في عالمٍ تتلألأ فيه شاشات الهواتف بوعودٍ سريعة بالثراء والشهرة، يبرز أسماءٌ تتحول بين عشيةٍ وضحاها إلى نجومٍ لامعة. “التيك توكر” الشهير بعلاء الساحر كان واحدًا من هؤلاء، يجذب الآلاف بابتسامته الساحرة ومحتواه المتنوع. لكن يبدو أن سحره لم يقتصر على عالم الترفيه الافتراضي فحسب، بل امتد ليلامس جيوب البعض، في حكايةٍ جديدة تحمل في طياتها الكثير من التحذيرات حول مخاطر الثقة العمياء، وسهولة الوقوع في شباك الاحتيال، خاصةً عندما تكون العملات الرقمية هي الوعاء الذي يحمل هذه الوعود.
“الساحر”، الذي اعتاد الجمهور رؤيته على منصة تيك توك، وجد نفسه مؤخرًا في قاعة محكمة جنح أكتوبر، لا ليؤدي عرضًا، بل ليواجه اتهاماتٍ بالاحتيال. القصة، بكل تفاصيلها التي بدأت تتكشف، ليست مجرد خلافٍ مالي عابر، بل هي انعكاسٌ لظاهرةٍ متنامية حيث يتداخل تأثير الشخصيات العامة على الإنترنت مع القرارات المالية للأفراد. فهل باتت الثقة في المؤثرين على السوشيال ميديا ثمنها باهظًا؟ وهل أصبحت أرباح العملات الرقمية هي الطعم الجديد في بحر النصب؟
الحكاية بدأت بشابٍ يبحث عن فرصةٍ استثمارية واعدة. وكما نعلم، في ظل الظروف الاقتصادية المتغيرة، الناس كلها بتدور على “خبطة” تكبر فلوسها بسرعة، والعملات الرقمية كانت في الفترة اللي فاتت هي “التريند” اللي الكل بيجري وراه. هنا يظهر علاء الساحر في الصورة، ليس كصانع محتوى ترفيهي فقط، بل كمرشدٍ مالي محتمل أو وسيطٍ في هذا العالم الافتراضي الغامض. الشاب المدعي، الذي لم تُذكر تفاصيله حفاظًا على خصوصيته، وضع ثقته الكاملة، وربما أحلامه، في أيدي هذا التيك توكر.
المبلغ المتنازع عليه ليس بالهين، حيث وصل إلى 80 ألف جنيه مصري. هذا المبلغ، الذي قد يمثل مدخرات سنواتٍ لبعض الأسر، سُلّم لعلاء الساحر بهدف استثماره في سوق العملات الرقمية الواعد، على وعدٍ بالحصول على أرباحٍ شهرية مجزية. تصور الشاب نفسه وهو يجني الأرباح من استثماره، ويتطلع إلى مستقبلٍ أفضل بفضل هذه الفرصة الذهبية. ولكن، بدلًا من تحقيق تلك الأحلام، تبددت آماله مع رفض “الساحر” إعادة المبلغ الأصلي أو تسليم أي أرباحٍ مزعومة. تخيل كمية الصدمة لما تلاقي الفلوس اللي تعبت فيها كده “راحت عليها” من غير أي تفسير مقنع.
عندما تحولت الوعود البراقة إلى سراب، ولم تجد المحاولات الودية لاسترداد الأموال نفعًا، لم يجد الشاب المكلوم أمامه سوى اللجوء إلى القنوات الرسمية. فقدم بلاغًا مفصلًا إلى مديرية أمن الجيزة، شاكيًا من تعرضه لعملية نصبٍ واحتيالٍ منظمة على يد “التيك توكر” الشهير. لم يكن الأمر مجرد خلافٍ عابر، بل ادعاءٌ بالاستيلاء على أموالٍ بغير وجه حق، عبر استغلال الثقة الممنوحة والوعود الزائفة. على الفور، تحركت الأجهزة الأمنية، واتخذت الإجراءات القانونية اللازمة تجاه المشتبه به، ليتم إحالته لاحقًا إلى النيابة المختصة لاستكمال التحقيقات في هذه الواقعة.
مسار القضية قاد علاء الساحر إلى ساحات القضاء. يوم الثلاثاء الماضي، وقفت محكمة جنح أكتوبر على حيثيات القضية، لتستمع إلى الدفوع وربما الشهادات التي قد تلقي الضوء على هذا اللغز المالي. الجلسة لم تكن النهاية، بل كانت محطةً مهمة في طريق البحث عن الحقيقة والعدالة. ففي نهاية الجلسة، قررت المحكمة حجز الحكم على التيك توكر لجلسة يوم الإثنين المقبل، وهو ما يعني أن مصير “الساحر” وما إذا كان سحره سينقلب عليه، سيتحدد في الأيام القليلة القادمة. الأمر ده، بصراحة، بيخلي الواحد يفكر: هل الشهرة على السوشيال ميديا أصبحت بوابه لأي حاجة، حتى لو كانت مخالفة للقانون؟
هذه القضية، وإن بدت فردية في ظاهرها، إلا أنها تحمل في طياتها رسالةً بالغة الأهمية للمجتمع بأسره. إنها تضعنا وجهًا لوجه أمام التحديات التي يفرضها عصر الرقمنة وارتفاع نفوذ المؤثرين على الإنترنت. فبينما يفتح عالم السوشيال ميديا آفاقًا جديدة للتواصل والتعلم، فإنه يحمل أيضًا مخاطر كبيرة تتعلق بالتحقق من المعلومات، ومصداقية الأشخاص، خاصةً عندما يتعلق الأمر بالأمور المالية الحساسة. فهل أي شخص يمتلك عددًا كبيرًا من المتابعين يمكن أن يصبح مستشارًا ماليًا؟ وهل يجب علينا أن نضع أموالنا ومدخراتنا في أيدي من نعرفهم من خلال شاشة هاتف؟
الاستثمار في العملات الرقمية، رغم إمكاناته الواعدة، يظل سوقًا عالي المخاطر، ويحتاج إلى درايةٍ واسعة وخبرة متخصصة. الثقة في الأفراد غير المرخصين، بغض النظر عن شهرتهم على الإنترنت، قد يكون ثمنها باهظًا، وقد تؤدي إلى خسائر فادحة لا يمكن تعويضها. قصة علاء الساحر والشاب المدعي هي بمثابة جرس إنذارٍ يدعو الجميع إلى توخي الحذر الشديد، والتدقيق قبل اتخاذ أي قرارات استثمارية، خصوصًا تلك التي تأتي عبر قنوات غير رسمية أو من خلال نصائح من شخصياتٍ لا تحمل المؤهلات اللازمة لتقديم المشورة المالية. ففي النهاية، حماية أموالنا ومستقبلنا المالي هي مسؤوليتنا الأولى والأخيرة، ولا يجب أن نتركها بين يدي “ساحر” أو غيره، مهما بدت وعوده براقة.