في قلب عواصف الأسواق المالية، حيث يتغير المشهد مع كل تقرير اقتصادي وكل تصريح من بنك مركزي، يجد زوج الدولار الأسترالي مقابل الدولار الأمريكي (AUD/USD) نفسه هذه الأيام في دوامة من الترقب والحيرة. لم يكن اليوم، الأربعاء الموافق 24 سبتمبر 2025، يومًا عاديًا لمتداولي هذا الزوج، فقد شهد استقرارًا حذرًا عند مستوى 0.6600، لكن هذا الهدوء السطحي يخفي وراءه صراعًا محمومًا بين قوى الدفع الهبوطية والصعودية، مدفوعًا بتأثيرين رئيسيين: قرار سعر الفائدة المرتقب من البنك الاحتياطي الأسترالي وتصريحات بالغة الأهمية من الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.

بعد أن لامس الزوج مستوى 0.6706 كقمة له الأسبوع الماضي، يبدو أن رياح التفاؤل قد هدأت قليلًا. هذا الانخفاض الطفيف يعكس حالة من عدم اليقين التي تسيطر على الأوساط المالية. فهل نحن بصدد تصحيح طبيعي بعد صعود، أم أن هناك عوامل أعمق تدفع السوق نحو مسار جديد؟ السؤال ده اللي بيسأله كل مستثمر بصراحة، خصوصًا بعد ما شافوا التقلبات اللي فاتت. المؤشرات الاقتصادية العالمية، وكذلك المحلية لكل من أستراليا والولايات المتحدة، ترسم خريطة طريق متعرجة يخشى الكثيرون من أن تحمل مفاجآت غير سارة.

الأنظار كلها تتجه نحو البنك الاحتياطي الأسترالي (RBA) الذي سيعلن قراره بشأن أسعار الفائدة الأسبوع المقبل. هذا القرار ليس مجرد رقم يُنشر؛ بل هو نتيجة لموازنة دقيقة بين مجموعة من البيانات الاقتصادية التي ترسم صورة معقدة للاقتصاد الأسترالي. مؤشر مديري المشتريات (PMI) الصادر عن ستاندرد آند بورز جلوبال، على سبيل المثال، كشف عن صمود ملحوظ لقطاعي التصنيع والخدمات في أغسطس. صحيح أن مؤشر مديري المشتريات لقطاع التصنيع شهد تباطؤًا طفيفًا إلى 51.6، وأن مؤشر قطاع الخدمات انخفض من 55.5 في أغسطس إلى 52.1 في سبتمبر، إلا أن الأرقام الإجمالية للمؤشر المركب التي بلغت 52.1 لا تزال تشير إلى توسع القطاعات، فالرقم فوق الـ 50 يعني دائمًا النمو يا جماعة، ودي حاجة كويسة بحد ذاتها.

لكن القصة لا تتوقف هنا. فقد أظهر تقرير آخر صدر يوم الأربعاء أن التضخم الشهري في أغسطس ارتفع بشكل طفيف ليبلغ 2.9%، بعد أن كان 2.8% سابقًا. هذا الارتفاع البسيط، وإن كان قد يبدو هامشيًا للبعض، يمثل معضلة حقيقية للبنك الاحتياطي الأسترالي. فمن ناحية، هناك بيانات الوظائف الضعيفة التي صدرت الأسبوع الماضي، والتي قد تدفع البنك نحو التفكير في خفض أسعار الفائدة لدعم النمو. ومن ناحية أخرى، يأتي التضخم المتزايد ليُلقي بظلاله على هذه الفكرة، فالبنوك المركزية دايماً بتواجه تحدي التضخم. وبالتالي، يتوقع المحللون على نطاق واسع أن يُبقي البنك المركزي أسعار الفائدة عند مستوى 3.6% في اجتماعه المقبل، في محاولة للحفاظ على التوازن الدقيق بين كبح جماح الأسعار وتحفيز النشاط الاقتصادي.

