موجة الصعود تجتاح الأسواق العالمية: هل يستطيع الفيدرالي الحفاظ على إيقاع الرقصة؟
هل شاهدتَ يوماً سباقاً طويلاً، حيث يقطع فيه المتسابقون كيلومترات، ثم فجأة، وبدفعة واحدة، يجدون طاقةً جديدة تدفعهم للأمام بقوة؟ هذا بالضبط ما حدث في الأسواق الآسيوية يوم الاثنين. بعد أسابيع من الترقب وبعض التذبذب، بدا أن رياح التفاؤل تهبّ من أقصى الغرب، وتحديداً من “وول ستريت”، لتُنعش بورصات الشرق وتمنحها زخماً لم تكن لتتوقعه. وكأن الأسواق العالمية كلها أصبحت متصلة بخيط رفيع، يتحرك طرفه الأول فتتراقص الأطراف الأخرى على إيقاعه.
فقد سجّلت غالبية الأسهم في القارة الآسيوية ارتفاعات ملحوظة خلال تعاملات يوم الاثنين، مستلهمة زخمها من الأداء القياسي الذي حققته مؤشرات الأسهم الأمريكية في نيويورك بنهاية الأسبوع الماضي. المؤشرات هناك، بكل صراحة، كانت مشعل الإلهام ونقطة البداية لهذه الموجة الإيجابية التي امتدت عبر المحيط.
في قلب طوكيو، ارتفع مؤشر “نيكي 225” الياباني بنسبة 1% خلال تعاملات ما بعد الظهيرة، ليلامس حاجز الـ 45,515.33 نقطة. واللي متابع السوق عارف إن النيكي ده كان فيه شوية قلق الأسبوع اللي فات، بسبب إشاعات إن بنك اليابان ممكن يبيع شوية أصول، لكن الحمد لله، المخاوف دي بدأت تتلاشى مع ترجيح الأسواق إن أي خطوة من البنك هتكون بالراحة، يعني تدريجية كده ومش مفاجئة. ولم تكن اليابان وحدها من تلقت الدعم؛ ففي أستراليا، أضاف مؤشر “ستاندرد آند بورز/إيه إس إكس 200” نسبة 0.4% إلى رصيده، ليصل إلى 8,810.90 نقطة. أما جارتها كوريا الجنوبية، فقد شهدت صعود مؤشر “كوسبي” بنسبة 0.6%، محققاً 3,465.33 نقطة.
لكن، زي ما بيقولوا، كل قاعدة ولها استثناء. مش كل الأسواق كانت بتطير في العالي؛ فمؤشر “هانغ سنغ” في هونغ كونغ تراجع بنسبة 1%، ليغلق عند 26,268.53 نقطة. وفي الصين، مؤشر “شنغهاي” المركب، يا دوبك، كان مستقرًا على خفيف، مسجلاً انخفاضاً طفيفاً بأقل من 0.1% ليقف عند 3,818.50 نقطة. يعني، عملياً ما اتحركش كتير، كأنه بيتأمل المشهد من بعيد.
لكي نفهم هذه الموجة الإيجابية التي اجتاحت آسيا، علينا أن نلقي نظرة فاحصة على ما جرى في الولايات المتحدة الأسبوع الماضي. هناك، في معقل المال العالمي، احتفلت “وول ستريت” بتحقيق أرقام قياسية متتالية، وكأنها ترسل إشارة واضحة بأنّ شيئاً مهماً قادم. فقد اختتم مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” تعاملات الأسبوع الماضي بارتفاع نسبته 0.5%، مسجلاً بذلك مكاسبه السادسة خلال الأسابيع السبعة الأخيرة. تخيل معي: ستة أسابيع من أصل سبعة والمؤشر في صعود! ده مش مجرد صدفة، ده مؤشر قوي على ثقة المستثمرين.
كما أضاف مؤشر “داو جونز” الصناعي 172 نقطة، أي ما يعادل 0.4% من قيمته، بينما تقدّم مؤشر “ناسداك” المركب، المعروف بتقلباته التكنولوجية، بنسبة 0.7%. والمثير للدهشة، أن المؤشرات الثلاثة سجلت مستويات قياسية جديدة لليوم الثاني على التوالي. هذه قفزة حقيقية تعكس ثقة متزايدة في الأفق الاقتصادي، وكأن السوق يقول للمخاوف: “ابعدوا عني، أنا لسه عندي كتير لأقدمه.” الأرقام كانت واضحة وصارخة: ارتفع “ستاندرد آند بورز 500” بمقدار 32.40 نقطة ليصل إلى 6,664.36 نقطة، وصعد “داو جونز” الصناعي بمقدار 172.85 نقطة مسجلاً 46,315.27 نقطة، بينما زاد “ناسداك” المركب بمقدار 160.75 نقطة ليبلغ 22,631.48 نقطة.
