الإمارات تقود زمام الشفافية في عالم الأصول المشفرة: دعوة للمستثمرين لرسم ملامح المستقبل
في عالم اليوم الذي يركض بسرعة الصاروخ نحو الرقمنة، لم تعد العملات والأصول المشفرة مجرد مصطلحات تقنية يسمعها المتخصصون فقط، بل أصبحت جزءاً لا يتجزأ من المشهد المالي العالمي. ومع هذه الثورة الرقمية، يبرز تساؤل مهم: كيف نضمن الشفافية ونحمي المستثمرين ونمنع التهرب الضريبي في هذا الفضاء الجديد الواسع؟ الإجابة، أو لنقل خطوة مهمة نحو الإجابة، تأتينا من دولة الإمارات العربية المتحدة، التي لطالما كانت سباقة في تبني كل ما هو جديد ومستقبلي.
مؤخراً، أطلقت هيئة الأوراق المالية والسلع، بالتعاون مع وزارة المالية، دعوة عامة للمستثمرين والمهتمين للمشاركة في مشورة مجتمعية حول مقترح تطبيق “إطار الإبلاغ عن الأصول المشفرة” (CARF) في الدولة. تخيل أن الأمر أشبه بدعوة مفتوحة لتصميم قوانين اللعبة قبل أن تبدأ البطولة الكبرى. الهيئة أكدت بوضوح أن دعم ومشاركة المستثمرين في هذه المبادرة التنظيمية ليس مجرد إجراء روتيني، بل هو حجر الزاوية لتطوير معايير حوكمة واضحة وفعالة، وخطوة قوية لتعزيز التزام الدولة بالمعايير العالمية. والموعد النهائي لتقديم هذه الآراء والملاحظات هو 8 نوفمبر 2025. يعني بالمختصر المفيد، فرصتك لتقول كلمتك.
لماذا الآن؟ ولماذا هذا الإطار بالتحديد؟
لنفهم أهمية CARF، علينا أن نعود قليلاً إلى الخلف. منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) هي من طورت هذا الإطار، وكان هدفها الأساسي هو توسيع نطاق معايير الشفافية الضريبية العالمية – التي نعرفها من مبادرات مثل قانون الامتثال الضريبي للحسابات الأجنبية (FATCA) ومعيار الإبلاغ المشترك (CRS) – لتشمل الأصول المشفرة. لماذا؟ ببساطة، الأصول المشفرة مثل “بيتكوين”، والرموز الاستثمارية، وحتى الرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs)، هي تمثيلات رقمية للقيمة تعتمد على تكنولوجيا مشفرة لتأمين المعاملات والتحقق منها. المشكلة هنا أنها يمكن الاحتفاظ بها ونقلها دون الحاجة لوسطاء ماليين تقليديين أو إشراف جهة مركزية، وده اللي بيخلي الأنظمة الحالية للإبلاغ الضريبي مش فعالة أوي في رصدها. هنا يتدخل CARF ليسد هذه الفجوة، بوضع معيار دولي للتبادل التلقائي للمعلومات المتعلقة بهذه الأصول بين السلطات الضريبية. هو جزء من مجهود عالمي كبير عشان نضمن إن ماحدش يتهرب من دفع ضرايبه في أي مكان.
الإمارات… رائدة في مواكبة المستقبل
الإمارات، كعادتها، لم تكن مجرد متابع، بل كانت شريكاً فاعلاً. في نوفمبر 2024، أصبحت الدولة واحدة من بين 61 دولة التزمت بتطبيق هذا الإطار، وتعهدت ببدء تبادل المعلومات ذات الصلة بحلول عام 2028. وهذا الالتزام ليس مفاجئاً، بصراحة الإمارات دايماً سبّاقة في الحاجات دي. فقد عملت الدولة على تهيئة بيئة مواتية للأعمال في قطاع الأصول الافتراضية، ودعم الجهات العاملة فيه، وهذا كله يصب في إطار جهودها الأوسع لتطوير قطاع خدمات مالية فعال وشامل وقوي.
