مصر، التي طالما كانت قلبًا نابضًا للتجارة عبر العصور، تستعد اليوم لمرحلة جديدة، واعدة ومفعمة بالطموح. فهل يمكن لأمة أن تعيد تشكيل صورتها الاقتصادية وتنافس الكبار على الساحة العالمية؟ الإجابة تأتي الآن مدعومة بسياسة تجارية وطنية هي الأولى من نوعها، والتي تمثل خارطة طريق واضحة المعالم للانفتاح والنمو، بعد عقود ربما اتسمت فيها الحركة التجارية ببعض التعقيدات.

في خطوة تدل على عزم أكيد وإرادة لا تلين، كشف المهندس حسن الخطيب، وزير الاستثمار والتجارة الخارجية، عن إطلاق هذه السياسة الوطنية الطموحة خلال لقاء مهم جمع نخبة من أبرز صناع القرار في عالم التجارة الدولية. حضر الاجتماع فيليب إيسلر، المدير العام للاتحاد العالمي لتيسير التجارة التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي ومركز المشروعات الدولية الخاصة، بالإضافة إلى ممثلين عن غرفة التجارة الدولية. ولم يكن هذا اللقاء مجرد حديث عن رؤى مستقبلية، بل كان منصة لاستعراض إنجازات واقعية وخطط تنفيذية تهدف إلى وضع مصر في مصاف أفضل 50 دولة عالميًا في مؤشرات تنافسية التجارة. يعني باختصار، البلد عايزة تكبر وتفتح على العالم صح.

السياسة التجارية الوطنية الجديدة لا تعد مجرد وثيقة، بل هي بمثابة بوصلة استراتيجية للتجارة، تحدد الاتجاهات على الصعيدين المحلي والدولي. تهدف هذه السياسة إلى تحقيق جملة من الأهداف المحورية: تعزيز الانفتاح التجاري، رفع القدرة التصديرية للبلاد، الاندماج بفاعلية أكبر في سلاسل القيمة العالمية، توسيع نطاق النفاذ للأسواق الدولية، وأخيرًا، تنويع سلة الصادرات المصرية. هل تتخيلون حجم الفرص التي يمكن أن تفتحها هذه الأهداف إذا ما تحققت؟ الوزير شدد على أن هذه السياسة مصممة لتوفير بيئة أعمال واضحة ومستقرة للمستثمرين، سواء كانوا محليين أو أجانب، وستلعب دورًا حاسمًا في دعم التصنيع المحلي وتعظيم القيمة المضافة للاقتصاد القومي.

ولم تكن الأهداف مجرد وعود، فالأرقام على أرض الواقع بدأت تتحدث. أشار الوزير الخطيب إلى أن الجهود المبذولة مؤخرًا أثمرت عن تقليص ملحوظ في زمن دخول المنتجات إلى السوق المحلية؛ فقد انخفض هذا الزمن من 16 يومًا إلى 5.8 يوم فقط! والطموح لا يتوقف هنا، فالمستهدف هو الوصول إلى يومين فقط قبل نهاية العام الجاري. هل تتخيل ماذا يعني هذا لتاجر ينتظر بضاعته، أو لمصنع يعتمد على استيراد مواد خام؟ إنه يعني تقليصًا هائلاً في التكاليف التشغيلية على القطاع الخاص. هذا التحول لم يأت من فراغ، بل كان نتيجة لإلغاء الإجازات في الموانئ والعمل على مدار أيام الأسبوع والعطلات الرسمية، بالإضافة إلى زيادة ساعات العمل اليومية لتصل إلى السادسة مساءً بدلاً من الثالثة عصرًا. وبالمختصر المفيد، كانت المواني بتنام شوية وبتصحى دلوقتي بدري وتشتغل أكتر عشان البلد كلها تستفيد. يضاف إلى ذلك حزمة متكاملة تتضمن 29 إجراءً، تم إطلاقها بالتعاون مع وزارة المالية، لتيسير حركة التجارة وتعزيز تنافسية مصر التجارية عالميًا.

