هل تساءلت يوماً لماذا تتغير أسعار الكهرباء في فاتورتك الشهرية بشكل غامض، بينما يبدو ارتفاع وهبوط أسعار البنزين أكثر وضوحاً، وغالباً ما نربطها بتحركات أسعار النفط العالمية أو مشاكل المصافي؟ هو الحقيقة أن الموضوع مختلف خالص. لو أسعار البنزين ممكن نرمي اللوم على شركات النفط أو ظروف السوق اللي باينة، فقصة الكهرباء أعقد بكثير، عاملة زي شبكة عنكبوتية معقدة، وفيها أطراف كتير وكل واحد بيلعب دور في تحديد السعر النهائي اللي بتدفعه.

صيف هذا العام، شهدنا فواتير الكهرباء ترتفع بشكل جنوني في أماكن عديدة حول العالم، لكن الأسباب اللي بنسمعها بتختلف تماماً حسب الجهة اللي بتتكلم. السياسيون يوجهون أصابع الاتهام نحو القوانين المناخية الجديدة، في حين تشير شركات المرافق إلى ضرورة تحديث البنية التحتية المتهالكة، بينما يرى المحللون أن تقلبات أسعار الغاز الطبيعي هي المحرك الرئيسي. لكن السؤال الأهم يظل معلقاً في الأفق: من يمسك بزمام الأمور حقاً في أسواق الكهرباء هذه؟ وهل هناك طرف واحد مسؤول، أم أننا أمام آلة تسعير متعددة الطبقات؟

آلة التسعير الخفية: طبقات وراء كل سعر

الحقيقة الصادمة هي أن أسعار الكهرباء لا تُحددها جهة واحدة أبداً. بل هي نتاج سلسلة معقدة من التفاعلات، حيث تتنقل التكاليف عبر أيادي عدة أطراف قبل أن تستقر في فاتورتك. الأمر أشبه بسباق تتابع، كل لاعب يضيف لمسته – وتكلفته – قبل أن يسلم الشعلة لمن يليه.

مزودو الوقود: اليد الخفية في السوق

نبدأ من الأساس: الوقود. الغاز الطبيعي، الفحم، اليورانيوم، وحتى مصادر الطاقة المتجددة، كلها تحدد التكلفة الأساسية لتوليد الكهرباء. وعندما تقفز أسعار الغاز – سواء بسبب تقلبات الطقس القاسية، أو التوترات الجيوسياسية، أو حتى ارتفاع الطلب العالمي على التصدير – فإن أسعار الكهرباء لا تلبث أن تلحق بها صعوداً. واللي بيحصل، إن الغاز غالباً ما يحدد السعر “الهامشي” اللي بيوازن السوق، حتى في المناطق اللي بتعتمد بشكل كبير على الطاقة المتجددة. يعني هو حجر الزاوية مهما كان في مصادر تانية.

منتجو الكهرباء: صناع العطاءات الكبار

تخيل سوقاً كبيراً حيث يتنافس المنتجون المستقلون ومحطات الكهرباء التابعة لشركات المرافق لبيع طاقتهم. هؤلاء يقدمون عروضهم في أسواق الجملة، آخذين في الحسبان تكاليف الوقود، الصيانة، والعائد المطلوب على استثماراتهم. في الأسواق التنافسية، ينجح المنتجون أو يفشلون بناءً على الأسعار السائدة. أما في الولايات اللي فيها أنظمة تسعير منظمة، فغالباً ما تُحتسب تكلفة التشغيل مضافاً إليها هامش ربح، وده بيحمي كتير من المحطات من التقلبات المباشرة للسوق. يعني بالمختصر كده، كل واحد بيشوف مصلحته.

مشغلو الشبكات: مهندسو التوازن

هنا يأتي دور منظمات النقل الإقليمية (RTOs) زي PJM وERCOT وCAISO في أمريكا. دول اللي بيديروا الأسواق اليومية والفورية للكهرباء. وظيفتهم الأساسية إرسال الكهرباء الأرخص أولاً، إدارة الازدحام على خطوط النقل، وضمان موثوقية الشبكة بالكامل. خوارزميات التسعير الهامشي الموضعي اللي بيستخدموها ممكن تتسبب في قفزات أسعار هائلة في أوقات الذروة، أو لما يكون فيه قيود على خطوط النقل. يعني ممكن تكون الكهربا متوفرة، بس لو الخطوط مش مكفية، السعر بيزيد.

