في أتون الحرب الدائرة، حيث تتناثر الأشلاء وتتراكم الركام، تتجه الأنظار إلى قطاع غزة، ليس لمد يد العون الإنساني فحسب، بل لتخطيط مستقبله الاقتصادي بطرق قد تُحوّله إلى ساحة استثمارية مربحة. تتزايد المؤشرات يومًا بعد يوم على وجود مخطط اقتصادي أميركي-إسرائيلي طموح، يسعى لإعادة تشكيل وجه القطاع المحاصر، ليس فقط عبر السيطرة الميدانية المعهودة، بل من خلال مشاريع استثمارية واسعة تهدف إلى تحويل هذه الرقعة الجغرافية الصغيرة إلى ورقة تجارية وعقارية ذات قيمة هائلة، وذلك في ظل تجاهل يكاد يكون كاملًا لحقوق سكانها الأصليين ومصيرهم.

الحديث عن “الفرصة العقارية” لم يعد يقتصر على الهمسات في الغرف المغلقة، بل أصبح يُصرّح به جهارًا. فقد أثارت تصريحات وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، التي وصف فيها غزة بأنها “فرصة عقارية”، جدلاً واسعًا واستنكارًا لاذعًا. لكن هذه العبارة، على ما حملته من وقاحة في سياق الدمار والنزوح، لم تكن مجرد زلة لسان، بل كشفت عن توجه عميق يتعامل مع القطاع كعقار ثمين أكثر منه موطنًا لأكثر من مليوني إنسان. يعني الموضوع مش مجرد حرب عادية يا جماعة، ده فيه بعد اقتصادي وراء الكواليس كبير أوي.

وعلى الجانب الآخر من المحيط، في واشنطن، يبرز مقترح مثير للجدل يُدعى «Gaza Riviera»، أو “ريفييرا غزة”. هذا المفهوم، الذي جرى تداوله إعلاميًا، يتحدث عن إدارة أميركية مؤقتة للقطاع، تهدف إلى تحويله لمركز سياحي وتقني عالمي. هل تتخيلون؟ مشاريع بمليارات الدولارات، خطط طموحة لتطوير البنية التحتية، وكل ذلك مصحوبًا بـ “حلول” لمصير السكان، تتراوح بين النقل القسري أو “التعويض” المالي. هل يا ترى ده ممكن يحصل؟ ولا مجرد كلام على ورق ممكن يتفبرك مع أول اختبار حقيقي؟

لكن الطموحات تتجاوز بكثير مجرد المشاريع العقارية والسياحية. ففي عمق المياه الإقليمية لغزة يكمن حقل “غزة مارين” للغاز الطبيعي، كنزٌ ينتظر الاستغلال. هذا الحقل، الذي تقدر تقارير دولية أنه قادر على در مليارات الدولارات على المدى الطويل، يُعد أحد أبرز الدوافع الاقتصادية. سواء عبر تزويد السوق المحلي بالطاقة التي تشتد الحاجة إليها، أو من خلال تصدير الغاز المسال إلى أوروبا المتعطشة لبدائل للطاقة الروسية، فإن هذا المورد يمثل مغريًا لا يُقاوم للمخططين.

ولا يقتصر الأمر على الغاز فحسب؛ فالموقع الساحلي للقطاع يُعد بحد ذاته مغريًا للغاية. يمكن تحويله إلى مجموعة من الموانئ الصغيرة والمراكز اللوجستية التي تخدم التجارة الدولية، بالإضافة إلى إقامة صناعات خفيفة وتطوير قطاع الصيد والخدمات. بعض الخبراء يرون أن إسرائيل لا تنظر إلى غزة فقط كحدود أمنية، بل كبوابة بحرية استراتيجية نحو الشرق الأوسط، يمكن أن تمنحها عمقًا اقتصاديًا وتجاريًا جديدًا، يعني موقع استراتيجي محدش يتجاهله أو يعتبره مجرد شريط ساحلي.

