كلنا بنحلم بمكان آمن لفلوسنا. مكان يكبّرها وما نخافش عليها من تقلبات السوق. لكن يا ترى إيه هو الملاذ الآمن ده في زمن الأسعار اللي بتطلع وتنزل زي المرجيحة؟ هل العقار لسه هو الرهان الرابح، ولا بقى مجرد فقاعة ممكن تنفجر في أي لحظة؟ هذا التساؤل الجوهري، الذي يشغل بال الكثيرين، تناولته مؤخراً تصريحات المهندس عمرو سليمان، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة ماونتن فيو، والذي قدم رؤية متفائلة ومفصلة حول السوق العقاري المصري، مؤكداً على ثباته وقدرته على تحقيق عوائد استثنائية.
يؤكد سليمان أن الاستثمار العقاري، بطبيعته، يُعد ملاذًا آمنًا ومضمونًا على المدى الطويل. تخيل معي للحظة، بينما تتقلب أسعار الذهب والأسهم صعوداً وهبوطاً كأمواج البحر، ويُطارد التضخم عوائد الشهادات البنكية، يقف العقار كمرساة ثابتة. هذه الحقيقة المذهلة كشف عنها سليمان: كل من وضع أمواله في هذا القطاع الحيوي خلال الفترة الممتدة من عام 2005 حتى عام 2024، قد حصد عائدًا وصل إلى خمسة أضعاف قيمته الأصلية بالدولار الأمريكي. نعم، خمسة أضعاف بالدولار! وهو رقم مذهل يتجاوز بكثير ما حققه أي استثمار آخر في تلك الفترة، سواء كان ذهباً يتبع تقلبات الأسواق العالمية، أو بورصة تحمل مخاطرها المعهودة، أو حتى شهادات بنكية تُقضم أرباحها تدريجياً بفعل التضخم. ولكن، دعونا لا ننسى أن هذا النوع من الاستثمار موجه بالأساس لأصحاب الفوائض المالية، لا للمضاربة السريعة أو لمن لديهم التزامات مالية ضاغطة.
لكن هنا يجي سؤال مهم بيطرحه ناس كتير على القهاوي وفي اجتماعات العيلة: “طب يا عم عمرو، السوق العقاري المصري ده مش ممكن يكون فيه فقاعة على وشك الانفجار؟” الحقيقة أن المهندس سليمان رد بحسم على هذه المخاوف، مؤكداً أن السوق المصرية بعيدة كل البعد عن هذا السيناريو. ويصف ما قد يحدث أحياناً من تباطؤ في حركة البيع والشراء بـ”التباطؤ الطبيعي”، وهو جزء لا يتجزأ من الدورة العقارية المعتادة. ببساطة، دي مش فقاعة، دي مجرد هدنة بسيطة قبل ما الأسعار ترجع تتسارع تاني.
طب عشان نفهم أكتر، إيه هي أصلاً “الفقاعة العقارية” اللي بنتكلم عنها دي؟ سليمان بيشرح إن الفقاعة معناها إنك تشتري عقار مثلاً بخمسة مليون جنيه، وبعدين تضطر تبيعه بخسارة فادحة، ممكن بـ2 أو 3 مليون بس. هل ده حصل في مصر قبل كده؟ الإجابة قاطعة: لا أبداً. بالعكس، العقار في مصر غالبًا ما يظل في اتجاه صاعد، حتى لو لم يحقق المشتري المكسب الخارق اللي كان يتوقعه في وقت معين. الوضع هنا بيختلف تماماً عن أزمات زي أزمة الرهن العقاري اللي ضربت أمريكا وتسببت في انهيارات كبرى، أو طبيعة السوق في دبي اللي بتعتمد على فئة سكانية عابرة ومختلفة، مما يجعلها أكثر عرضة للتقلبات.