شركات المرافق: طبقة التوصيل الأخيرة

دي الشركات اللي بتشتري الكهرباء بالجملة وتوصلها لبيوتنا وشركاتنا. في الولايات المنظمة، بتسترد تكاليفها عن طريق طلبات تسعير بتقدمها للهيئات التنظيمية. أما في الأسواق الحرة، بتشتغل كوسيط بيعدي أسعار السوق مع إضافة محدودة جداً. يعني هي همزة الوصل الأخيرة بين المنتج والمستهلك.

الهيئات التنظيمية: حراس البوابة

اللجان الحكومية للمرافق العامة بتلعب دوراً حاسماً، فهي اللي بتوافق على الأسعار، وخطط استرداد رأس المال، والعوائد المسموح بها. ممكن تبطئ زيادات الأسعار، لكن نادراً ما بتمنعها تماماً لو كانت مرتبطة بتكاليف الوقود أو البنية التحتية. وعلى المستوى الفيدرالي، لجنة تنظيم الطاقة الفيدرالية (FERC) بتشرف على النقل بين الولايات وقواعد السوق بالجملة. هي دي اللي بتسن القوانين واللوائح.

المستثمرون: اللاعبون الخفيون وراء الستار

المستثمرون المساهمون بيتوقعوا عوائد ثابتة وأرباحاً يمكن التنبؤ بها. ضغطهم بياثر على تخصيص رأس المال، وتصميم الأسعار، وخيارات المشاريع. وغالباً ما بيدفع شركات المرافق نحو المشاريع كثيفة رأس المال اللي بتضمن استرداد التكاليف، حتى لو كانت فيه حلول أرخص متاحة. يعني فلوسهم هي اللي بتحرك جزء كبير من القرارات.

لماذا تتأرجح الأسعار بهذا العنف؟

أسعار الكهرباء معروفة بتقلبها الشديد، والأسباب تتجاوز مجرد الطلب الموسمي.

  • تكاليف الوقود: الغاز الطبيعي لسه بيحدد السعر الهامشي في أغلب الأسواق الأمريكية. تخيل موجة برد قارسة في نيو إنجلاند أو موجة حر شديدة في تكساس، ده ممكن يرفع الأسعار بشكل جنوني في ساعات معدودة.
  • الطقس القاسي: الظروف المناخية المتطرفة، واللي بقت تتكرر أكثر فأكثر، بتدفع الشبكة لحدودها القصوى. في أسواق زي ERCOT، ممكن آليات التسعير الناتجة عن الندرة تتسبب في قفزات ضخمة حتى مع فترات نقص قصيرة في الإمدادات.
  • اختناقات البنية التحتية: ازدحام خطوط النقل وضعف الترابط بين المناطق بيعزل بعض الأسواق. التسعير بسبب الازدحام ممكن يرفع الأسعار المحلية، حتى لو كان التوليد وفيراً في أماكن تانية.
  • تصميم السياسات: أسواق القدرة، تسعير الكربون، متطلبات الطاقة المتجددة – كل ده بياثر في طريقة تقديم المنتجين لعروضهم وكيفية استرداد شركات المرافق لتكاليفها. السياسات اللي هدفها تسريع إزالة الكربون ممكن ترفع التكاليف على المدى القصير قبل ما تحقق وفورات على المدى الطويل.
  • هيكل السوق: المرافق المتكاملة رأسياً ممكن توفر أسعاراً أكثر استقراراً لكنها بتفتقر للمنافسة. أما أسواق التجزئة التنافسية فبتوفر المنافسة لكن بتعرض المستهلكين لتقلبات السوق بالجملة، وغالباً بدون أدوات تحوط فعالة.

دروس من حكايات أسواق مختلفة

عندما تضرب الأزمات، تكشف أسواق الكهرباء عن وجهها الحقيقي. دعونا نلقي نظرة على ثلاثة أمثلة تبرز كيف يمكن لتصميم السوق والاعتماد على الوقود أن يؤدي إلى نتائج متباينة جداً:

