في زمنٍ تتصاعد فيه الأصوات المطالبة بحماية كوكبنا، وتزداد فيه الحاجة الملحّة للتوجه نحو الاستدامة في كل تفاصيل حياتنا، تبرز بعض الأخبار كمنارات أمل تضيء الطريق نحو مستقبل أفضل. فهل تخيلت يومًا أن إحدى الوزارات الحكومية قد تنجح في تحقيق أقصى درجات التميز البيئي العالمي، لتصبح بذلك ليس فقط رائدة في مجالها، بل وقدوة للمجتمع بأسره؟ هذا بالضبط ما حققته وزارة الاقتصاد والتخطيط في المملكة العربية السعودية مؤخرًا، في إنجاز يسطّر اسمها كأول وزارة تنال هذا الشرف الرفيع، ويؤكد أن الطموح لا يعرف حدودًا عندما يتعلق الأمر بمستقبلنا المشترك.

في خطوة جريئة وغير مسبوقة، أعلنت وزارة الاقتصاد والتخطيط بالمملكة حصولها على شهادة LEED البلاتينية، وهي أرفع مستويات الاعتماد العالمي في مجال تشغيل وصيانة المباني القائمة. بصراحة، إنجاز زي ده مش سهل أبداً ويحتاج لمجهود كبير! أن تكون أول وزارة على مستوى المملكة تحصد هذا الشرف الرفيع، فهذا ليس مجرد لقب يُضاف إلى سجلها، بل هو شهادة حقيقية على التزام راسخ وتفانٍ لا يتزعزع نحو بناء مستقبل أكثر استدامة. هذا الإنجاز النوعي، الذي أُعلن عنه يوم الاثنين الموافق 22 سبتمبر 2025، يضع الوزارة في مصاف المؤسسات الرائدة عالميًا في تطبيق المعايير البيئية الأكثر صرامة.

يمكننا أن نتساءل هنا: ما هي شهادة LEED هذه التي نتحدث عنها بكل هذه الأهمية؟ ببساطة، هي اختصار لـ “الريادة في تصميمات الطاقة والبيئة” (Leadership in Energy and Environmental Design)، وتُعد نظام التقييم الأشهر عالميًا للمباني الخضراء. تخيلوا معايا كده إنها زي الأوسكار في عالم المباني الصديقة للبيئة. لا تُمنح هذه الشهادة لأي منشأة عادية؛ بل هي مكافأة تُقدمها الجهة المانحة، المجلس الأمريكي للأبنية الخضراء (USGBC)، للمباني التي لا تكتفي بتحقيق معايير معينة، بل تتجاوزها لتطبق أفضل الممارسات في مجالات حيوية. وتشمل هذه المعايير كفاءة استهلاك الطاقة والمياه، وتحسين جودة الهواء داخل المبنى لضمان بيئة صحية، والإدارة الرشيدة للموارد، وصولًا إلى تقليل الانبعاثات الكربونية الضارة بالبيئة. الموضوع إذاً لا يتعلق بالشكل الخارجي فقط، بل يمتد إلى جوهر المبنى وطريقة تشغيله اليومية وتأثيره البيئي الكلي.

لكن لماذا تحظى هذه الخطوة بأهمية بالغة، وتحديدًا عندما تأتي من وزارة الاقتصاد والتخطيط؟ الإجابة واضحة تمامًا ومحورية في آن واحد. هذه الوزارة تتولى مسؤولية قيادة جهود المملكة نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، التي تُعد ركيزة أساسية لرؤية 2030 الطموحة. فعندما تكون الجهة المسؤولة عن توجيه دفة الاستدامة على المستوى الوطني هي نفسها من تضرب المثل الأعلى وتُطبق أعلى المعايير الدولية في عملياتها التشغيلية الخاصة، فهذا يبعث برسالة قوية للجميع، مفادها أن الاستدامة ليست مجرد استراتيجيات على الورق، بل ممارسات حية. الإنجاز هذا، الذي تم بشراكة استراتيجية مع شركة أصول العقارية، يبرهن على أن الاستدامة ليست حكرًا على قطاع دون آخر، وأن الشراكات الفعالة بين القطاعين الحكومي والخاص هي مفتاح النجاح في هذا المسعى.

