هل تتخيل أن تُعلن شركة ما عن صفقة ضخمة تضعها في مصاف الكبار، لتجد سهمها يهوي بعدها مباشرة في البورصة؟ هذا بالضبط ما حدث مع “ميتابلانيت” (Metaplanet) اليابانية، التي أصبحت حديث الأوساط المالية مؤخرًا. في الأول من أكتوبر 2025، عززت هذه الشركة مكانتها كلاعب رئيسي في عالم العملات الرقمية بإضافة كمية هائلة من البيتكوين إلى خزائنها، لتصبح بذلك رابع أكبر شركة عامة في العالم من حيث احتياطي هذه العملة المشفرة. ومع ذلك، لم يستقبل السوق هذا الخبر بنفس الحماس، بل كان رد فعله مفاجئًا ومثيرًا للتساؤلات.
رهان جريء في زمن التحديات
تستمر “ميتابلانيت”، التي تُعرف بكونها أكبر حائز آسيوي لاحتياطي البيتكوين، في تنفيذ استراتيجيتها الطموحة نحو الاستثمار في العملات الرقمية. ففي خطوة جريئة ومحسوبة، أعلنت الشركة عن شرائها لـ 5,268 بيتكوين إضافية. تخيل معي للحظة حجم هذا الاستثمار؛ فقد بلغت قيمة هذه الصفقة حوالي 615 مليون دولار، بسعر 116,870 دولارًا للوحدة الواحدة. هذا الرقم ليس مجرد صفقة عادية، بل هو تأكيد واضح على إيمان الشركة الراسخ بمستقبل البيتكوين كأصل استراتيجي.
بعد هذه الإضافة الجديدة، أصبح إجمالي ما تملكه “ميتابلانيت” من البيتكوين 30,823 وحدة، تم شراؤها بحوالي 3.33 مليار دولار بمتوسط سعر يبلغ 107,912 دولارًا لكل بيتكوين. هذه الأرقام، التي كشف عنها سيمون جيروفيتش، الرئيس التنفيذي للشركة، لا تضع “ميتابلانيت” في مصاف الكبار فحسب، بل تجعلها تتنافس مع شركات عالمية عملاقة في هذا المجال. هل هي مجرد مغامرة؟ أم أنها رؤية استشرافية لسوق تتغير ملامحه باستمرار؟
أداء مالي يروي قصة نمو صاروخي
ولكن، القصة لا تتوقف عند هذا الحد. فإلى جانب استراتيجية التخزين الضخمة، أعلنت الشركة اليابانية عن نتائج مالية مبهرة لقطاع توليد الدخل من البيتكوين. وخلال الربع الثالث من عام 2025، سجل هذا القطاع إيرادات ربع سنوية بلغت 2.438 مليار ين ياباني، وهو ما يمثل زيادة مذهلة قدرها 115.7% مقارنة بالربع الثاني. هذا النمو ليس بالهين، ده معناه إن الشركة مش بس بتشتري وتخزن، لأ دي كمان بتعرف تولّد دخل كبير من أصولها الرقمية.
على ضوء هذا الأداء القوي، قامت “ميتابلانيت” بتعديل توقعاتها الموحدة للعام المالي 2025. وتتوقع الآن تحقيق إيرادات تبلغ 6.8 مليار ين ياباني، مع ربح تشغيلي يصل إلى 4.7 مليار ين ياباني. هذه التوقعات تعكس زيادة بنسبة 100% في الإيرادات و88% في الأرباح التشغيلية مقارنة بالتقديرات السابقة. وقد أشار جيروفيتش إلى أن نتائج الربع الثالث تبرز قدرة الشركة على التوسع التشغيلي، كما تعزز موقفها المالي قبل المضي في إصدار الأسهم الممتازة، وهو ما يدعم استراتيجيتها الأوسع لاحتياطي البيتكوين. يعني بصراحة كده، الشركة بتحط أساس متين لمستقبلها، مش مجرد كلام وبس، لأ ده وراه أرقام بتحكي قصة نجاح.
