مصر ترسم خريطة طريق جديدة: هل تصبح بلادنا مركز التجارة العالمية المنتظر؟
في زمن تتلاطم فيه أمواج التحديات الاقتصادية العالمية، وتتعاظم فيه الحاجة الملحة لترسيخ دعائم النمو المستدام، تبرز مبادرات جادة ترسم ملامح مستقبل مصر الاقتصادي. لم تعد المسألة مجرد أرقام تُعلن أو سياسات تُطرح، بل هي رؤية شاملة تتجاوز اللحظة الراهنة لتضع البلاد على أعتاب مرحلة جديدة من الازدهار والاندماج في الاقتصاد العالمي. وفي قلب هذه التحركات، شهدت أروقة مجلس الوزراء، برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي، استعراضاً مهماً لوثيقة قد تغير وجه تجارتنا الخارجية، وتُعيد تعريف موقعنا على الخارطة الاقتصادية الدولية.
وثيقة الطموح: جسر نحو رؤية 2030
كشف المهندس حسن الخطيب، وزير الاستثمار والتجارة الخارجية، عن تفاصيل “وثيقة السياسة التجارية لمصر”، وهي ليست مجرد حزمة توصيات عابرة، بل هي استراتيجية متكاملة مصممة لتتآلف وتتكامل مع “رؤية مصر 2030”. الوثيقة، كما أشار الوزير، هي بمثابة الأداة الفعالة التي ستحرك عجلات الإصلاح الاقتصادي وتدفع بها إلى الأمام، مُحدثةً بذلك ربطاً وثيقاً ومحكماً بين الاستثمار والتجارة. وكأننا نبني جسراً متيناً، يربط بين رأس المال والمصانع من جهة، والأسواق العالمية من جهة أخرى. فهل هذا الربط هو مفتاح اللغز الذي طالما بحثنا عنه؟
الهدف الأسمى لهذه الوثيقة ليس أقل من تحويل مصر إلى قوة تصديرية عظمى. تتطلع الخطة الطموحة إلى الوصول بقيمة الصادرات المصرية إلى 145 مليار دولار بحلول عام 2030. رقم ضخم، أليس كذلك؟ ولكن لتحقيق هذا، ستركز الوثيقة على القطاعات التي تتمتع “بقيمة مضافة” عالية، وتتيح الاستفادة القصوى من الفرص المتاحة في الأسواق العالمية. يعني بالعربي كده، مش أي حاجة نصدرها، لازم تكون منتجات قوية ومنافسة وليها قيمة حقيقية، وده اللي بيفرق أوي في الأسواق العالمية. هذا إلى جانب دورها المحوري في مواكبة المتغيرات السريعة في الاقتصاد العالمي، وتعزيز مكانة مصر في سلاسل القيمة العالمية، وهو ما سيُرسخ دورها كمركز إقليمي محوري للتجارة.
الاستثمار والتجارة: ثنائية النجاح لمواجهة العجز
منذ سنوات طويلة، وتحديداً منذ فترة طويلة والناس تتكلم عن مشكلة “عجز الميزان التجاري”. لكن يبدو أن هذه الوثيقة تحمل حلاً جذرياً لهذه المعضلة. يرى المهندس الخطيب أن الربط العضوي بين الاستثمار والتجارة هو المدخل الرئيسي لمعالجة هذا العجز، وذلك بتوجيه الاقتصاد برمته نحو التصدير، مما يعزز القاعدة الإنتاجية ويزيد القيمة المضافة للمنتجات المحلية. بمعنى آخر، نزرع اليوم لنحصد غداً صادرات قوية ومُصنعة محلياً بأيادي مصرية، بدلاً من الاعتماد على الاستيراد.