فما هو سر هذا الأداء اللافت؟ ولماذا يتصرف المستثمرون بهذا القدر من التفاؤل؟ الإجابة تكمن في مكان واحد: توقعات السوق بشأن السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. باختصار، الناس عندها أمل إن الفيدرالي هيكمل تخفيض أسعار الفايدة عشان يدعم الاقتصاد ويمنع تباطؤه. البنك المركزي الأمريكي كان قد خفّض الفائدة لأول مرة هذا العام في 17 سبتمبر الماضي. وهذا التخفيض لم يكن مجرد حدث عابر، بل اعتبره الكثيرون إشارة واضحة لتوجه مستقبلي. يرى المحللون أن أي تخفيضات إضافية قد تمنح سوق الإسكان المتعثر دفعة قوية، وتعيد له الحياة. لكن في المقابل، هل المستثمرون يرفعون سقف طموحاتهم بشكل مبالغ فيه؟ لو الفيدرالي مخفّضش زي ما هما متوقعين، ممكن نشوف خيبة أمل جامدة تهز الأسواق.
مسؤولو الفيدرالي، من جانبهم، أكدوا أن المزيد من الخفض لأسعار الفائدة مرجح هذا العام والعام المقبل. وهذه تصريحات رسمية، يعني مش مجرد تخمينات أو إشاعات. رئيس المجلس، جيروم باول، صرّح الأسبوع الماضي بأن البنك قد يضطر للتحرك بسرعة نسبية. ليه بسرعة؟ لأنه التضخم لسه عالي ومستمر، وسوق العمل بدأ يتباطأ، ودي كلها علامات مقلقة. وكأن دي مش كفاية، كمان الرسوم الجمركية اللي بيفرضها الرئيس دونالد ترامب بتضيف ضغط زيادة على الأسعار، وبتعقد الأمور. فالموضوع مش سهل خالص على الفيدرالي، وكأنه يمشي على حبل مشدود بين دعم النمو واحتواء التضخم.
في خضم هذه المعطيات، يلخص جاي وودز، كبير استراتيجيي السوق في “فريدوم كابيتال ماركتس”، الوضع بعبارة معبرة: “في كل مرة يبدو فيها أن السوق يفقد زخمه، يفاجئنا بالصعود إلى مستويات جديدة.” وكأن السوق له شخصية مستقلة ويرفض أن يُحاصَر بالتوقعات السلبية. ويضيف وودز: “المستثمرون يراقبون من كثب هذه الارتفاعات اليومية، ويركزون بشكل خاص على تصريحات مسؤولي الفيدرالي خلال جولاتهم هذا الأسبوع.” يعني، العين كلها على اللي هيقولوه المسؤولين دول الأيام الجاية، فكل كلمة ممكن تحرك السوق صعوداً أو هبوطاً.
على صعيد آخر، وفي أسواق السندات، أنهت عوائد الخزانة الأمريكية الأسبوع الماضي مستقرة نسبياً، حيث ارتفع العائد على السندات لأجل 10 سنوات إلى 4.12% يوم الجمعة، من 4.11% يوم الخميس. استقرار هنا، مع صعود هناك، بيرسم صورة معقدة شوية لكن فيها أمل، ويعكس توازناً دقيقاً بين مختلف مكونات الاقتصاد.
وفي النهاية، يظل السؤال معلقاً: هل تستطيع أسواق الأسهم الحفاظ على هذا الزخم التصاعدي، أم أن هناك عوامل خفية قد تبطئ المسيرة؟ الصعود المستمر يغذي شهية المستثمرين، ولكنه أيضاً يرفع سقف التوقعات. فكل قفزة في الأسهم تعني أن هناك رهاناً أكبر على المستقبل الاقتصادي، والرهان ده، على قد ما هو مغري، على قد ما ممكن يكون فيه مخاطرة. هل الفيدرالي هيلبي الطموحات دي بكاملها؟ وهل الاقتصاد العالمي قادر على استيعاب كل هذا التفاؤل والنمو مع تحديات التضخم والتباطؤ؟ الأيام القادمة، مع كل تقرير اقتصادي وكل تصريح من البنك المركزي، ستحمل الإجابات، لترسم لنا ملامح رحلة الأسواق في هذا المضمار المتسارع الذي لا يعرف الثبات.