرة الإصلاح الاقتصادي الشاملة التي بدأها آبي أحمد قبل سنوات، والتي لا تزال تترنح بين الإنجازات والآمال والتحديات المستمرة.

تحديدًا يوم الجمعة الماضية، التاسع عشر من سبتمبر 2025، صدر القرار الرسمي بتكليف الدكتور أيوب تكالنغ، الذي كان يشغل منصب وزير الدولة للمالية، بمنصب محافظ البنك المركزي. هذا التعيين يأتي ليملأ فراغاً حيوياً تركه المحافظ السابق، مامو ميهريتو، الذي غادر منصبه مطلع الشهر الجاري. وبالرغم من أن ميهريتو كان جزءاً لا يتجزأ من الفريق الاقتصادي لآبي أحمد، فإن الأنظار تتجه الآن نحو أيوب، والمسؤولية الملقاة على عاتقه تبدو هائلة.

منذ أن تولى آبي أحمد مقاليد السلطة في عام 2018، لم يخفِ أبداً طموحه في تحرير الاقتصاد الإثيوبي من قبضته الطويلة التي سيطرت عليها الدولة لعقود. تخيل معي بلداً ظل نظامها الاقتصادي مقيداً، لا يجد فيه القطاع الخاص مساحة كبيرة للنمو أو للمنافسة الحرة. هذا الوضع كان أشبه بوعاء مغلق يحد من الإمكانات الهائلة. لكن آبي قرر كسر هذا القالب، ووضع برنامجاً واسع النطاق يهدف إلى فتح الاقتصاد على مصراعيه. شملت هذه الإصلاحات خطوات جريئة ومحورية، مثل تعويم العملة المحلية، البِر، وهي خطوة حاسمة كان لها أثرها المباشر على قيمة العملة والأسعار. كما تضمنت هذه الإصلاحات فتح القطاع المصرفي أمام البنوك الأجنبية، في محاولة لجلب المزيد من الاستثمارات والخبرات ورؤوس الأموال التي لطالما كانت البلاد في أمس الحاجة إليها. هذه القرارات، التي أشرف عليها المحافظ السابق، كانت بمثابة تحولات جذرية وليست مجرد تعديلات هامشية.

طيب، مين بقى هو الدكتور أيوب تكالنغ اللي اتقاله “امسك الدفة” في وقت بهذا الحساسية؟ بصراحة، سيرته الذاتية بتدل إنه مش جاي من فراغ. من عام 2018، وهو يشغل منصب وزير الدولة للمالية، وقبلها كان وزيراً للتخطيط الوطني. يعني، الراجل ده عرف تفاصيل الاقتصاد الإثيوبي من جوه وبره، مفيش حتة إلا وله فيها بصمة. خبرته تتجاوز المناصب التنفيذية، فهو أيضاً عضو في مجالس إدارات لمؤسسات ضخمة وحيوية، منها البنك المركزي نفسه (حيث كان عضواً قبل أن يتسلم مقعد المحافظ)، وشركة “إثيو تليكوم” العملاقة للاتصالات، وهيئة الاستثمار الإثيوبية التي تُعد بوابة البلاد للمستثمرين الأجانب، وحتى شركة الكهرباء الوطنية. هذه العضويات المختلفة تمنحه رؤية شاملة للمشهد الاقتصادي والإنمائي في إثيوبيا. وزيادة على كل ده، الدكتور أيوب يحمل درجة الدكتوراه من جامعة ميريلاند الأميركية، وكانت أطروحته عن تحليل الاقتصاد السياسي لإثيوبيا منذ نهاية الحرب الأهلية عام 1991. يعني مش بس خبير مالي، ده فاهم تاريخ بلده الاقتصادي بعمق وتفاصيله الدقيقة.

لكن يا صديقي، هل المسيرة دي مفروشة بالورود؟ أبداً. المحافظ الجديد يتولى مهام منصبه في مرحلة دقيقة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. لا تزال معدلات التضخم تفوق 10%، وهو رقم ليس بالهيّن ويؤثر بشكل مباشر على القوة الشرائية لكل مواطن إثيوبي. كما يواجه نظام سعر الصرف القائم على آليات السوق ضغوطاً كبيرة، وكأن العملة المحلية في سباق مستمر للحفاظ على قيمتها. وفي خضم كل هذا، تعمل الحكومة على تطبيق إطار جديد للسياسة النقدية يعتمد بشكل أساسي على أسعار الفائدة. هذا التحول يتطلب دقة ومهارة فائقة في التخطيط والتنفيذ لتجنب أي هزات غير مرغوبة قد تعصف بالاستقرار الاقتصادي. يعني تحديات من كل ناحية، وكأن أيوب بيستلم مهمة محفوفة بالمخاطر.

هنا بقى بيجي كلام المحللين عشان يوضح الصورة أكتر. عبد المنان محمد، المحلل المستقل، صرح لوكالة رويترز بكلام مهم جداً بيلخص الوضع. بيقول إن أيوب تكالنغ كان “في قلب الإصلاحات الاقتصادية خلال السنوات السبع الماضية، بما في ذلك إعادة هيكلة الديون الخارجية وإصلاح النظام الضريبي”. يعني الراجل ده عارف خبايا الموضوع وعاش تفاصيله. لكن في نفس الوقت، عبد المنان بيضيف إن المسؤولية اللي بيتحملها أيوب دلوقتي “معقدة وتتطلب موازنة دقيقة بين الاستقرار النقدي ودفع عجلة الإصلاح”. وكأنك بتطلب من شخص يمشي على حبل رفيع جداً، لازم يحافظ على توازنه بدقة متناهية وفي نفس الوقت يكمل طريقه نحو الهدف.

إذن، السؤال الذي يطرح نفسه الآن وبقوة: هل سيكون الدكتور أيوب تكالنغ هو المهندس القادر على تحقيق التعافي الاقتصادي المنشود لإثيوبيا؟ هل سيتمكن من ترويض وحش التضخم الذي يلتهم مدخرات الناس، وتثبيت سعر الصرف المضطرب، والمضي قدماً في طريق الإصلاحات الشاملة دون اهتزاز أو تراجع؟ هذه ليست مجرد أسئلة اقتصادية جافة تُناقش في أروقة البنوك المركزية، بل هي أسئلة تتعلق بشكل مباشر بمستقبل الملايين من الإثيوبيين الذين يتطلعون بشغف إلى تحسن ظروفهم المعيشية، وتوفير فرص عمل، وتحقيق استقرار يضمن لهم حياة كريمة. تعيين أيوب يمثل تجديداً للثقة في فريق الإصلاح الاقتصادي بقيادة آبي أحمد، ولكنه أيضاً بداية لاختبار حقيقي لهذه الثقة. فالعالم يراقب، والمواطن الإثيوبي يتطلع، والأيام القادمة ستحمل الإجابات الوافية على هذه التساؤلات المحورية. فهل تنجح إثيوبيا في تحقيق قفزتها الاقتصادية الكبرى، أم أن التحديات ستظل تلقي بظلالها على هذه الرؤية الطموحة؟ دعونا ننتظر ونرى.

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.