كأنها رقصة متوترة على حبل مشدود، هكذا يصف بعض الخبراء حركة الجنيه الإسترليني في الآونة الأخيرة أمام الدولار الأمريكي. فبعد أيام من التراجع الحاد، شهدنا في جلسة الإثنين الماضية نفساً خفيفاً من الصعود، لم يكن كافياً لكسر حالة الترقب التي تخيّم على المتداولين. الجنيه، الذي تماسك بصعوبة، يجد نفسه الآن يتأرجح حول متوسطه المتحرك لخمسين يوماً، وكأنه يبحث عن نقطة ارتكاز قوية في خضم الأمواج المتلاطمة.

ما حدث كان مجرد ارتفاع طفيف، جاء بعد موجة هبوط استمرت لثلاثة أيام متتالية، ليرسم لنا مشهداً أقرب ما يكون إلى حركة جانبية. يعني إيه حركة جانبية؟ بصراحة كده، زي ما تكون العربية واقفة في إشارة مرور طويلة، لا بتروح ولا بتيجي كتير، مجرد تقلبات بسيطة بتدل على حيرة السوق. لكن في المجمل، وحسب التحليل الفني، لا يزال البعض يرى أن الاتجاه العام يميل للصعود أو على الأقل للاستقرار، رغم كل التحديات. السؤال هنا: هل هذا الصعود المحدود مجرد استراحة محارب، أم إشارة لتعافٍ وشيك؟

المستوى 1.34، هذا الرقم ليس مجرد عدد على الشاشة، بل هو بمثابة خط دفاع أول بالنسبة للجنيه الإسترليني. إنه حاجز نفسي وفني مهم جداً. طالما بقيت العملة البريطانية فوق هذا المستوى، فإن الأمل في الصعود يظل قائماً، وإن كان ضعيفاً بعض الشيء. كثيرون من متداولي السوق، بمن فيهم محللون محترفون، يعتبرون هذا الرقم بمثابة “اختبار حقيقي” لقوة الجنيه. فإذا صمد، ممكن نشوف الجنيه يحاول يشد حيله تاني.

لكن ماذا لو انهار هذا الحاجز؟ هنا تكمن الخطورة الكبرى. فإذا اخترق الجنيه مستوى 1.34 هبوطاً، فمن المتوقع أن نشهد تسارعاً كبيراً في قوة الدولار الأمريكي، ليس فقط مقابل الجنيه، بل ربما أمام عملات عالمية أخرى. السيناريو المحتمل حينها هو هبوط الجنيه الإسترليني نحو المتوسط المتحرك لمائتي يوم، والذي يقع فوق مستوى 1.32 مباشرةً. هذا المستوى الأخير، كما يصفه الخبراء، يُعد “الخط الفاصل” أو “نقطة التحول” في تحديد الاتجاه العام للجنيه في هذه المرحلة. يعني لو اتكسر، ممكن الدنيا تقلب خالص.

ولأن الأسواق لا تعرف أنصاف الحلول أحياناً، فإن تجاوز مستوى 1.32 للأسفل قد يكون بمثابة ضربة قاصمة للجنيه الإسترليني. في هذا السيناريو الأكثر تشاؤماً، لن يقتصر الأمر على ضعف الجنيه وحده، بل سيعزز ذلك من هيمنة الدولار الأمريكي بشكل شبه مطلق على معظم العملات الرئيسية. وقد يصل بنا الحال إلى انهيار كامل نحو مستوى 1.2750. تصور حجم الخسائر والتداعيات الاقتصادية التي يمكن أن تنتج عن مثل هذا الهبوط الدراماتيكي! هل يمكن أن نرى الجنيه يتدحرج بهذه السرعة نحو قاع جديد؟ المخاوف هنا مشروعة جداً.

لكن الأمر لا يخلو من بصيص أمل على الجانب الآخر من المعادلة. فالأسواق مثلها مثل الحياة، لا تسير في اتجاه واحد فقط. إذا تمكن الجنيه الإسترليني من اختراق مستوى 1.3750، وهو مستوى يحمل أهمية تاريخية كبيرة كحاجز مقاومة عنيد، حينها قد ينطلق الجنيه بحرية نسبية نحو مستوى 1.40. هذا الهدف الطموح لن يتحقق بالطبع دون زخم قوي ودعم معنوي واقتصادي حقيقيين. الأمر أشبه بمحاولة كسر سقف زجاجي؛ يحتاج قوة دفع هائلة لتجاوزه بنجاح.

ولفهم الصورة كاملة، يجب أن نربط هذه التحركات الفنية بالمشهد الاقتصادي العالمي الأوسع. بصراحة كده، الناس قلقانة، وفي حالة قلق عالمي من الوضع الاقتصادي، زي ما بيحصل دلوقتي، الدولار الأمريكي بيلعب دور الملاذ الآمن. يعني إيه؟ يعني لما المستثمرين بيخافوا على فلوسهم من التقلبات، بيجروا يحولوها لدولارات، لأنهم بيشوفوها أكتر عملة مستقرة وأمان. وهذا يزيد الطلب على الدولار ويرفع من قيمته مقابل العملات الأخرى، بما فيها الجنيه الإسترليني.

لذا، ينصح المتداولون المحترفون، ومنهم الخبير كريستوفر لويس، بتوخي أقصى درجات الحذر في تحديد حجم الصفقات. كما يؤكدون على ضرورة مراقبة “الرغبة في المخاطرة” و”معنويات السوق” بشكل دقيق وسريع. هل المستثمرون مستعدون للمخاطرة أم أنهم يفضلون الأمان؟ إجابة هذا السؤال هي التي قد تحدد المسار المستقبلي للجنيه الإسترليني وأسواق العملات عموماً.

في الختام، يظل الجنيه الإسترليني عند مفترق طرق حاسم. هل سيتلقى الدعم الكافي للصعود والتعافي، أم سيستسلم لضغوط الدولار والعوامل الاقتصادية السلبية؟ إنها رقصة معقدة بين الأرقام والنفسيات والمخاوف العالمية. وبالنسبة لأي شخص يتابع هذه الأسواق، فإن الأمر لا يقتصر على مجرد قراءة للرسوم البيانية، بل هو فهم عميق لتيارات الاقتصاد العالمي المتغيرة، ووعي دائم بأن كل نقطة سعر قد تحمل في طياتها قصة جديدة وتحدياً مختلفاً. فكونوا على حذر، فالبحر قد يهدأ وقد يعصف في أي لحظة.

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.