من قاعات التدريس إلى بورصة المال: قصة منة علي التي كسرت الحواجز بمزيج من الطموح والمعرفة
من منا لم يشعر يوماً أن مساره المهني يمكن أن يأخذ منعطفاً غير متوقع؟ أن تتجه رياح الحياة بسفينة طموحاتك نحو شواطئ لم تكن في الحسبان؟ في عالمنا سريع التغير، حيث تتسارع وتيرة الأسواق وتتفتح أبواب الفرص الجديدة، تبرز قصصٌ تلهمنا وتدفعنا لإعادة التفكير في حدود قدراتنا. ومن بين هذه القصص الملهمة، نجد حكاية شابة مصرية، لم تكتفِ بالتميز الأكاديمي والعمل الإنساني، بل غامرت في عوالم المال والأعمال لتصنع لنفسها اسماً في مجال يُعرف بكونه حكراً على الرجال أحياناً: عالم الفوركس والتحليل المالي. إنها منة علي، نموذج للفتاة المصرية الطموحة التي أثبتت أن الشغف والمعرفة يمكن أن يغيرا أي مسار.
منة الله علي مرزوق، اسمٌ رُسخ في أروقة كلية التربية بجامعة عين شمس، حيث نالت شهادة البكالوريوس بتقدير “جيد جداً مع مرتبة الشرف”. تخصصها كان عميقاً في علم الاجتماع والفلسفة، وهي مجالات تبني الفكر النقدي والقدرة على فهم السلوك البشري والمجتمعي، ربما لم تكن تعلم حينها أن هذه المهارات ستخدمها بطريقة أو بأخرى في عالم الأرقام والأسواق. لم تكن منة مجرد طالبة متفوقة فحسب، بل كانت ضمن أوائل دفعتها، وهذا وحده يعطينا لمحة عن مدى جديتها وتفوقها.
لم تتوقف طموحاتها عند هذا الحد. فإلى جانب مسيرتها الأكاديمية اللامعة، امتد نشاط منة ليضم العمل المجتمعي والإنساني. شغلت منصبًا قياديًا في جمعية “خير وبركة”، وهي تجربة صقلت لديها مهارات القيادة والتعامل مع التحديات الواقعية، وحصدت خلالها تكريمات وشهادات خبرة أكدت تميزها وعطاءها في هذا المجال. وبصراحة كده، مين فينا ما يقدرش قيمة شخص بيعمل خير وهو لسه في بداية حياته المهنية؟ هذه التجارب أظهرت جانباً آخر لشخصيتها: الإيثار، القدرة على التنظيم، والرغبة في ترك بصمة إيجابية في المجتمع.
لكن السؤال الأهم يطرح نفسه: كيف انتقلت هذه الشابة، ذات الخلفية الأكاديمية والاجتماعية، إلى عالم لا يمت بصلة مباشرة لدراستها؟ عالم تحكمه الأرقام والرسوم البيانية والمخاطر المحسوبة؟ الحافز كان قوياً وواضحاً: رغبتها في بناء مستقبل مهني مستقل، مستقبل يكون فيه القرار بيدها. لم تكن تملك خلفية مالية تقليدية، لكنها كانت تملك العزيمة والإصرار. ومن هنا، بدأت منة رحلة جديدة، مسلحةً بالفضول وشغف التعلم.
لم تترك شيئاً للصدفة، بل انخرطت في عدد من الدورات التدريبية المتخصصة التي تناولت كلاً من التحليل الفني والأساسي، وهما ركيزتان أساسيتان لفهم حركة الأسواق. ليس هذا فحسب، بل أكملت رحلتها بالحصول على عضوية الجمعية المصرية للمحللين الفنيين، ما يؤكد جدية التزامها واحترافيتها. وحتى تُكمل الصورة، حصلت أيضاً على شهادة دولية في المبيعات من الدكتور عمرو الفخراني، وهي مهارة لا تقدر بثمن في أي مجال يعتمد على التواصل والإقناع، حتى في عالم التداول. يعني باختصار، جهزت نفسها بكل الأدوات الممكنة قبل ما تغوص في البحر ده.
