باريس، 21 سبتمبر 2025 – ماذا يحدث عندما يتصادم أغنى رجل في أوروبا، إمبراطور السلع الفاخرة، مع خبير اقتصادي يدعو إلى فرض ضرائب على الثروات؟ الجواب: جدالٌ محتدم يمزق الساحة الاقتصادية الفرنسية، ويضع مفاهيم العدالة والتنمية على طاولة النقاش. هذه ليست مجرد مناظرة أكاديمية جافة، يا جماعة، دي خناقة كبيرة ليها أبعاد اقتصادية وسياسية عميقة أوي في قلب فرنسا.

في أحد أركان الحلبة، يقف برنارد أرنو، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمجموعة “إل في إم إتش” (LVMH) العملاقة، الرجل الذي تُقدر ثروته بـ 169 مليار دولار، ليتربع بذلك على عرش أغنى أغنياء القارة العجوز. هو ليس مجرد رجل أعمال ناجح، بل أيقونة للأناقة والرفاهية التي تُصدّرها فرنسا للعالم. من جانبه، يحمل أرنو لواء الاقتصاد الليبرالي، ويرى فيه المحرك الأساسي للازدهار والتقدم.

أما في الركن المقابل، فيقف غابرييل زوكمان، الخبير الاقتصادي اللامع الذي ذاع صيته بأفكاره الجريئة حول سبل مكافحة التهرب الضريبي وإعادة توزيع الثروات. زوكمان، وهو أستاذ جامعي يحظى باحترام واسع في الأوساط الأكاديمية، يدعو إلى فرض ضريبة بنسبة 2% على الثروات التي تتجاوز 100 مليون يورو (أي ما يعادل حوالي 117 مليون دولار أمريكي)، مقترحًا أن هذه الضريبة قد تُدر على الخزينة الفرنسية ما يقارب 15 مليار يورو سنويًا.

الشرارة التي أشعلت هذا السجال العلني جاءت عبر تصريحات أرنو لصحيفة “صنداي تايمز”، حيث لم يدخر وسعًا في وصف زوكمان، بوضوح وصراحة لا تخطئها الأذن، بأنه “ناشط يساري متطرف” لا يهدف سوى إلى “تدمير الاقتصاد الليبرالي”. كلام قوي جدًا، كأن أرنو بيقول إن أفكار زوكمان دي كارثة حتمية على البلد. وأضاف أرنو، الذي يعتبر نفسه “أكبر دافع للضرائب فرديًا” في فرنسا، أن زوكمان “يستخدم خبرته الأكاديمية الزائفة – وهي بحد ذاتها موضع جدل واسع النطاق – لخدمة أيديولوجيته”. يعني أرنو مش بيجامل خالص، هو بيهاجم الفكرة وصاحبها بشكل مباشر.

وتساءل أرنو، مستنكراً كيف يمكن أن يطاله هذا الاقتراح مباشرة وهو الذي يدفع من الضرائب ما يدفعه، سواء كفرد أو عبر الشركات التي يديرها. هذا السؤال يكشف عن وجهة نظر كثير من الأثرياء: لماذا نُستهدف بينما نحن نساهم في الاقتصاد ونوفر الوظائف؟

لكن لماذا يشتعل هذا النقاش الآن تحديدًا؟ الإجابة تكمن في الواقع الاقتصادي الضاغط الذي تمر به فرنسا. فالدولة الأوروبية العريقة تواجه تحديات كبيرة في إقرار موازنتها وكبح عجزها المالي، وكل هذا في ظل برلمان منقسم يفتقر إلى حزب ذي أغلبية مطلقة. وكأن فرنسا، بسفينة اقتصادها المثقل، تحاول الإبحار في بحرٍ هائج من الانقسامات السياسية. في هذا المناخ، يجد المشرعون الاشتراكيون، الذين يلعبون دورًا محورياً في البرلمان المعلق، فرصة للدفع بقوة نحو تبني ضريبة الثروة كحل لتمويل الخدمات العامة وتقليص الفجوة الاقتصادية.

زوكمان، من جانبه، يرى أن هذه الضريبة لن تُقلق سوى حوالي 1800 أسرة في فرنسا، وهو عدد قليل نسبيًا. وقد صرح لقناة “فرانس 2” التلفزيونية في وقت سابق من هذا الشهر بأن “المليارديرات الفرنسيين لا يدفعون ضريبة دخل، أو يدفعون القليل جداً منها”. وأوضح أنهم غالبًا ما يحصلون على أرباحهم عبر شركات قابضة معفاة من الضرائب، مما يتيح لهم الاحتفاظ بالجزء الأكبر من ثرواتهم بعيدًا عن يد الضرائب الحكومية. يعني باختصار، هما بيحاولوا يلفوا ويدوروا عشان يدفعوا أقل حاجة ممكنة.

ولم يتأخر زوكمان في الرد على هذه الهجمة الشرسة، واصفًا هجوم أرنو عليه بأنه “مجرد صورة كاريكاتيرية” لا تعكس الواقع. ونفى بشدة أن يكون ناشطًا في أي حركة أو حزب سياسي، مسلطًا الضوء على مسيرته المهنية كأستاذ جامعي متخصص في تحليل السياسات الضريبية. هو بيشوف نفسه باحث أكاديمي، مش ثوري يساري زي ما أرنو بيصوره.

بعيدًا عن الأسماء والأرقام، يمثل هذا الجدل صراعًا أيديولوجيًا أوسع حول مستقبل الرأسمالية ودور الدولة في إعادة توزيع الثروات. فهل هي دعوة لفرض عدالة اجتماعية ضرورية، أم تهديد للاقتصاد الحر الذي يعتمد على حرية المبادرة والاستثمار؟ هل هو صراع طبقي متجدد يلوح في الأفق؟ أم مجرد تباين في الرؤى الاقتصادية حول أفضل السبل لتحقيق الرخاء؟

هذا الحوار الساخن في فرنسا ليس منعزلاً، بل هو جزء من نقاش عالمي حول تزايد عدم المساواة والتساؤلات التي تُطرح حول مدى مساهمة أصحاب الثروات الطائلة في الأعباء العامة. في النهاية، يظل السؤال معلقًا: هل ستتمكن فرنسا من التوفيق بين متطلبات العدالة الاجتماعية وديناميكية اقتصاد السوق الحر؟ الأيام القادمة، ومع استمرار الضغوط الاقتصادية والسياسية، هي وحدها من ستحمل الإجابات.

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.