الوثيقة تحدد أهدافاً واضحة للسياسة التجارية، وعلى رأسها خفض عجز الميزان التجاري. كيف سيتم ذلك؟ عن طريق تعظيم الصادرات وتعميق الصناعة المحلية. ولكن هنا تكمن النقطة الأهم: دون اللجوء إلى قيود قد تعرقل الاستيراد أو الإنتاج. هذا تحول كبير في الفكر الاقتصادي، حيث لا تعتمد الخطة على الحواجز الجمركية أو المنع، بل على تعزيز القدرات الذاتية. والاستثمار، وفقاً للوثيقة، سيكون الأداة المحورية لتحفيز هذه القدرات الإنتاجية الموجهة للتصدير، وتقليص الفجوة التجارية. الهدف النهائي؟ التحول إلى مركز إقليمي للصناعة والخدمات التي تستهدف الأسواق الخارجية.
حماية الصناعة الوطنية بذكاء.. لا بحواجز
قد يتساءل البعض: وماذا عن حماية صناعتنا الوطنية؟ هل ستترك عرضة للمنافسة غير العادلة؟ الإجابة تأتي من أسس وثيقة السياسة التجارية التي ترتكز على حماية الصناعة الوطنية من الممارسات الضارة، لكن بأساليب ذكية ومنظمة، تتفق مع قواعد منظمة التجارة العالمية. ليس بإغلاق الأبواب، ولكن باستخدام أدوات التجارة المشروعة. يعني الناس ساعات بتفكر إن الحماية يعني نقفل الباب على المنتجات اللي جاية من بره، بس الحقيقة إن الموضوع أعمق من كده، وله قواعد دولية لازم نلتزم بيها عشان نحافظ على مصداقيتنا.
بالإضافة إلى ذلك، هناك خطط مدروسة لتحفيز الصادرات من خلال استهداف الأسواق ذات الأولوية، وتعزيز القدرة التنافسية للمنتجات المصرية، وتيسير الإجراءات كبديل فعال للقيود في السياسات التجارية. هذا يعني تبسيط الإجراءات الجمركية، وتقليل البيروقراطية، وكل ما من شأنه أن يجعل عملية التصدير أسهل وأسرع.
سياسة منفتحة ومرنة: بناء محور إقليمي ودولي
يجدد الوزير الخطيب التأكيد على أن الهدف هو سياسة تجارية منفتحة ومرنة، تدعم التنافسية. إنها تستهدف تعظيم الصادرات ذات القيمة المضافة وتقليل عجز الميزان التجاري، وهذا كله سيتحقق عبر الربط الوثيق بين الاستثمار والتجارة. هذا التوجه سيمهد الطريق لمصر لتلعب دوراً محورياً، ليس فقط إقليمياً بل ودولياً في مجال التجارة. والوثيقة لا تهمل حماية المنتج المحلي، بل تؤكد على استخدام أدوات المعالجات التجارية وفقاً للمعايير الدولية، مع السعي لفتح أسواق جديدة من خلال اتفاقيات تجارية متوازنة. كل هذا سيعزز من تنافسية الاقتصاد المصري على المستوى العالمي.
إلى أين نتجه؟
إن ما طُرح اليوم في مجلس الوزراء ليس مجرد خطة اقتصادية عادية، بل هو بمثابة إعلان عن ميلاد رؤية جديدة لمستقبل مصر التجاري. إنها دعوة للعمل الجاد، ولتكاتف الجهود لتحويل مصر من دولة مستوردة في كثير من الجوانب إلى مصدّر قوي ومنافس على الساحة العالمية. فهل تنجح هذه الوثيقة في نسج خيوط المستقبل التجاري الذي تطمح إليه بلادنا؟ وهل نحن، كمواطنين وفاعلين في المنظومة الاقتصادية، مستعدون لهذا التحول الكبير؟ الإجابة لا تكمن فقط في بنود الوثيقة، بل في قدرتنا الجماعية على تنفيذها بحرفية وعزيمة، لنبني معاً مصر التي نريدها، مركزاً تجارياً يشار إليه بالبنان.