حسن محمود
**هل تخيلت يوماً أن يصبح مصعد عمارتك معطلاً لأيام دون أن يعرف أحد من المسؤول عن إصلاحه؟ أو أن ترى حديقة مجمعك السكني تتحول إلى مرتع للإهمال، بينما تتلاقى النظرات الحائرة بين الجيران حول الجهة التي يجب أن تتولى رعايتها؟ هذه المشاكل، وإن بدت بسيطة، هي جوهر تحديات العيش المشترك في أي بناء أو مجمع سكني، وتكشف عن الحاجة الماسة لنظام يضمن لكل ساكن حقوقه ويلزمه بواجباته. هنا تحديداً، يأتي دور “اتحادات الشاغلين” كحل تنظيمي وقانوني يهدف إلى إرساء قواعد سليمة للحياة الجماعية.
في قلب التشريع المصري، وتحديداً في طيات القانون رقم 119 لسنة 2008 الخاص بالبناء، تبرز مواد هامة تنظم عمل هذه الاتحادات. القانون لم يترك الأمور للصدفة أو للاتفاقات الودية القابلة للتغيير، بل وضع إطاراً مؤسسياً يضمن استمرارية وصلاحيات هذه الكيانات. وبصراحة كده، من غير تنظيم زي ده، كانت الحياة المشتركة في العمارات والمجمعات ممكن تبقى عبارة عن مشاكل وخناقات لا نهاية لها.
المادة (76) من هذا القانون تعد حجر الزاوية في تأسيس هذه الاتحادات. فهي تنص بوضوح على أن الوحدات المحلية المختصة هي الجهة المنوط بها قيد هذه الاتحادات. تخيل كده إنها بتدي الاتحاد ده “شخصية اعتبارية”، يعني مش مجرد شوية جيران بيتفقوا مع بعض، لأ، ده كيان قانوني معترف بيه يقدر يتعامل ويتحمل مسؤولية ويقاضي ويُقاضى. وهذا القيد ليس مجرد إجراء روتيني، بل هو البوابة التي يكتسب الاتحاد من خلالها صفته الرسمية، وتظل الوحدات المحلية مسؤولة عن تحديث بيانات عضويته ومتابعة التزاماته.
ولضمان الشفافية والمساءلة، أوجب القانون إنشاء سجل خاص لكل وحدة محلية لتسجيل اتحادات الشاغلين التابعة لها. هذا السجل ليس مجرد دفتر عادي؛ إنه مرآة تعكس كل ما يدور في فلك الاتحاد. ففيه يتم تأشير محاضر الجمعيات العمومية، القرارات المتخذة، وأي تظلمات ترد من قرارات الاتحاد، مع توضيح تاريخ ورودها وطريقة تسليمها. وده بصراحة يطمن أي ساكن، لأنه بيعرف إن فيه جهة رسمية بتراقب وبتسجل كل حاجة، ومافيش قرار ممكن يتأخد من ورا ظهره.
لكن ما هي المهام الرئيسية التي تقع على عاتق هذا الاتحاد بمجرد تأسيسه؟ القانون رسم خريطة واضحة للمسؤوليات، يمكن تلخيصها في نقاط أساسية تركز على الحفاظ على العقار وضمان جودة الحياة فيه:
أولاً، الحفاظ على سلامة العقار وأجزائه المشتركة وملحقاته. وهذه ليست مهمة شكلية؛ فسلامة المبنى، من أساساته إلى سقفه، ومن سلالم المدخل إلى الأسوار المحيطة، هي مسؤولية جماعية. الاتحاد هنا بمثابة الحارس الأمين الذي يضمن عدم المساس بهذه السلامة، سواء كان ذلك نتيجة لإهمال أو تعديات.
ثانياً، ضمان صيانة العقار وترميمه وتدعيمه والحفاظ على طابعه المعماري. فالمباني، مثل الكائنات الحية، تحتاج إلى رعاية وصيانة دورية لتجنب تدهورها. سواء كان الأمر يتعلق بإصلاح تشققات، أو تجديد واجهة، أو حتى تدعيم أجزاء ضعيفة، فإن الاتحاد هو المظلة التي تجمع الإرادات وتوجه الجهود نحو تحقيق هذه الغايات. والحفاظ على الطابع المعماري للعقار ليس مجرد رفاهية، بل هو جزء من الهوية البصرية للمنطقة ككل.
ثالثاً، توفير الخدمات المطلوبة للعقار. ودي نقطة مهمة جداً وبتمس حياتنا اليومية بشكل مباشر. مين فينا مابقاش محتاج لخدمات نظافة، أمن، صيانة مصاعد، أو حتى تنسيق حدائق؟ الاتحاد هنا يتولى مهمة توفير هذه الخدمات الأساسية، وله في سبيل ذلك المرونة للتعاقد مع شركات صيانة المباني المتخصصة والمسجلة لدى الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء، مما يضمن مستوى احترافياً في الخدمات المقدمة.
هل يتوقف الأمر عند حدود البناء الواحد؟ ليس بالضرورة. ففي مجمعات سكنية ضخمة تضم عدة مبانٍ، قد تنشأ الحاجة لتنسيق أوسع بين اتحادات الشاغلين المختلفة. وهنا، تأتي المادة (74) لتكمل الصورة، حيث تجيز لمجالس إدارات اتحادات الشاغلين القائمة في مجمع سكني أن تنشئ فيما بينها “اتحاداً تنسيقياً”. تخيل كده لو عندك كمبوند كبير، الدنيا هتبقى ماشية إزاي من غير تنظيم شامل؟ هذا الاتحاد الأكبر يهدف إلى التنسيق في المسائل المشتركة التي تتجاوز حدود البناء الواحد، مثل البنية التحتية للمجمع كله أو الخدمات الأمنية الشاملة، كما يعاون الجهات الإدارية المحلية في أداء واجباتها. إنه بمثابة حكومة مصغرة للمجمع السكني الكبير، تعمل على تيسير الأمور وتجنب الازدواجية والتضارب في القرارات.
في النهاية، اتحادات الشاغلين ليست مجرد لجان شكلية، بل هي منظومة متكاملة تهدف إلى الارتقاء بجودة الحياة في المجتمعات السكنية. إنها آلية تضمن حقوق السكان، تحدد مسؤولياتهم، وتوفر إطاراً قانونياً لإدارة الممتلكات المشتركة بكفاءة وفعالية. ومع تزايد التوسع العمراني وإنشاء المزيد من المجمعات السكنية، يظل دور هذه الاتحادات حيوياً لضمان أن تبقى مساكننا آمنة، نظيفة، وذات قيمة معمارية واجتماعية. فهل كل منا مستعد للعب دوره في تفعيل هذه المنظومة والاستفادة منها لجعل بيئتنا السكنية أفضل؟ السؤال يبقى معلقاً أمام كل ساكن.
