حسن محمود
في قلب الصحراء، حيث تتراقص ناطحات السحاب تحت أشعة الشمس الذهبية، تبرز دبي كوجهة عالمية لا تضاهيها أي مدينة أخرى في جذب أصحاب الثروات. لم تعد الإمارة مجرد محطة عابرة للأعمال أو السياحة الفاخرة، بل تحولت إلى ملاذ استثماري ومعيشي دائم لأولئك الذين يبحثون عن أكثر من مجرد عقار؛ يبحثون عن إرث. ولكن من هم هؤلاء الأثرياء؟ وما الذي يدفعهم للاستقرار في هذه الجوهرة المتلألئة؟ تقرير حديث صادر عن شركة “دبي سوثبيز إنترناشونال ريالتي” يفك لنا ألغاز هذا المشهد العقاري الصاخب، ويكشف عن قصص وأرقام تستحق التأمل.
التقرير، الذي اطلعنا عليه، يرسم صورة واضحة ومثيرة للاهتمام حول من يشتري العقارات فائقة الفخامة في دبي هذه الأيام. والغريب في الأمر، أنه ليس الشباب الطموح وحده من يتسابق على هذه الجواهر العقارية. بل المفاجأة كانت في أن شريحة “العمر الذهبي” هي التي تتصدر المشهد. يعني إيه الكلام ده؟ ببساطة، معظم المشترين ينتمون إلى الفئات العمرية الأكبر سناً، وتحديداً من تتراوح أعمارهم بين الخمسين والستين عامًا، تليها فئة الأربعينات. هذا التوجه ليس عشوائيًا، بل يعكس نظرة أعمق للعقارات؛ فهي ليست مجرد استثمار يدر العوائد، بل هي أصول ذات قيمة تُورث للأبناء والأحفاد، لتصبح جزءًا من تاريخ العائلة.
وعلى النقيض تمامًا، نجد أن حضور الفئات العمرية الأصغر، كمن تتراوح أعمارهم بين العشرين والتاسعة والعشرين، كان محدودًا نسبيًا. وهذا يوضح بجلاء أن سوق العقارات الفاخرة في دبي يجذب بشكل أكبر العائلات المستقرة وأصحاب الخبرة المالية الطويلة، ممن لديهم رؤية بعيدة المدى للاستثمار والتوريث. فليس كل من لديه المال يكفيه لشراء عقار فاخر، بل يتطلب الأمر نظرة ثاقبة للمستقبل، وهذا ما يميز كبار السن من المستثمرين.
ولكن من أين يأتي هؤلاء المشترون؟ هنا تبرز الجنسيات كعنصر حاسم في فهم ديناميكيات السوق. المفاجأة الكبرى كانت في تصدر المشترين من المملكة المتحدة للقائمة. يا ترى إيه اللي حصل هناك خلاهم يجوا دبي؟ التقرير يوضح أن التغييرات الأخيرة في الأنظمة الضريبية ببلادهم، والتي دخلت حيز التنفيذ في نهاية العام الماضي، كانت دافعًا رئيسيًا. أضف إلى ذلك ارتفاع قيمة الجنيه الإسترليني مقابل الدرهم الإماراتي بعد تراجع الدولار الأمريكي، مما جعل دبي وجهة بديلة أكثر جاذبية لهم. هي مش بس حكاية فلوس، هي حكاية ذكاء في استغلال الفرص.
لم يقتصر الأمر على البريطانيين فحسب، بل شكلت باقي الجنسيات الأوروبية نسبة كبيرة من المشترين، خصوصًا من فرنسا وإيطاليا وسويسرا. ودوافعهم لا تختلف كثيرًا عن دافع البريطانيين؛ فالبحث عن الاستقرار المالي والبيئة الضريبية المواتية يدفعهم نحو الإمارة. بالطبع، لا يمكننا أن نغفل الحضور القوي والمستمر لمشترين من الهند وروسيا وتركيا، وهم لطالما كانوا من اللاعبين الأساسيين في هذا السوق. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل لوحظ اهتمام متزايد من مشترين من الولايات المتحدة وقبرص، مما يؤكد الطبيعة الدولية المتزايدة والتنوع الفريد للسوق العقاري الفاخر في دبي.
هذه المعطيات لا تعكس مجرد أرقام وحسب، بل تحمل دلالات عميقة. دبي لم تعد مجرد محطة استثمارية قصيرة الأجل أو مكان للاستمتاع بالعطلات الفاخرة. لقد تحولت إلى وجهة استراتيجية حقيقية للمستثمرين الدوليين الذين يطمحون إلى الاستقرار طويل الأمد والعوائد الاستثمارية المجزية. يعني من الآخر كده، اللي بييجي دبي دلوقتي مش ناوي يمشي قريب. إن استحواذ الفئات العمرية الأكبر على حصة الأسد من المبيعات يؤكد جاذبية دبي كمدينة توفر عقارات يمكن النظر إليها كأصول استثمارية آمنة، وأيضًا كإرث عائلي للأجيال القادمة، وهذا عامل نفسي واقتصادي مهم جدًا.
وعندما نتحدث عن الدوافع وراء الشراء، يزداد المشهد وضوحًا. يكشف تقرير “دبي سوثبيز إنترناشونال ريالتي” أن الغالبية العظمى من المشترين في سوق العقارات فائقة الفخامة يفضلون الاستقرار الدائم في الإمارة. فالبحث عن مسكن رئيسي يشكل 55% من إجمالي المشتريات، وهذا يعكس ثقة لا تتزعزع في البيئة المعيشية والاقتصادية المستقرة التي توفرها دبي. إنها ليست مجرد صفقة عقارية، بل قرار حياة متكامل.
في المقابل، جاء الاستثمار في المرتبة الثانية بنسبة 34%، مما يبرز مكانة الإمارة كوجهة جاذبة لرؤوس الأموال الباحثة عن عوائد طويلة الأجل ومضمونة نسبيًا. أما المنازل المخصصة لقضاء العطلات، فقد شكلت 11% فقط من إجمالي المبيعات. هذه النسبة المنخفضة قد تكون مفاجئة للبعض، لكنها تؤكد أن التوجه السائد لا يركز على دبي كملاذ موسمي للسياحة أو قضاء الإجازات، بل كإرث استثماري ومعيشي راسخ للأجيال. هل يمكننا أن نقول إن دبي قد تجاوزت مرحلة “الوجهة السياحية الفاخرة” إلى مرحلة “الوطن الثاني الدائم للأثرياء”؟ يبدو أن الأرقام والإحصائيات تجيب بنعم مدوية. ففي عالم مليء بالتقلبات الاقتصادية والسياسية، تظل دبي منارة للاستقرار والأمان، جاذبةً لمن يبحث عن غدٍ أفضل، ليس له فحسب، بل لمن سيأتون بعده.