وعشان تحقق ده، وضعت الإمارات بالفعل إطاراً تنظيمياً متيناً. فبموجب قرار مجلس الوزراء رقم 111 لسنة 2022، تم تعيين هيئة الأوراق المالية والسلع كسلطة اتحادية أساسية مسؤولة عن الإشراف على أنشطة الأصول الافتراضية وتنظيمها في الدولة، بما في ذلك المناطق الحرة (باستثناء المناطق الحرة المالية وبعض الأنشطة التي تقع ضمن اختصاص المصرف المركزي أو سلطة تنظيم الأصول الافتراضية). الهيئة تتولى الإشراف على الأصول الافتراضية المستخدمة لأغراض الاستثمار، زي الأوراق المالية الرمزية وعقود السلع الرمزية. أما الأصول الافتراضية اللي بتُستخدم كوسيلة للدفع، فهنا المصرف المركزي هو اللي بيتولى المسؤولية، وده بيكون تحت لوائح زي خدمات الدفع بالتجزئة ونظم البطاقات. يعني فيه تقسيم واضح للمسؤوليات عشان كل حاجة تبقى متغطية صح.
كيف يعمل “CARF” على أرض الواقع؟
CARF هو إطار شفافية ضريبية جديد مصمم لتسهيل التبادل التلقائي للمعلومات الضريبية حول معاملات الأصول المشفرة بين الدول. الهدف الأساسي هو توفير معلومات موحدة للسلطات الضريبية في جميع أنحاء العالم. وبما أنه إطار عالمي، فده معناه إن نفس القواعد هتطبق في كل الدول المشاركة، وبالتالي هيكون فيه نظام إبلاغ موحد، وده هيسهل الدنيا كتير.
طب وده معناه إيه للمستثمر العادي أو لشركات الأصول المشفرة؟ الإطار ده بيلزم الوسطاء في مجال الأصول المشفرة – زي منصات التداول ومزودي المحافظ اللي بتحفظ العملات المشفرة – بالإبلاغ عن بعض تحويلات الدفع بالعملات المشفرة، زي عمليات البيع أو الشراء. ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حطت حدود معينة: لو قيمة المعاملة تجاوزت 50 ألف دولار، يلزم تقديم بيانات محددة عن العميل (اللي هو مستخدم الأصول المشفرة)، وبتتبادل التفاصيل الخاصة بيه. أما لو المعاملات أقل من الحد ده، فمش بيتم الإبلاغ عن العميل نفسه، لكن بيتعامل معاها كتحويل عادي وبيُبلغ فقط عن المستلم، زي “التاجر” كمستخدم للأصول المشفرة.
متطلبات الإبلاغ دي مش بتطبق على أي مزود خدمات أصول مشفرة وخلاص. لازم يكون فيه رابط بين المزود ده وبين الدولة اللي بيلزم فيها بالإبلاغ، والرابط ده ممكن يكون الإقامة الضريبية، أو مكان التأسيس أو التسجيل في تلك الدولة، أو إدارة أعمالهم من هناك، أو وجود مقر عمل دائم، أو حتى تنفيذ المعاملات من خلال فرع قائم في تلك الدولة. باختصار، الإطار ده بيضمن أن يكون فيه مرجعية واضحة لكل من يعمل في هذا الفضاء.
مستقبل الشفافية والثقة
في النهاية، دعوة هيئة الأوراق المالية والسلع للمستثمرين للمشاركة في هذه المشورة العامة ليست مجرد دعوة لإبداء الرأي، بل هي دعوة للمشاركة الفاعلة في تشكيل مستقبل الأصول المشفرة في الإمارات والعالم. هي شهادة على حرص الدولة على الموازنة بين تشجيع الابتكار التكنولوجي وضمان بيئة مالية آمنة وشفافة للجميع. في عالم الأصول الرقمية، الثقة هي العملة الأغلى، وبناء هذه الثقة يتطلب جهوداً مشتركة من المنظمين والمستثمرين والمبتكرين على حد سواء. كلما زادت الشفافية، زادت الثقة، وهذا في مصلحة الكل – أفراد وشركات وحكومات. فهل ستكون جزءاً من هذا النقاش الهام؟ الأمر يستحق التفكير والمشاركة.