  • تكساس (ERCOT): ندرة التسعير في ظل التحرير. عاصفة الشتاء “يوري” عام 2021 كشفت هشاشة شبكة ERCOT في تكساس. مع الحد الأدنى من الترابط مع الولايات الأخرى، وعدم وجود سوق للقدرة، اعتمدت ERCOT على تسعير الندرة للحفاظ على استمرارية التوليد. قفزت الأسعار بالجملة لـ 9,000 دولار لكل ميغاواط/ساعة، وده أدى لإفلاس عشرات الموردين وترك المستهلكين أمام رسوم بأثر رجعي. بينما حقق المستثمرون في الأصول المرنة أرباحاً هائلة. يعني اللي معاه فلوس بيكسب واللي معندوش بيدفع.
  • كاليفورنيا (CAISO): الطاقة المتجددة، الحرائق، والمخاطر. طموحات كاليفورنيا في الطاقة المتجددة خلقت ديناميكيات تسعير فريدة. الفوائض الشمسية وقت الظهيرة بتدفع الأسعار بالجملة للمنطقة السلبية، لكنها بتقفز في المساء وقت الذروة. أضف إلى ذلك مسؤوليات الحرائق الضخمة – اللي أدت لإفلاس PG&E عام 2019 – والنتيجة هي بعض من أعلى أسعار التجزئة في البلاد.
  • نيو إنجلاند (ISO-NE): قيود خطوط الغاز وارتفاعات الشتاء. رغم سياساتها التقدمية، ما تزال نيو إنجلاند تعتمد بشكل كبير على الغاز الطبيعي في الشتاء. محدودية خطوط الأنابيب بتجبر المنطقة على استيراد الغاز الطبيعي المسال بأسعار عالمية، واللي ممكن تقفز خلال موجات البرد. في يناير 2022، تجاوزت الأسعار بالجملة 200 دولار لكل ميغاواط/ساعة رغم توفر قدرة توليد كافية – وده بيوضح إن لوجستيات الوقود، مش القدرة، هي اللي كانت المشكلة الأساسية.

الرابحون والخاسرون: من يرقص على نغمات السوق؟

أسعار الكهرباء مش مجرد استرداد للتكاليف، لأ، دي عملية نقل قيمة بين الأطراف. مين اللي بيكسب ومين اللي بيخسر في اللعبة دي؟

  • الرابحون:

    • شركات المرافق: في الولايات المنظمة، بتحقق عوائد مضمونة على المشاريع الرأسمالية الضخمة زي تحديثات النقل، تعزيز الشبكة، أو تركيب العدادات الذكية.
    • المنتجون المستقلون: بيجنوا أرباحاً ضخمة من تقلبات السوق، خصوصاً محطات الغاز المرنة وأنظمة تخزين البطاريات اللي بتستغل أسعار الذروة.
    • مستثمرو البنية التحتية: من صناديق التقاعد لشركات الاستثمار الخاص، بيجمعوا عوائد ثابتة غالباً ما بتكون مرتبطة بالتضخم من خطوط النقل والمحطات المتجددة، واللي بيمولها المستهلكون اللي ممكن ميكونوش عارفين فلوسهم بتروح فين أصلاً.
  • الخاسرون:

    • المستهلكون: دول اللي بيتحملوا العبء الأكبر من التقلبات. الأسر مابتملكش أدوات تحوط ضد صدمات الوقود أو السياسات. أما الصناعات الكبيرة فبتكون في وضع أفضل بفضل التوليد في الموقع، وبرامج الاستجابة للطلب، والعقود طويلة الأجل.
    • صناع السياسات: عليهم الموازنة بين القدرة على تحمل التكاليف، والموثوقية، وإزالة الكربون. ولما تفشل الإصلاحات أو تتأخر البنية التحتية، بيدفعوا التمن سياسياً.

وهم السيطرة: إلى من تذهب الفاتورة؟

قد يبدو من المغري الاعتقاد بأن أسعار الكهرباء مجرد انعكاس للعرض والطلب، لكن الواقع أكثر تعقيداً وتنسيقاً بكثير. فمن أسواق الوقود وصولاً إلى المنظمين، النظام متعدد الطبقات ومعقد لدرجة أن المستهلكين بيظنوا أنهم بيدفعوا مقابل الكهرباء بس، لكنهم في الواقع بيمولوا مشاريع البنية التحتية الضخمة، وأهداف السياسات الطموحة، وعوائد المستثمرين. يعني الفاتورة اللي في إيدك دي وراها حكاية كبيرة.

أما بالنسبة للمستثمرين، فالدرس واضح: الرابحون هم من يفهمون “الرقصة” دي – من يحددون الأصول المضمونة الاسترداد، ويتوقعون التحولات التنظيمية، ويتحوطون ضد التقلبات. أما بالنسبة لنا كلنا، فسعر الكهرباء سيظل هدفاً متحركاً ومفاجئاً في بعض الأحيان. الأسعار دي مش بتُفرض علينا وخلاص، دي بيتم التفاوض عليها. وهناك أطراف كتيرة جداً موجودة على الطاولة دي. يبقى السؤال اللي بيطرح نفسه: هل فيه أمل إننا نفهم اللعبة دي بوضوح أكتر، ويكون لينا صوت حقيقي فيها؟ يا ترى إيه دورنا إحنا كمستهلكين في دا كله؟

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.