في عالم العملات المشفرة، لا يملك أحد عصا سحرية للتنبؤ بالمستقبل. قد تستيقظ يوماً لتجد ثروتك قد تضاعفت، وفي يوم آخر، قد تشاهدها تتآكل وكأنها رمال بين أصابعك. هذا بالضبط ما حدث للمستثمرين في هذا السوق المتقلب خلال الساعات الماضية، حيث شهدت الأصول الرقمية الرئيسية موجة بيع عنيفة، أعادت السوق إلى منطقة “الخوف” التي تثير القلق لدى الجميع، بصراحة، الموضوع قلب السوق رأساً على عقب.

فجأة، وبدون مقدمات واضحة، انخفضت أسعار العملات المشفرة الكبرى، وفي مقدمتها “بتكوين” و”إيثريوم”، تحت ضغط بيعي مكثف. لم يكن هذا مجرد تراجع عادي، بل كان انهياراً سريعاً ودرامياً مدفوعاً بتصفية رهانات ضخمة كانت تستند إلى صعود السوق، والتي تُعرف في عالم التداول بمراكز “الشراء” أو “Long positions”. عندما تتبخر هذه الرهانات، تتسبب في موجة بيع قسرية تؤدي إلى هبوط حاد في الأسعار، تماماً كقطع حبل يربط منطاداً في الهواء.

لنأخذ الأرقام، وهي لغة السوق التي لا تكذب: تراجعت عملة “بتكوين”، ملكة العملات المشفرة، بنسبة 3%، لتقف عند مستوى 111,600 دولار. أما “إيثريوم”، التي تحتل المركز الثاني من حيث القيمة السوقية، فقد شهدت هبوطاً أكبر بكثير بلغ 8%، لتسجل 4,091 دولاراً. هذا الانخفاض القاسي لم يكن مجرد صدفة؛ فقد جاء بعد تصفية مراكز شراء ممولة بالديون في “إيثريوم” وحدها بلغت قيمتها نصف مليار دولار. تخيل حجم هذا المبلغ يتلاشى في لحظة!

ما يؤكد اشتداد التقلبات هو الارتفاع الهائل في حجم التداول الإجمالي بسوق العملات المشفرة، الذي قفز بأكثر من 48% ليصل إلى 455 مليار دولار، وذلك وفقاً لبيانات “كوين كوديكس”. وفي المقابل، تراجعت القيمة الإجمالية للسوق بنسبة 4% لتستقر عند 3.89 تريليون دولار. هذه الأرقام تحكي قصة واضحة: الناس كانوا يبيعون، ويبيعون بقوة. وخلال الأربع والعشرين ساعة الماضية فقط، تمت تصفية مراكز ما يقرب من 403 آلاف متداول، بقيمة إجمالية تجاوزت 1.7 مليار دولار، بحسب بيانات “كوين غلاس”. يا جدعان، ده مش مبلغ قليل أبداً، دي فلوس كتير راحت في لحظات.

تزامن هذا الهبوط مع انزلاق مؤشر “الخوف والطمع” للعملات المشفرة، الذي يعتبر بمثابة بارومتر لمزاج المستثمرين، من منطقة “الحياد” إلى منطقة “الخوف”. هذا التحول ليس مجرد رقم؛ إنه يعكس تحولاً جذرياً في نفسية المتداولين نحو الحذر الشديد، في ظل تزايد الضبابية المحيطة بالمسار المستقبلي للسياسة النقدية في الولايات المتحدة الأمريكية، ومناخ السيولة العالمية بصفة عامة. هل الأسواق على وشك الدخول في نفق مظلم، أم أن هذا مجرد اختبار جديد لقوتها؟