طيب إيه اللي بيخلي السوق المصري كده؟ إيه الأسرار اللي ورا الثبات ده والامتناع عن الانفجار؟ سليمان بيوضح إن فيه عوامل قوية جداً بتخلي السوق حصين ومُحكم. أولاً، التمويل العقاري في مصر لسه محدود جداً، لا يتجاوز 3-4% فقط من إجمالي حجم السوق. يعني إيه ده؟ يعني مفيش لجوء مكثف للقروض العقارية الضخمة اللي ممكن تخلق طلب وهمي وتسبب مشكلة زي اللي حصلت في أمريكا بسبب الإفراط في الإقراض. بالإضافة لكده، البنك المركزي المصري بياخد احتياطاته وبيفرض ضوابط صارمة جداً على القروض دي، مما يضمن عدم التوسع غير المدروس. وثالثاً والأهم، إن العملاء اللي بيشتروا عقارات في مصر “أهل البلد”. الناس دي مش هتتخلى عن استثماراتها بسهولة؛ العقار بالنسبة للمصري مش مجرد سلعة أو رقم في حساب بنكي، ده أمان ومستقبل وضمانة للأولاد وللأجيال القادمة.
ويتفرع العملاء في هذا السوق إلى أربع شرائح رئيسية، كل شريحة لها دوافعها وأهدافها. الشريحة الأولى، وتمثل حوالي 35%، هي لشراء السكن الخاص، يعني الناس اللي بتدور على بيت ليها ولأسرتها. أما الشريحة الثانية، فتشكل ما بين 30 إلى 35%، وهي للمستثمرين الباحثين عن تنمية أموالهم وتحقيق عوائد مجزية. وهناك شريحة حيوية جداً، ودايماً بنشوف دورها في دعم الاقتصاد، وهم المغتربون، الذين يرسلون تحويلات مالية ضخمة للوطن تتجاوز 35 مليار دولار سنوياً، وجزء كبير منها يتجه نحو الاستثمار العقاري، سواء لشراء مسكن للعائلة أو كاستثمار مستقبلي. وأخيرًا، هناك شريحة صغيرة لكن واعدة تتراوح بين 5 إلى 10%، وهي الموجهة للتصدير العقاري والسياحة العقارية، والتي تستهدف المستثمرين والراغبين في الإقامة من خارج مصر، مما يعكس جاذبية مصر كوجهة للاستثمار والإقامة.
وبالنسبة للي لسه بيسأل: طب الأسعار دي مش هتنزل في يوم من الأيام؟ سليمان بيأكد إن ده “غير منطقي” بالمرة. فكر معايا كده، تكلفة الأرض بتزيد كل يوم، أسعار مواد البناء والطاقة في تصاعد مستمر، ناهيك عن عبء التمويل الممتد لفترات طويلة. ولو ضفنا على كل ده متوسط معدل التضخم اللي وصل لـ17% خلال العشر سنين اللي فاتوا، يعني ببساطة قيمة الفلوس بتقل، فمن الطبيعي جداً إن أسعار العقارات تكون في اتجاه صاعد ومستمر. يعني هو ببساطة بيقولنا، إزاي حاجة تكلفتها بتزيد باستمرار سعرها ممكن ينزل؟ دي معادلة اقتصادية بديهية يا جدع.
تصريحات المهندس عمرو سليمان لا تقدم مجرد معلومات اقتصادية، بل ترسم لوحة واضحة لمستقبل الاستثمار العقاري في مصر. إنها دعوة للتأمل في طبيعة السوق المحلي، الذي يبدو أنه يمتلك مناعة خاصة ضد الأزمات العالمية بفضل عوامله الداخلية الفريدة. فبينما يترقب البعض بحذر تحولات الأسواق وتأثيراتها المتوقعة، يؤكد خبراء كـ”سليمان” أن العقار المصري يظل، وبفارق كبير، الركيزة الأساسية للحفاظ على القيمة وتحقيق النمو على المدى الطويل. فهل آن الأوان لإعادة تقييم نظرتنا لما يعتبر “الملاذ الآمن” في خضم هذا المشهد الاقتصادي المتغير؟ وهل ما زال العقار هو ذلك الحصان الرابح الذي نراهن عليه بثقة في رحلتنا نحو الاستقرار المالي؟ يبدو أن الإجابة، من منظور هؤلاء الخبراء في قطاع التطوير العقاري، هي “نعم” مدوية تتأكدها الأرقام وتجارب عقود من الزمن.