إن حصول وزارة الاقتصاد والتخطيط على هذه الشهادة البلاتينية ليس مجرد تكريم للوزارة وحدها؛ بل هو بمثابة دفعة قوية وشهادة دولية لمكانة المملكة ككل على الساحة العالمية في مجالات الاستدامة. في عالم يواجه تحديات بيئية متزايدة من تغيرات مناخية واستنزاف للموارد، يصبح التزام الدول بالمعايير الخضراء مؤشرًا على مدى تطورها ووعيها بمستقبل الأجيال القادمة. هذا الإنجاز يتواءم بشكل مباشر مع مستهدفات رؤية المملكة 2030، التي تولي اهتمامًا بالغًا لتحسين جودة الحياة وتطوير بيئة مستدامة ومزدهرة. يعني بصراحة، دي مش مجرد ورقة شهادة، دي رسالة للعالم كله إن السعودية ماشية بخطى ثابتة ومدروسة نحو مستقبل أخضر ومستدام، وأنها ليست مجرد متفرج في السباق العالمي نحو البيئة الأفضل، بل مشارك فعال ومؤثر.

وماذا يعني هذا للموظفين ولبيئة العمل داخل الوزارة؟ تخيل أنك تعمل في مبنى يضمن لك جودة هواء داخلية ممتازة، ويستخدم الطاقة والمياه بكفاءة عالية، ويهتم بتقليل بصمته الكربونية. يعني الموظفين هناك أكيد حاسين بفرق في جودة البيئة اللي بيشتغلوا فيها. هذا يعزز من جودة الحياة المهنية ويخلق بيئة عمل صحية ومحفزة، مما ينعكس إيجاباً على الإنتاجية والرضا الوظيفي. إنه تأكيد جلي على ريادة الوزارة في تبني الممارسات المستدامة، ودورها الحيوي في ترسيخ ثقافة الكفاءة والالتزام البيئي داخل الجهاز الحكومي. فهل هناك أفضل من أن يكون مكان عملك نموذجًا يحتذى به في الحفاظ على بيئتنا وتقديم أفضل الظروف للعاملين فيه؟

هذا الإنجاز يسلط الضوء على تساؤل مهم ومحفز في آن واحد: هل ستكون وزارة الاقتصاد والتخطيط مجرد نقطة مضيئة وحيدة في بحر واسع من الجهات الحكومية، أم ستكون الشرارة التي تشعل حماس بقية الوزارات والهيئات في المملكة لتتبع خطاها وتطبيق معايير مماثلة؟ نتمنى أن يكون هذا هو الحال، وأن تتحول هذه المبادرة إلى نهج عام. فأن تصبح كل منشأة حكومية قدوة في تطبيق معايير الاستدامة ليس مجرد هدف بيئي نبيل، بل هو استثمار ذكي في كفاءة التشغيل على المدى الطويل، وفي صحة الموظفين والمواطنين على حد سواء، وفي تعزيز سمعة المملكة كدولة رائدة تلتزم بمسؤولياتها تجاه الكوكب ومستقبل البشرية.

قد يتساءل البعض، كأفراد عاديين، ما علاقتنا نحن بشهادة بلاتينية تحصل عليها وزارة؟ بصراحة، الموضوع أكبر بكثير من مجرد شهادة تُعلق على حائط. هذه المبادرات الحكومية هي التي تشكل البيئة التي نعيش فيها جميعًا بشكل مباشر وغير مباشر. عندما تتبنى وزارة الاقتصاد والتخطيط، وهي القلب النابض للتخطيط المستقبلي للمملكة، أعلى معايير الاستدامة، فهذا يعني أن الفكر المستدام يتغلغل في صلب القرار الحكومي، ويُصبح جزءًا لا يتجزأ من رؤية المملكة لمستقبلها. يعني في النهاية، كلنا هنستفيد من بيئة أنظف، وموارد محفوظة للأجيال القادمة، ومستقبل أكثر إشراقًا لأولادنا. إنه ليس مجرد خبر عابر، بل هو مؤشر قوي على أن الطريق نحو مستقبل أخضر ومستدام في المملكة قد رُسم بخطوط واضحة، وأننا جميعًا، مواطنين ومقيمين، جزء لا يتجزأ من هذه الرحلة نحو غد أفضل.

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.