هنا، يلتقط الخبير الاقتصادي الدكتور سمير الدقران خيوط الصورة المعقدة، موضحًا أن الدعم الأميركي لإسرائيل لا ينحصر في الجانب العسكري والسياسي فقط، بل هو جزء من مشروع أشمل يهدف إلى السيطرة الاقتصادية الكاملة على غزة. يقول الدقران: “من يظن أن واشنطن تمد إسرائيل بالسلاح من دون مقابل يخطئ القراءة. هناك مصالح اقتصادية كبرى خلف المشهد، والغاز في غزة أحد أهم هذه المصالح.” هو شايف إن الموضوع أكبر من كده بكتير، وده شيء منطقي لما تفكر فيها وتراجع الأحداث.

ويُذكّر الدكتور الدقران بما جرى في المنطقة، مستشهدًا بتجربة ليبيا بعد سقوط القذافي، حيث بدأ التدخل عسكريًا، ثم تفتحت شهية القوى الكبرى على الثروات الطبيعية والموارد. ويشدد على أن “التاريخ يعيد نفسه، وما يجري في غزة لا ينفصل عن هذه القاعدة.” يعني التاريخ بيعيد نفسه، ولا إيه؟ هذا النمط المتكرر يثير تساؤلات جدية حول النوايا الحقيقية وراء أي خطط لإعادة الإعمار أو التنمية في ظل ظروف غير عادلة.

لكن هل يمكن لمشاريع بهذا الحجم، التي تتجاهل حقوق السكان الأصليين، أن ترى النور بشكل مستقر ومستدام؟ يشدد الدقران على أن أي مشروع يقوم على تهجير السكان أو السيطرة القسرية على الأرض سيفتقر إلى الشرعية الدولية والشعبية. “الأموال في خطر لأن الحقوق لا تموت. أي استثمار يُبنى على دماء وتهجير الناس سيبقى هشًا، مهددًا بالانهيار عند أول تحدٍ قانوني أو سياسي.” يعني ببساطة، اللي هييجي يستثمر هنا لازم يكون فاهم إنه بيغامر فلوسه، لا في عدل ولا في استقرار.

ويُحذر الخبير الاقتصادي المستثمرين الذين قد تُغريهم وعود الأرباح الهائلة من الدخول في مشاريع إعادة إعمار أو تطوير تحت إدارة الاحتلال أو إدارة أميركية مؤقتة. عليهم أن يدركوا أنهم يخاطرون بأموالهم بشكل كبير، لأن البيئة القانونية والسياسية ستبقى معادية لهم، “لا يمكن بناء اقتصاد مستقر فوق ركام العدالة.” الاستيلاء على الأراضي بالقوة، التهجير القسري، هذه ليست مجرد مصطلحات قانونية، بل هي جرائم حرب واضحة المعالم بموجب القانون الدولي، ما قد يؤدي إلى عقوبات دولية وتجميد للاستثمارات.

في الختام، يوجه الدكتور الدقران نداءً واضحًا للمؤسسات الحقوقية لتوثيق هذه المخططات وكشف خطورتها على حقوق الإنسان. كما يحذر من أن الصمت الدولي سيمنح الشرعية لسياسات استعمارية جديدة تحت غطاء الإعمار. ويدعو الاقتصاديين والإعلاميين إلى فضح البعد المالي لهذه المشاريع، والتأكيد على أنها لن تكون آمنة ولا مستقرة لأنها قائمة على اغتصاب الأرض وحقوق أصحابها. هل يمكن حقًا بناء مستقبل مزدهر على أنقاض الحقوق ومصادرة الأراضي؟ السؤال يظل معلقًا، والإجابة… هي ما ستُحدّد وجه غزة لسنوات قادمة، وربما تكون اختبارًا حقيقيًا لمعنى العدالة في عالمنا المعاصر.

Leave a Comment

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.