المفارقة الكبرى: سهم يهوي وسط الأنباء الإيجابية
الغريب في الأمر، والمفارقة التي حيرت الكثيرين، هي أن سهم “ميتابلانيت” في بورصة طوكيو تعرض لضغوط بيع شديدة وهبط بأكثر من 10% ليصل إلى 516 ينًا يابانيًا كرد فعل على هذه الصفقة الهامة. ولم يكن هذا الهبوط مفاجئًا تمامًا للمتداولين الذين شهدوا تراجع السهم بنسبة 37% خلال الشهر الماضي وحده. هنا يقف المرء متسائلاً: كيف يمكن لخبر بهذا الحجم، مصحوبًا بأداء مالي قوي وتوقعات مستقبلية واعدة، أن يؤدي إلى تراجع حاد في قيمة السهم؟ أليس هذا بمثابة لغز يحتاج إلى حل؟
بعض المحللين يرون أن هذا قد يكون رد فعل طبيعيًا من السوق على الصفقات الكبيرة، حيث يميل المتداولون على المدى القصير إلى جني الأرباح أو التخوف من المخاطر المرتبطة بالاستثمار الضخم في أصل متقلب كالبيتكوين. ولكن، هل هي مجرد عاصفة عابرة في فنجان السوق؟
على النقيض تمامًا من رد فعل السوق القصير المدى، نجد أن المؤسسات الاستثمارية الكبرى تواصل الشراء رغم هذا الهبوط. فقد أصبحت “كابيتال غروب” (Capital Group) مؤخرًا أكبر مساهم في “ميتابلانيت”، مستحوذة على حصة ضخمة تبلغ 11.45%. هذه الثقة المؤسسية ليست شيئًا يستهان به، فهي تدل على رؤية طويلة المدى قد لا يراها المتداولون اليوميون.
ولم يتوقف الدعم عند هذا الحد، فقد أكدت شركة “بينشمارك إيكويتي ريسيرش” (Benchmark Equity Research) مجددًا توصيتها بالشراء لسهم “ميتابلانيت”، مشيرة إلى استمرار الشركة اليابانية المتخصصة في احتياطي البيتكوين في تعزيز حيازاتها من العملات المشفرة. وفي مذكرة بحثية الأسبوع الماضي، حدد المحلل مارك بالمر سعرًا مستهدفًا عند 2,400 ين ياباني للسهم بحلول نهاية عام 2026. وهذا رقم كبير جدًا لو بصينا عليه كويس.
تحديات الرؤية المستقبلية
تُعد قصة “ميتابلانيت” تجسيدًا حيًا للمفارقات التي يشهدها عالم المال الحديث، خصوصًا مع دخول العملات المشفرة بقوة إلى محافظ الشركات. من جهة، لدينا شركة تتبنى استراتيجية جريئة، تحقق نموًا تشغيليًا ملحوظًا، وتؤمن بمستقبل أصل رقمي كقيمة مخزنة. ومن جهة أخرى، لدينا سوق يتفاعل بتقلبات حادة، يضرب عرض الحائط أحيانًا بالأخبار الإيجابية، ويثير تساؤلات حول العلاقة بين القيمة الجوهرية للشركة وأداء سهمها على المدى القصير.
في النهاية، يبقى السؤال الأهم: هل سيثبت المتشائمون على المدى القصير أنهم كانوا على صواب، أم أن المستثمرين ذوي الرؤى الطويلة الأمد والمؤسسات الكبرى سيرون ثمار صبرهم؟ قصة “ميتابلانيت” ليست مجرد خبر اقتصادي عابر، بل هي مرآة تعكس التحديات والفرص في عالم تتداخل فيه التقنية بالمال بطرق لم نعهدها من قبل. وهي تذكير بأن الاستثمار الحقيقي غالبًا ما يتطلب رؤية تتجاوز ضجيج اليوم وتتقبل تقلبات السوق القصيرة من أجل مكاسب محتملة في الأفق البعيد. طب يا ترى مين اللي هيكسب الرهان في النهاية؟ ده اللي هنعرفه مع الأيام.