على الجانب الآخر من المحيط الهادئ، يتطلع المتداولون إلى التحركات القادمة من الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. لم تصدر الولايات المتحدة أية بيانات اقتصادية رئيسية يوم الأربعاء، مما يترك الساحة مفتوحة للتكهنات. ورغم أن بيانات الناتج المحلي الإجمالي المقرر صدورها يوم الخميس وتقرير إنفاق الاستهلاك الشخصي (PCE) ليوم الجمعة ستكون ذات أهمية، إلا أن تأثيرها على زوج الدولار الأسترالي/الدولار الأمريكي قد يكون محدودًا في الوقت الراهن. ليه بقى؟ لأن الاحتياطي الفيدرالي، بكل بساطة، يركز حاليًا بشكل أكبر على سوق العمل.

كل المؤشرات تشير إلى أن بيانات الوظائف غير الزراعية (Non-Farm Payrolls) التي ستصدر الأسبوع المقبل هي التي ستحمل المفتاح للكثير من الأجوبة. فمن خلالها، سيتمكن المتداولون من تكوين صورة أوضح لما يمكن توقعه في الاجتماعين الأخيرين للمجلس لهذا العام. باختصار، أي إشارة لضعف أو قوة في سوق العمل الأمريكي ممكن تغير اتجاه الدولار بشكل كبير، وده طبعاً هيأثر على كل أزواج العملات التانية، ومنها الدولار الأسترالي، فالتأثير متبادل ودائمًا ما يكون له أبعاده العالمية.

من منظور التحليل الفني، يرسم الرسم البياني اليومي لزوج الدولار الأسترالي/الدولار الأمريكي صورة متقلبة. لقد شهد الزوج تراجعًا ملحوظًا في الأيام القليلة الماضية، حيث هبط من أعلى مستوى له عند 0.6706 في 17 سبتمبر إلى مستوى 0.6600 الحالي. هذا الانخفاض تجاوز مستوى دعمًا هامًا عند 0.6620، والذي كان يمثل أعلى مستوى له في 24 يوليو، مما يعزز التوقعات الهبوطية على المدى القصير. يعني بالعربي كده، السهم نزل تحت خط المفروض كان يفضل فوقه عشان يبقى مطمن.

لكن، هل هذه نهاية القصة؟ ليس تمامًا. فالسوق نادرًا ما يتحرك في اتجاه واحد بس. على الجانب الإيجابي، لا يزال الزوج فوق المتوسط المتحرك الأسي لـ 50 يومًا، وفوق سحابة إيشيموكو، وهي مؤشرات تدعم استمرارية الاتجاه الصعودي. كما استقر الزوج عند نقطة ارتكاز رئيسية لخطوط موري الرياضية. هذه التناقضات الفنية تشير إلى أننا قد نشهد اختراقًا صعوديًا قريبًا، قد يدفع الزوج للعودة إلى أعلى مستوياته منذ بداية العام عند 0.6706. وده بيخلي الموضوع كله عبارة عن شد وجذب، ومحدش عارف مين اللي هيكسب في الآخر.

في النهاية، يبدو أن سوق العملات، وخاصة زوج الدولار الأسترالي/الدولار الأمريكي، يواجه فترة من الضبابية الحذرة. فبين ميزان البنك الاحتياطي الأسترالي الذي يوازن بين التضخم والنمو، ونظرة الاحتياطي الفيدرالي المركزة على سوق العمل، تبقى حركة هذا الزوج محكومة بسلسلة من القرارات والتقارير المستقبلية. إنها قصة الاقتصاد العالمي في صورة مصغرة: ترابط معقد بين الأمم والسياسات، حيث كل قرار في سيدني قد يتردد صداه في نيويورك، والعكس صحيح. فما علينا سوى أن نترقب، ونراقب، لنرى أيّ من هذه القوى المتنافسة سيكتب الفصل القادم في قصة هذا الزوج، وماذا ستحمله الأيام القادمة من مفاجآت للمتداولين والاقتصاد العالمي بأسره.

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.