رغم هذه التراجعات المؤلمة، فإن الرأي لم يتفق بالكامل. يرى بعض المحللين أن ما حدث لا يعدو كونه “تصحيحاً صحياً” للسوق، وهي مرحلة ضرورية قبل انطلاق موجة صعود جديدة وأكثر استدامة. ولكن لهذا “التصحيح” شروطه: يجب أن تتوافر ظروف داعمة، في مقدمتها استقرار السياسة النقدية الأمريكية، واستمرار الاتجاه الصاعد لأسعار الذهب، الذي يُنظر إليه غالباً كملجأ آمن في أوقات عدم اليقين. يعني، الناس بتقول إن ده وارد يكون مجرد نفس عميق قبل قفزة كبيرة، بس مين عارف إيه اللي مستخبي؟

تذهب بعض التوقعات إلى أبعد من ذلك، حيث يشير عدد من محللي السوق إلى أن سوق الكريبتو قد تشهد ارتفاعات تدريجية بعد هذا الهبوط. ويتوقع هؤلاء أن يصل سعر “بتكوين” إلى 150 ألف دولار بحلول نهاية العام الحالي، إذا تمكن السوق من امتصاص ضغوط الخوف والعودة إلى المسار الصاعد. ويراهن هؤلاء المتفائلون على تحول محتمل في سياسات البنوك المركزية الكبرى، وعلى رأسها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، نحو خفض إضافي لأسعار الفائدة في النصف الثاني من العام. مثل هذه الخطوة قد تعزز من شهية المخاطر لدى المستثمرين، وتدفع المزيد من التدفقات النقدية نحو الأصول الرقمية، التي غالباً ما تُعتبر من الأصول عالية المخاطر والعائد.

ولكن هل هذه التوقعات وردية جداً؟ وهل نحن حقاً على أعتاب نقطة تحول إيجابية، أم أن هذا الهبوط هو بداية لموجة بيع أوسع وأعمق؟ هنا يكمن مربط الفرس. فكسر مستويات الدعم الحالية يمكن أن يفتح الباب أمام تراجعات إضافية، خاصة مع ارتفاع معدلات التداول بشكل كبير، وهو ما يعكس اتساع عمليات البيع في السوق بدلاً من أن يكون مجرد رد فعل فردي. إن ارتفاع حجم التداول بنحو 50% خلال يوم واحد قد يكون مؤشراً على موجة تصفية واسعة النطاق، أو قد يكون بداية لحركة تصحيح قصيرة الأمد تسبق تحركات أقوى، سواء صعوداً أو هبوطاً. الخلاصة، الموقف لسه مش واضح تماماً وممكن يروح في أي اتجاه.

في ظل هذا الترقب الشديد لخطوات البنوك المركزية القادمة، تبدو سوق العملات المشفرة أمام اختبار نفسي وفني حاسم. فاجتياز هذه المرحلة من “الخوف” دون تكبد خسائر فادحة قد يفتح المجال أمام تحقيق مكاسب قوية وملموسة خلال الربع الأخير من العام. وعلى الرغم من هذه التحركات الحادة الأخيرة التي تختبر أعصاب المستثمرين، تظل الثقة طويلة الأمد في العملات الرقمية قائمة. هذه الثقة مدفوعة بتوسع استخدامها المؤسسي المتزايد، وارتفاع الطلب الاستثماري عليها من قبل كبار اللاعبين في السوق، مما يعطيها بعض الصلابة في وجه العواصف.

في نهاية المطاف، يبقى سوق العملات المشفرة ساحة للمغامرين وذوي الأعصاب القوية. إنه سوق يجمع بين الفرص الهائلة والمخاطر الجمّة، ويُذكّرنا دائماً بأن لا شيء مؤكد في عالم الاستثمار. هل ستستعيد “بتكوين” و”إيثريوم” عافيتهما وتواصلان رحلة الصعود نحو قمم جديدة؟ أم أن الأيام القادمة ستشهد المزيد من التقلبات التي تختبر صمود المستثمرين؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام والأسابيع القادمة، ولن يعرف الجواب إلا من يظل يتابع وينتظر بشغف وقلق. ففي هذا العالم الرقمي، الدرس الوحيد المؤكد هو أن التغير هو الثابت الوحيد.

Leave a Comment

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.