وعلى صعيد تحسين بيئة الأعمال ككل، قادت مصر جهودًا حثيثة لتحديث المؤشرات العالمية. فالبلاد تقود العمل على التقرير الجديد “Business Ready”، الذي سيحل محل تقرير “ممارسة أنشطة الأعمال” (Doing Business) الشهير. وقد تم بالفعل معالجة أبرز التحديات وإرسال مقترحات الإصلاح للقطاع الخاص، ومعظم هذه الإصلاحات قابلة للتنفيذ خلال تسعة أشهر فقط. وكأننا نعيد بناء قواعد اللعبة لتكون أكثر عدلاً وشفافية وتلائم طبيعة المرحلة الراهنة.

ولتشجيع الصادرات، والتي هي عصب النمو الاقتصادي، أعلن الوزير عن برنامج جديد لرد أعباء الصادرات. هذا البرنامج مصمم ليكون أداة ذكية ومرنة تستجيب لاحتياجات القطاعات التصديرية المختلفة، ويهدف إلى زيادة المكون المحلي في الصناعات التصديرية وخلق حوافز جاذبة للصناعات ذات التعقيد التكنولوجي العالي. يعني بالمصري كده، اللي بيصنع منتج مصري وفيه قيمة مضافة عالية وبيصدره، الدولة بتدعمه وبتشجعه زيادة. وقد تم الانتهاء من إعداد البرنامج والإعلان عنه للمرة الأولى قبل بداية السنة المالية، مما يعكس جدية والتزام الدولة تجاه هذا الملف الحيوي.

الوزير الخطيب أكد مراراً أن التجارة والاستثمار ليسا كيانين منفصلين، بل هما ركيزتان متكاملتان في الاستراتيجية الاقتصادية للدولة. فالوزارة تعمل جاهدة على توحيد الجهود وضمان التناغم التام بين السياسات التجارية والاستثمارية؛ بما يعزز من تنافسية الاقتصاد المصري ويعظم من عوائده على المدى الطويل. فما الفائدة من فتح الأسواق دون حماية الصناعة الوطنية؟

وفي سياق حماية الصناعة المحلية، لفت الخطيب إلى تعزيز دور مصر في ملف المعالجات التجارية، والذي يشمل مكافحة الدعم والإغراق والوقاية من الممارسات الضارة. فقد تضاعف عدد التحقيقات هذا العام مقارنة بالعام الماضي لمواجهة الممارسات التي تستهدف إلحاق الضرر بالصناعة المحلية. وتتركز هذه الجهود على حماية المنتج المصري من الإغراق والدعم غير المشروع والممارسات التمييزية، مع الحفاظ على التوازن بين حماية الصناعة من جهة وضمان التزامات مصر الدولية من جهة أخرى. يعني من الآخر، بنحمي بيتنا بس برضه بنحافظ على علاقاتنا بالجيران.

من جانبهم، لمس الحاضرون الدوليون جدية هذه الجهود، وأعربوا عن تقديرهم العميق لما تبذله الحكومة المصرية من أجل تعزيز بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات. أشادوا بالمبادرات والإصلاحات التي تم تنفيذها، مؤكدين دعمهم لتمكين القطاع الخاص من المساهمة الفاعلة في مسار التنمية الاقتصادية في إطار الشراكة الاستراتيجية مع المنتدى الاقتصادي العالمي. كما تم الاتفاق على مواصلة التنسيق وتوسيع مجالات التعاون في المستقبل القريب.

هذه الخطوات ليست مجرد أرقام تُعلن أو سياسات تُدشن، بل هي بمثابة عجلات ضخمة تدور لتدفع قاطرة الاقتصاد المصري نحو آفاق أرحب. إنها استثمار في المستقبل، وجهد لبناء بيئة اقتصادية أكثر جاذبية وكفاءة. المستقبل يبدو واعدًا، ولكن الطريق لا يزال يتطلب الكثير من العمل الدؤوب والمتابعة المستمرة. فهل تنجح مصر في نسج خيوط المستقبل الاقتصادي الذي تطمح إليه، محققة الرفاهية لأبنائها والمكانة التي تستحقها على الخريطة العالمية؟ الأيام القادمة ستحمل الإجابة، ولكن المؤشرات الأولية تبعث على تفاؤل كبير بأننا نشهد فصلاً جديداً ومثيراً في مسيرة التنمية الاقتصادية للبلاد.

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.