في عالم العملات الرقمية، حيث تتبدل الثروات في غمضة عين وتتقلب الأسعار بين عشية وضحاها، كان يوم الأمس بمثابة تذكير قاسٍ بأن الرياح لا تهب دائماً بما تشتهي سفن المضاربين. فقد استيقظت الأسواق الرقمية على صدمةٍ مدوية، أدت إلى تبخر أكثر من مليار ونصف المليار دولار من رهانات صعودية، لتترك خلفها موجة بيع عارمة جرفت في طريقها عدداً كبيراً من المستثمرين، خصوصاً في أروقة العملات الأصغر حجماً والأكثر عرضة للتقلبات. تخيّل معي كده، مبلغ ضخم زي ده يتبخر في يوم واحد! الناس فعلاً كانت في حالة ذهول.

الخسائر الفادحة التي تكبدها المتداولون لم تقتصر على جهات محددة، بل امتدت لتطال السوق بأكمله، مسجلةً واحدة من أشد نوبات التقلب التي شهدها القطاع مؤخراً. البيانات المتوفرة من منصة “كوينجلاس” كشفت عن الأبعاد الحقيقية لهذا النزيف، حيث انخفض سعر عملة الإيثر (Ethereum)، وهي ثاني أكبر عملة رقمية من حيث القيمة السوقية، بنسبة 9% دفعة واحدة، ليستقر عند مستوى 4,075 دولاراً أمريكياً. وما زاد الطين بلة، تصفية ما يقرب من نصف مليار دولار من مراكز الشراء طويلة الأجل ذات الرافعة المالية المرتبطة بالإيثر. يعني ببساطة، المستثمرون اللي كانوا بيراهنوا على صعود الإيثر باستخدام قروض، خسرت رهاناتهم واتقفلت مراكزهم أوتوماتيكياً.

ولم تسلم العملات الرقمية الكبرى الأخرى من هذه العاصفة الهابطة. فوفقاً لبيانات “بلومبرج”، شهد سعر البيتكوين (Bitcoin)، رائدة العملات الرقمية بلا منازع، تراجعاً بنسبة 3%، ليصل إلى 111,998 دولاراً أمريكياً (وهو سعر مرتفع بشكل ملحوظ يشير إلى أن البيانات ربما كانت تاريخية أو خاصة بمنصة معينة). ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل امتدت يد التراجع لتشمل عملات رقمية أخرى تتمتع بشعبية واسعة مثل “سولانا” و”ألغوراند” و”أفالانش”، والتي شهدت هي الأخرى انخفاضات ملحوظة في قيمتها السوقية. وكأن السوق بيورّي للجميع مين المتحكم الحقيقي في زمام الأمور.

الأرقام كانت صادمة بكل المقاييس. فقد كشفت “كوين جيكو” أن ما يزيد عن 407 آلاف متداول قد تمت تصفية مراكزهم خلال 24 ساعة فقط، وهو رقم مهول يعكس حجم الخسائر الفردية والجماعية. هذا التصفية الجماعية لمراكز التداول لم تؤثر فقط على محافظ الأفراد، بل كان لها تأثير مباشر على القيمة السوقية الإجمالية لقطاع العملات الرقمية، والتي تراجعت لتهبط دون حاجز الـ 4 تريليونات دولار. هل تتخيل معي حجم الأموال التي تبخرت؟ مليارات الدولارات اختفت في لمح البصر، تاركةً وراءها ذيولاً من الحيرة والخوف.

ولفهم أعمق لديناميكيات السوق خلال هذه الفترة العصيبة، أشارت بيانات “كريبتو كوانت” إلى أن معدل تمويل عقود الإيثر الدائمة قد تحول إلى السلب. وهذا المؤشر، لمن لا يعلم، يعتبر إشارة واضحة لهيمنة البائعين على السوق. ففي هذه الحالة، يدفع البائعون للمشترين مقابل الاحتفاظ بمراكزهم، مما يؤكد أن المستثمرين أصبحوا أكثر ميلاً للبيع، حتى لو كلفهم ذلك بعض العمولات، بسبب التشاؤم السائد وتوقعاتهم بمزيد من الانخفاض. يعني السوق كان ماشي بخطى واضحة في اتجاه واحد: نزول!

أكيد ناس كتير كانت بتسأل: “يا ترى إيه السر ورا التراجع ده كله؟” المحللون أشاروا إلى عدة عوامل متضافرة أسهمت في هذا التراجع الدرامي. جزء من هذه الخسائر يُعزى إلى عمليات جني الأرباح، فبعد فترات من الصعود القوي، طبيعي أن يلجأ بعض المستثمرين لبيع أصولهم لتحقيق مكاسب. إلى جانب ذلك، لوحظ ضعف في الزخم الشرائي، مما يعني أن عدد المشترين الجدد أو الكبار لم يكن كافياً لموازنة ضغط البيع.

لكن العامل الأبرز، والذي أجمع عليه الخبراء، يكمن في سوق السندات العالمية. فقد شهدت عوائد السندات الأمريكية لأجل عامين حالة من الاستقرار عند مستويات منخفضة، وهو ما يعتبره خبراء السوق مؤشراً حساساً يؤثر مباشرة على حركة الأصول عالية المخاطر، وفي مقدمتها العملات الرقمية. كيف ذلك؟ بصراحة كده، لما عوائد السندات (اللي تعتبر استثمار آمن نسبياً) تكون منخفضة ومستقرة، ده بيخلي المستثمرين يدوروا على عوائد أعلى في الأصول الأكثر خطورة زي الكريبتو. لكن في المقابل، أي إشارة ولو بسيطة بأن هذه العوائد قد ترتفع، أو أن هناك عوامل قد تؤثر على جاذبية الأصول الخطرة، تدفع المستثمرين للتحول نحو الأمان. الاستقرار المنخفض لعوائد السندات في هذه الحالة لم يكن مؤشراً إيجابياً، بل على العكس، أرسل إشارات إلى أن البيئة الاقتصادية قد لا تكون مواتية للمخاطرة العالية التي تنطوي عليها العملات الرقمية. وكأن السوق بيقرأ الإشارة وبيقول للمستثمرين: “خلي بالك، الجو مش مضمون.”

إن ما حدث بالأمس في سوق العملات الرقمية ليس مجرد حادث عابر، بل هو درسٌ جديد يُضاف إلى تاريخ هذا السوق المتقلب. إنه يؤكد مجدداً أن الاستثمار في الأصول الرقمية ليس نزهة، بل يتطلب فهماً عميقاً للمخاطر، وصبراً كبيراً، وقدرة على تحليل المؤشرات الاقتصادية العالمية التي قد تبدو بعيدة عن عالم البيتكوين والإيثر، لكنها في الحقيقة تحرك الكثير من خيوط اللعبة. ففي نهاية المطاف، الأصول الرقمية، رغم طابعها المبتكر، لا تزال تتأثر بمنطق العرض والطلب، وبشهية المخاطرة لدى المستثمرين، وبأحوال الاقتصاد الكلي. فهل سيتعلم المستثمرون من هذه التجربة، أم سيظلون يراهنون على الصعود، متجاهلين التحذيرات؟ الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة.

Leave a Comment

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.