حسن محمود
بريق الذهب الثابت: هل تشهد أسواق السودان هدوء ما قبل العاصفة أم استقرارًا حقيقيًا؟
في عالم يضج بالتغيرات ويتقلب بين صعود وهبوط، يظل الذهب بريقه الخاص، ملاذًا آمنًا للبعض، ومؤشرًا اقتصاديًا حيويًا للآخرين. هو المعدن الذي لا يخفت لونه، ولا تتزعزع مكانته في أذهان الناس، خاصةً عندما تكون الرياح الاقتصادية غير مواتية. فهل يمكن أن يمنحنا هذا البريق الثبات الذي ننشد؟ في قلب السودان، وعلى وقع يوم الاثنين الموافق 22 سبتمبر من العام 2025، يبدو أن المعدن الأصفر قد قرر أن يثبت على موقفه، مقدمًا مشهدًا من الاستقرار الهادئ في أسعاره المحلية، تزامنًا مع سكون نسبي في الأسواق العالمية.
لم يكن الاستقرار سمة اعتيادية لأسواق السودان خلال الفترات الماضية، التي شهدت تقلبات عديدة في العملة المحلية وتحديات اقتصادية متزايدة. لذا، فإن الإعلان عن ثبات أسعار الذهب اليوم يثير تساؤلات ويحمل في طياته بعض الطمأنينة. هل هذا الهدوء مجرد استراحة محارب؟ أم أنه مؤشر على فترة جديدة من الاستقرار المالي الذي طال انتظاره؟ الحقيقة أن المشهد المحلي يتأثر بشكل مباشر بالحركة الدولية، وهذا ما يفسر حالة السكون الحالية.
دعونا نغوص في التفاصيل الدقيقة، لنستعرض خريطة الأسعار التي رسمها السوق السوداني للمعدن النفيس في هذا اليوم المحدد. نبدأ بالعيار الأكثر نقاءً، عيار 24، المعروف بلمعانه القوي واستخدامه في السبائك والادخار. لقد استقر سعر الجرام منه اليوم عند 71,250 جنيهًا سودانيًا. ولتوضيح الصورة بشكل أعمق، فإن هذا المبلغ يعادل تقريبًا 118.47 دولارًا أمريكيًا، مما يعطينا فكرة عن قيمته الشرائية مقارنة بالعملات الأجنبية. يعني، ببساطة كده، الناس اللي بتحب الذهب النظيف قوي ده هتعرف سعره بالضبط.
أما عيار 21، الذي يُعد الأكثر شيوعًا وتداولًا في الأسواق العربية والخليجية على حد سواء، فهو الخيار المفضل للكثيرين سواء كان للزينة اليومية أو كشكل من أشكال الاستثمار. سجلت أسعار هذا العيار قيمة 62,350 جنيهًا سودانيًا للجرام الواحد. وبالتحويل إلى الدولار الأمريكي، يصبح سعره حوالي 103.66 دولار، وهو ما يجعله في متناول شريحة أوسع من المستهلكين. وده اللي الناس كلها بتجري عليه وبتحبه عشان مناسبته لكل حاجة تقريبًا.
ولمن يفضلون الأقل نقاءً ولكن الأكثر مرونة في التشكيل والتصميم، نأتي إلى عيار 18. هذا العيار غالبًا ما يستخدم في صناعة المجوهرات التي تتطلب دقة وتفاصيل معقدة، حيث يمنح الذهب قوة أكبر لتحمل النقوش والأشكال المختلفة. بلغ سعر جرام الذهب عيار 18 اليوم 53,450 جنيهًا سودانيًا، أو ما يعادل نحو 88.86 دولار. الموضوع مش مجرد أرقام بتتقال، دي قرارات وميزانيات ناس بتتبني عليها.
لكن يا ترى، إيه سر الثبات ده كله في سوق يعتاد التقلب؟ الإجابة، كما أشرنا سابقًا، تكمن في السوق العالمي. فالسودان، كسائر دول العالم، لا يعمل بمعزل عن الاتجاهات الاقتصادية الدولية. وقد تزامن الاستقرار المحلي مع ثبات مماثل في سعر الذهب عالميًا، وبالتحديد سعر أوقية الذهب عيار 24. فقد سجلت الأوقية العالمية اليوم، الاثنين 22 سبتمبر 2025، حوالي 3684 دولارًا أمريكيًا. هذا الارتباط الوثيق بين الأسعار المحلية والعالمية ليس بالجديد، لكنه يبرز مدى حساسية الأسواق تجاه بعضها البعض. يعني ببساطة، لما السوق العالمي يهدا، الهدوء ده بيوصل لنا هنا كمان وبيطمن ناس كتير.
الذهب، في جوهره، ليس مجرد معدن ثمين للزينة أو الادخار، بل هو في كثير من الأحيان مقياس لثقة الناس بالاقتصاد ككل. في الأوقات التي تشهد فيها العملات المحلية تدهورًا أو تضخمًا، يلجأ الكثيرون إلى الذهب كملاذ آمن للحفاظ على قيمة مدخراتهم. إنه يشبه تمامًا السفينة التي تظل راسخة في عرض البحر حتى وإن اضطربت الأمواج من حولها. هذا الاستقرار النسبي في أسعاره قد يكون بادرة أمل للكثيرين، أو على الأقل، فترة لالتقاط الأنفاس في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
فهل هذا الثبات هو مؤشر على مرحلة جديدة من الاستقرار قد تشهدها المنطقة؟ أم أنه مجرد وقفة لالتقاط الأنفاس قبل موجة قادمة؟ يصعب التكهن بالمستقبل، ولكن المؤكد أن هذا الهدوء يعطي فرصة للتفكير وإعادة التموضع لكل من المستثمرين والمتعاملين في هذا السوق الحيوي. الاستقرار، حتى لو كان قصير الأجل، يتيح مساحة للتخطيط ويقلل من حالة عدم اليقين التي تسيطر على الأسواق في أوقات الاضطراب.
في النهاية، يبقى الذهب هو الذهب، ببريقه الخاص الذي لا يخفت، ومكانته التي لا تتزعزع في قلوب الناس ومحافظهم. سواء كان للادخار، للزينة، أو حتى كمؤشر اقتصادي، فإن مراقبة أسعاره تظل جزءًا لا يتجزأ من حياتنا الاقتصادية اليومية. واليوم، في السودان، كانت رسالة الذهب واضحة: الثبات هو سيد الموقف، على الأقل في هذا اليوم من سبتمبر 2025. فهل يدوم هذا الهدوء أم أن الأيام القادمة تحمل لنا مفاجآت أخرى؟ هذا ما ستكشفه الأيام، وسنكون نحن هنا لنرصدها.