من خلال خبرتها، تشدد منة علي على نقطة جوهرية للمقبلين على هذا العالم: ضرورة فهم الفروق الجوهرية بين أنواع الأسواق المالية قبل اتخاذ أي قرار استثماري. فالكثيرون يخلطون بين المفاهيم، ويعتقدون أن كل الأسواق متشابهة، وهذا خطأ قد يكلف الكثير. توضح منة أن سوق الفوركس، على سبيل المثال، هو سوق عالمي لتبادل العملات، يعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، ويتميز بسرعة عالية وتقلبات تتطلب مهارات قوية في إدارة المخاطر وسرعة اتخاذ القرار. هو سوق سريع، ومحتاج تركيز عالي ومتابعة مستمرة، زي بالظبط لما تكون بتسوق عربية سباق، أي غلطة ممكن تفرق.
في المقابل، تضم أسواق المال بمفهومها الأوسع أنواعًا متعددة من الأصول. نتحدث هنا عن الأسهم، السندات، السلع، وحتى العملات الرقمية التي أصبحت حديث الساعة. هذه الأسواق توفر فرصًا استثمارية أكثر تنوعًا، وتناسب المستثمرين على المدى القصير والمتوسط والطويل، وتتيح مجالاً أوسع لاختيار الاستراتيجية المناسبة. ترى منة أن اختيار السوق الملائم لا يعتمد فقط على حجم رأس المال، بل يتوقف بشكل كبير على شخصية المتداول، ومدى استعداده للتعلم المستمر، ومستوى تحمله للمخاطرة. هل أنت شخص صبور وهادئ؟ أم تحب الحركة السريعة والإثارة؟ الإجابة على هذه الأسئلة تحدد مسارك.
وبناءً على هذه الرؤية وخبرتها المكتسبة، تقدم منة علي مجموعة من النصائح الذهبية للمبتدئين في هذا المضمار:
أولاً: التعلم أولاً وقبل كل شيء. لا تندفع للتداول قبل أن تلم إلماماً كافياً بالمفاهيم الأساسية وأدوات التحليل. العلم هو بوابتك الأولى للنجاح.
ثانياً: إدارة رأس المال هي درعك الواقي. قاعدة لا تتغير: لا تخاطر بأكثر من 2% من رأس المال في الصفقة الواحدة. هذه القاعدة أساسية للحفاظ على استمرارية حسابك، يعني بالعربي كده، حافظ على فلوسك ومتخاطرش بيها كلها في صفقة واحدة.
ثالثاً: التحليل هو مفتاح القرار لا التكهن. اجمع بين التحليل الفني الذي يقرأ حركة الأسعار والرسوم البيانية، والتحليل الأساسي الذي يدرس العوامل الاقتصادية والسياسية المؤثرة.
رابعاً: لا تدع الطمع يسيطر عليك. تحكم في مشاعرك، ولا تتسرع في اتخاذ القرارات بناءً على العاطفة أو الرغبة في الربح السريع. التداول يحتاج إلى انضباط وصبر.
خامساً: اختر الوسيط المناسب بعناية. تأكد من التعامل مع شركات مرخصة وموثوقة فقط، لضمان أمان أموالك.
سادساً: الخسائر دروس، وليست نهاية الطريق. كل متداول يتعرض لخسائر، المهم هو التعلم منها وتصحيح الأخطاء، لا الاستسلام. أليست هذه هي الحياة؟
تختتم منة علي رسالتها بتوجيه كلمة قوية وواضحة لكل امرأة تطمح لدخول عالم المال: “أنتِ قادرة على التفوق في أي مجال، فقط آمني بنفسك وابدئي بالتعلم. لا تخافي من الفشل، فهو جزء من أي نجاح حقيقي.” هذه الكلمات ليست مجرد نصيحة، بل هي دعوة للتحدي والتغلب على القوالب النمطية، ورسالة بأن العزيمة النسائية لا تعرف المستحيل في أي مضمار.
في زمن يتطلب منا جميعاً البحث عن سبل جديدة للنمو والتطور، تظل قصة منة علي تذكيرًا بأن النجاح لا يأتي إلا بمزيج من الطموح غير المحدود، والتعلم المستمر، والقدرة على التكيف مع التحديات. إنها ليست مجرد قصة نجاح فردية، بل هي دعوة لكل منا لإعادة اكتشاف إمكانياته، وتحدي المألوف، والانطلاق نحو تحقيق أحلامه، مهما بدت بعيدة عن مساره الأصلي. فهل أنت مستعد لكسر حاجزك الخاص؟